الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السخط والكبرياء

السخط والكبرياء
8 مايو 2008 03:39
''طيلة سنوات بقيتُ صامتة، مستخفّة بكل شيء مثل ذئبة هرمة تبرّح بها الرغبة في افتراس الخراف والأرانب، ولكنّها تغالب هذه الرغبة وتكبتها··· فجأة مثل جنديٍّ يندفع خارج الخندق ويهجم على الأعداء، اندفعت باتجاه الآلة الكاتبة''· هكذا تحدّث الصحفية أوريانا فلاتشي قارءها المفترض عن الظروف الحافة بتأليفها لكتابها ''السخط والكبرياء''· صدر الكتاب في نيويورك سنة 2001 ثم توالت طبعاته· والثابت أن فلاتشي من أصل إيطالي كانت تقيم في إيطاليا ثم توطّنت أميركا· وهي صحفية مرموقة أجرت محاورات مطوّلة مع كلٍّ من أنديرا غاندي وغولدا مائير والإمام الخميني وياسر عرفات وغيرهم· لكن كتابها الأخير مازال يثير جدلاً كبيراً في الأوساط الثقافية الغربية، إذ انبرى العديد من المثقفين والصحفيين في إيطاليا وفرنسا للردّ عليها وتفنيد آرائها الداعية إلى التصادم بين الحضارات· تعترف الكاتبة في مقدمة الكتاب بأنها تمكّنت من لجْم جميع غرائزها العدوانية تجاه بني البشر· لكن الظروف العالمية هي التي حفّزت في قاع روحها نزوعات ثأرية دفينة ظلّت تتحيَّن الفرصة لتطلّ برأسها من مضجعها· هذه النزوعات هي التي ستجعل الكتابة عبارة عن مطاردة عنيدة لما تعدّه فلاتشي آخرها الملعون مجسّداً في ثقافة العرب التي تسلّلت إلى تكوينها الثقافي· ففي حين يجمع مؤرخو الأدب على أن كتاب ألف ليلة وليلة مثلاً قد مثَّل بالنسبة إلى الثقافات الغربية مَعِيناً وشاهداً على فتنة الخيال وقوّته في غزو مناطق تفلت من قبضة عقلانية عصر الأنوار التي أفقرت الكائن وأفقرت الحياة، ستعمد فلاتشي إلى محو هذه الهالة فتعترف بأنها قد افتتنت بألف ليلة وليلة منذ طفولتها واجتذبها خيال شهرزاد باتجاه الغريب والفريد والفاتن· لكنها تصرّ على تحقيره فتكتب: ''لكنني لا أستطيع، مع ذلك، أن أشكّ لحظة في أن كتاب ألف ليلة يمكن أن يرتقي إلى مستوى الإلياذة أو الأوذيسة أو محاورات أفلاطون··· أو إلى مستوى الكوميديا الإلهية لدانتي أو تراجيديات شكسبير''· هذا الإصرار على جحود فضل الآخر (الشطر الملعون) سرعان ما يتحوّل إلى رغبة عاتية في كتابة تاريخ مُوازٍ لتاريخ الأفكار والعلوم بغية مَحْوِ منجزات هذا الآخر المطلوب تحقيره· لذلك تشرع الكاتبة في تتفيه الخوارزمي ومن ورائه كل المنجز المعرفي العربي الإسلامي· فتكتب جازمة: ''إذا كنتم تعتقدون أن العالم الرياضي العربي محمد بن موسى الخوارزمي قد أدخل مفهوم الصفر فأنتم واهمون''· وتسند هذا الاكتشاف إلى عالم الفلك الهندي براهماسبوتا سيدهانتا· ثم تشير إلى أن شعب المايا كان قد اكتشف هذا الاكتشاف السعيد قبل غزو أميركا بأحقاب· ولا تتفطّن إلى أن الغرب الذي تنتصر له هو الذي أباد شعب المايا وشعب الأزتيك وحرم الدنيا من الاستفادة من حضارة من أعظم حضارات الكون وهو ما تشهد به خرائب مدينة مكسيكو التي دمّرها الغزاة الغربيون بعد اجتياح العالم الجديد·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©