السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«السيوح» مناطق صحراوية تتوسد الخضرة وتحتضن العمران

«السيوح» مناطق صحراوية تتوسد الخضرة وتحتضن العمران
19 يونيو 2009 00:08
حاصرت الشباب العماني خلال السنوات الخمس الماضية مجموعة من التحديات خلال سعيه الحصول على سكن مستقل، مع تغير الحياة الاجتماعية واتساع حجم العائلة الواحدة، فبعد سنوات يمضيها الشاب مع عائلته ضمن إحدى غرف المنزل يصل إلى نقطة لا مناص منها وهي الاستقلال في بيت، لكن الحصول عليه ليس بالأمر السهل. فيما فرضت الحياة المعاصرة شروطها على الشاب العماني فلم يعد من المستحب البقاء في بيت العائلة الكبير سنوات طوال، والتفكير في الاستقلال يبدأ بعد سنتين من الزواج، إن لم يكن قبل الدخول في القفص الذهبي، على أمل أن يكون الوصول إلى القفص الأسمنتي قريبا جدا. طفرة عمرانية من اللافت أن يشير البعض إلى مساحات كبيرة جدا من الأراضي ولم تكن إلا «سيوح» مناطق جدباء لا بشر فيها ولا شجر، وخلال خمس سنوات أصبحت حارة جديدة تم إيجاد مسمى لها ليسهل الإشارة إليها، جامعة أناسا من قرى شتى ليشكلوا ملامح مجتمع جديد، به جيران لا يعرفون بعضهم البعض (إلا نادرا) ليبدأوا رحلة حياة مختلفة عن عالم القرية الذي جاءوا منه، يتشابهون في ظروف بناء منازلهم: الوقوع في حبال شبكة البنوك وأقساطها، أو الدخول في جمعيات كثيرة لتجنب دفع فوائد، لكن الحال متفق على أن الأقساط المتكاثرة هي سيدة الموقف، وقليل من دفعوا للمقاول نقدا. الواقف أمام أحد «السيوح» يمكنه أن يلاحظ نحو عشرين منزلا تبنى في بقع متقاربة ومتباعدة أيضا، ويمكنه الاستدلال على مراحل بناء المنزل، فهذا لا يزال في حفرته الواسعة يقيم قاعدته الأولى، وذلك على وشك النهوض بجدرانه الأولى، وآخر يمثل مرحلة أخرى من البناء، وهكذا تتحول المنطقة إلى ورشة بناء كأن شركة واحدة تقوم بها مع أنها لمجموعة مقاولين أغلبهم شباب تحينوا فرصة هذه الطفرة العمرانية فأرادوا أخذ شيء من كعكتها. صعوبات يصطدم المقاولون الشباب بصعوبات تضرب أحلامهم وبالتالي أحلام الشباب أصحاب مشاريع المنازل، ويقف الجميع أمام تحديات وصعوبات متتالية، بدأت من الارتفاع الكاسح لأسعار الحديد والأسمنت، والتي وصلت إلى مستويات قياسية أثرت على المقاولين الشباب بدرجة كبيرة أصابتهم بخسائر لا يحتملونها؛ نظرا لضعف إمكانيات مؤسساتهم الصغيرة، وانسحب الأمر على المنازل التي توقفت، فيما يواجه أصحابها أمرين شاقين: الأقساط المترتبة عليهم والإيجارات التي يدفعونها، حيث إن بين أولئك الشباب من أراد الهرب من نيران الإيجارات المستعرة ليكون له منزله الخاص، حيث لا يطارده مؤجر بالرفع المستمر لقيمة الإيجار، لكنه وسواه وقعوا في الحفرة الواسعة بين قسط بناء منزل جديد خاص بهم، وإيجار منزل حالي صاحبه يحاصرهم بطلب المزيد أو الإخلاء الفوري. حياة جديدة تنتشر المنازل لتعطي السيوح حياة جديدة، إلا أن الصراع مع التحديات يعرقل ذلك التمدد العمراني في تلك البقع المهجورة من الأراضي، وتشير التقديرات إلى «أنه لا شيء يمنع زحف المنازل لاحتلال أراضي الصحاري، وربما ستتضح الرؤية خلال السنة القادمة، فأغلب المنازل المشيدة حاليا والجاري تشييدها حصاد ما قبل الأزمة المالية العالمية، والتي أثرت كثيرا على عدد كبير من الشباب العماني». قبل ثلاثة أعوام، سرت موجة المحافظ الاستثمارية لتكون الملاذ الكبير للشباب في السلطنة، خاصة بعد انهيار الجمعيات التعاونية، وكان الحل في المحفظة التي تعطي فوائد تصل في بعضها إلى 7%، وبدأت حسابات الشباب تتوالى، المبلغ الحالي يمكن تربيته في محفظة منها، وفي كل عشرة آلاف ريال عماني هناك 700 ريال تضاف شهريا، وللثلاثين هناك 2100 ريال، وهكذا أنعشت هذه الحسبة أحلام الشباب، وذهبت المدخرات سريعة إلى هذه المحافظ وسط تنامي الدعوات من الأهل والأصدقاء إليها، ومن لا يمتلك باع أرضا أو اقترض من البنك، ففوائد المحفظة تغطي أرباح القروض بمراحل، وفجأة انكشفت أحوال المحافظ الاستثمارية على وقع الأزمة المالية العالمية، ولم يبق للشباب سوى محافظهم، وقد خلت من الريالات اللازمة لدفع مستحقات الحياة اليومية، فكيف بها تكمل بناء منزل! ارتفاع الأسعار يرى البعض أن «الهجمة العمرانية على «السيوح» قد تتقلص، فالأمكنة الخلاء التي أصبحت أحياء سكنية مليئة بالتباينات الاجتماعية، حيث المنزل الصغير يجاور الفيلا الضخمة، لن تتمدد بالسرعة التي سارت عليها وتيرتها خلال السنوات الماضية، حتى وهي تواجه عواصف ارتفاع أسعار الحديد والأسمنت، لأن الأزمة الحالية عصفت بأحلام الشباب». يضاف إلى ذلك أن المصارف العمانية امتنعت عن إقراض من يقل راتبه عن 350 ريالا بعد إحصائيات رأت أن هذه الفئة هي الأكثر تعثرا لسداد القروض. في مقابل ذلك، هناك من يرى أن «عملية البناء أكبر من أن تحاصرها الأزمات، والدليل على أنه في الوقت الذي كان كيس الإسمنت سلعة نادرة في السوق المحلية، لم تتوقف عملية البناء» فيما اضطرت الحكومة لتوزيع الإسمنت حسب الحجز وبعد تقديم إباحة البناء لكسر السوق السوداء التي كانت تكدس الإسمنت لتبيعه بأضعاف ثمنه لمن يرغب في إنهاء عملية بناء منزله، والحاجة تدعو إلى احتمال نار السعر، لأن طول أمد بناء المنزل له خسائره الكبرى أيضا، وتم في العام الماضي توزيع الإسمنت بخمسة أكياس لكل منزل قيد البناء. النمو العمراني يرى المراقبون أن «ارتفاع أسعار البناء حدث عالمي، والأسواق الخليجية المجاورة التي كانت مرجعا للشركات العمانية لاستيراد مواد البناء كالإسمنت والحديد تعيش بنفسها طفرة عمرانية، الأمر الذي شدد الطلب على هاتين الخامتين، وفي عمان فإن حركة النمو العمراني شهدت حركة غير مسبوقة خلال الخمس سنوات الأخيرة». وأشار مسؤول في إحدى بلديات المنطقة الداخلية إلى أنهم يصدرون نحو أربعين إباحة بناء شهرين في ولاية تعتبر صغيرة مقارنة بولايات أخرى في السلطنة، أي أن نحو 500 منزل يتم تشييدها في الولاية خلال عام واحد، وأغلبها في مخططات سكنية جديدة. ولم يفلح هجوم الأسعار على أحلام الشباب العماني في وقف تعمير المناطق الصحراوية وتحويلها إلى قرى جديدة بملامح مختلفة تتخذ من المدينة ثقافة الجوار، حيث المكان منازل وشوارع ووجوه تحاول أن تخفف غربتها عن الأخرى بالتقرب الذي يحتاج سنوات طويل ليكتمل التقارب النفسي، وغاب الجانب الأهم عن المناطق السكنية الجديدة، حيث إن القرية كانت تتشكل في حاراتها من قبيلة واحدة، فيما الحارات الجديدة متضمنة قبائل قد تكون غريبة في تسمياتها لبعض الساكنين. ولأن الظروف التي تدفع الشباب لتعمير «السيوح» أكثر قسوة من الظروف الأخرى الطارئة، فإن عملية التمدد العمراني خارج التجمعات السكانية التقليدية ستتواصل، فربما لن تتوقف عجلة التطوير عن السير فوق حصى المكان، إلا أن الشاب يضع على ظهره الحصى الأكبر في معركة البناء، وبدلا من أن يخرج من مواجهة عملية البناء بخسائر يمكن الصبر عليها خمس سنوات مقبلة، سيدفع عشر سنوات من عمره لإكمال عواقب ما دفعه إليه حلمه بمنزل مستقل، به أكثر من غرفة يتوزع عليها أولاده بدلا من التزاحم في بيت الوالد، أو في بيت مؤجر لا يكف صاحبه عن طلب المزيد.
المصدر: مسقط
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©