الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

متون

متون
8 مايو 2008 03:42
فيصل جلول يرصد صعود الغرب على قمة هرم الفكر العربي الحملة الفرنسية وجدلية الهزيمة العسكرية والانتصار الثقافي د· أحمد الصاوي في كتابه ''مصر بعيون الفرنسيس'' يقدم فيصل جلول للقارئ العربي صورة متعددة الزوايا لأصول الثقافة السياسية العربية، انطلاقا من التأثير الفرنسي في صياغة هذه الأصول وطبيعة الرؤى الفرنسية المختلفة· وينقسم الكتاب إلى قسمين الاول عن عناصر الخضوع والممانعة في أصول الثقافة السياسية العربية والثاني يحوي نصوصا فرنسية عن حملة بونابرت على مصر وحرب السويس وتقييم التجربة الناصرية· وفي القسم الاول يؤكد فيصل جلول أن مصر تحولت خلال القرون الثلاثة الأخيرة إلى مركز لإعداد النخب العربية والاسلامية سواء في الازهر أو المدارس التابعة للمؤسسات التبشيرية الغربية ومن ثم كان أي تأثير على سياستها وثقافتها يترك آثاره بسهولة في أرجاء الوطن العربي· وأول هذه التأثيرات جاء مع حملة بونابرت على مصر في نهاية القرن الثامن عشر حيث تراكمت من وقتها عناصر خضوع تجمعت على مر السنين وأصبحت راسخة في اللاوعي العربي مقابل عناصر ممانعة جدية ما برحت تظهر في صفوف قسم وافر من النخب السياسية والأدبية والشطر الأكبر من الرأي العام منذ الحملة نفسها· فصل العلوم وحسبما يعتقد جلول فإن العرب والمسلمين تخلفوا عن أوروبا منذ إقدامهم على الفصل بين علوم العرب وعلوم الاجانب حيث انتصرت وجهة نظر الإمام الغزالي في نصه الشهير ''فيصل التفرقة بين الشريعة والزندقة'' على وجهة نظر ابن رشد، كما لخصها في نصه الشهير ''فصل المقال بين الحكمة والشريعة من اتصال'' ومن ثم توقفت أسباب نهوض المسلمين التي اعتمدت في التجربة الاسلامية على المزاوجة بين العلوم الدينية وعلوم الأجانب· وجاءت حملة بونابرت في هذا السياق لتؤسس لما يسميه جلول هرمية الحضارات فعلى الرغم من الفشل العسكري للحملة فإنها نجحت من الناحية الثقافية في تأسيس وعي هرمي لدى العرب على قمته الحضارة الغربية المظفرة ليس بقوتها العسكرية وانما بعلوم الاجانب التي كان المسلمون يخشون تأثيرها على دينهم· ويرصد المؤلف تجليات هذه الهرمية في ردود أفعال المثقفين المصريين على الاحتفال بالذكرى المائتين لحملة بونابرت حيث رأى بعضهم انه لا بأس من تمجيد ما سموه الوجه التنويري للحملة، وهو ما يعني استبطان هذه الهرمية في اللاوعي المصري والعربي والتسليم بأن علوم الاجانب هي الأفضل والتخرج في جامعاتهم والحصول على شهاداتهم والافتخار بأوسمتهم· هرمية الحضارات ويقدم فيصل جلول عرضا شيقا لردود أفعال النخب العربية تجاه الاحساس بهذه الهرمية فقد سلم كل فريق من هذه النخب بهذه الهرمية بطرق مختلفة، ففيما استمرت النخب التقليدية في رفض الأخذ بعلوم الاجانب والفصل بينها وبين العلوم الدينية ولكن على المستوى النظري تطور الأمر في ظل ما يعرف بالصحوة الاسلامية إلى الأخذ عمليا بمقولات ابن رشد في المزاوجة بين العقل والنقل، أما الحداثيون من مختلف التيارات السياسية فقد احتملوا داخلهم وعي ''اسفل الهرم'' وصاروا يتطلعون إلى أعلى الهرم تماما كما يتطلع ساكن الكوخ إلى صاحب القصر· كان هؤلاء وما زالوا يعتقدون أن عليهم أن يسيروا على خطى الغرب الأوروبي للوصول إلى قمة الهرم أي بالاعتماد على العقل واستنتاجات العلوم الاجنبية، ولا فرق في ذلك بين الليبراليين والماركسيين· وفي القسم الثاني من الكتاب يقدم فيصل جلول براهينه على ان الفرنسيين سعوا عمدا إلى صناعة هذا الوعي الهرمي في مصر منذ حملة بونابرت وإلى اليوم· ويرى المؤلف الحملة الفرنسية بوصفها غزو السيف والقلم باعتبار انها اول حملة عسكرية في التاريخ يصحبها جيش من المثقفين· حيث أراد بونابرت ان يلمس المصريون التفوق الغربي العلمي أي استحالة انتصارهم على الغرب ليس لأنهم لا يملكون وسائل الانتصار وأدواته العسكرية المبنية على الارادة والافتخار الحضاري بل لأنهم لا يملكون المعرفة الغربية التي تجعل التفوق المادي قدرا يصعب نفيه، فلماذا يموت المسلم في مقاومة بونابرت دفاعا عن حضارة متخلفة وأدنى مرتبة من الحضارة الغربية المنتصرة؟ وهكذا بعد أن انتصر بونابرت على المماليك نظم عروضا علمية في القاهرة ليبرهن للقاهريين على أن انتصاره على المماليك انتصار علمي في الأصل وليس عسكريا وبالتالي لا راد لهذا الانتصار لأنه قدري أبدي· نص تولار ويورد المؤلف نصا فرنسيا حرره جان تولار، أكبر المتخصصين في عصر نابليون عن حملة بونابرت على مصر معتبرا انها حملة غريبة الأطوار لكنها تنطوي على فوائد· ويشير تولار الى ان الذهول خيم على العسكريين المشاركين في الحملة وهم يشاهدون مثقفين واختصاصيين يصعدون إلى البواخر منهم 12 عالم رياضيات و3 علماء فلك و16 مهندسا مدنيا و13 عالم طبيعيات و5 مهندسي مناجم و4 مهندسين معماريين و8 رسامين و10 أدباء و22 اختصاصيا في الطباعة مجهزين بأحرف لاتينية ويونانية وعربية· ويتضمن هذا النص إشارات ذات فائدة كبيرة للراغبين في الاطلاع على طبيعة الاحوال السياسية في فرنسا خلال تلك الفترة وعلاقتها بحملة بونابرت والتأثيرات الادارية والعلمية للحملة في مصر· وقد أورد فيصل جلول فصلين كاملين عن حريق القاهرة في عام 1952 وأنه كان ثورة عارمة من الشعب على هرمية الوعي السياسي وادانة شعبية للنفوذ الاستعماري الاوروبي، وعزز هذا الاستخلاص بتخصيص الفصل الثاني لشهادة الفرنسي جورج مينان الذي رأى بعينيه وقائع حريق القاهرة وسجلها فيما يعتبره المؤلف وجهة نظر غير محايدة ولربما حاقدة· إريك وينر سافر متتبعاً خريطتها فعاد بفكرة كتاب السعادة·· ليست حبيسة الاقتصاد ولا الجغرافيا! غادة سليم تخيّل لو أنك تعيش في بلد يقدم كل شيء فيه بالمجان؟ أو أن تعيش في بلد يكون الذهاب فيه إلى العمل أمراً اختيارياً؟ أو في بلد ديمقراطي جداً يأخذون رأيك في كل شيء قبل أن يقدموا على تنفيذه؟ أو في بلد آمن مطمئن بلا أطماع خارجية أو اضطرابات إقليمية أو أزمات محلية؟ أو في بلد حر جداً تفعل فيه ما يحلو لك دون أن يسألك أحد عما تفعل؟ هل ستكون سعيداً إذن··؟! هل هذه هي جنة الله على الأرض؟ وهل هناك أناس خلقوا سعداء وآخرون كتب عليهم الشقاء؟· أسئلة تبحث في أصل السعادة· بينما منظور السعادة يختلف من شخص لآخر باختلاف فلسفته في الحياة· فهل السعادة هي المال؟ أم الراحة؟ أم حق التعبير؟ أم الأمن؟ أم الحرية؟ أم الطمأنينة وراحة البال؟ وبافتراض أن هناك خريطة للسعادة تتحدد عليها الزوايا الهانئة على ظهر كوكب الأرض والأخرى البائسة، قام الصحفي الأميركي إريك وينر برحلة حول العالم للبحث عن الأماكن السعيدة· فخاض تجربة امتدت عاماً كاملاً للبحث عن الدول التي تعكس لدى المرء الشعور بالبهجة والاستمتاع والسرور، والمدن التي توحي للمقيمين فيها بأن الحياة جميلة ومستقرة وخالية من الضغوط والآلام· فيقول وينر في كتابه: ''شددت الرحال إلى بلاد العالم بحثاً عن السعادة· فكنت أعتقد أن السعادة لم تخلق لتقسم على كل البشر بالتساوي، بل لكي ينعم بها القلة المحظوظون فقط· وهناك ملايين البشر مثلي خدعتهم المقولة التي تدعي أن السعادة تكمن في ذواتنا وأضاعوا عمرهم ينبشون عنها في دواخلهم· ولكن كيف يمكن أن تقنع نفسك بأنك سعيد من الداخل بينما كل شيء حولك يبعث على الكآبة·؟ ورغم ذلك كنت مؤمناً بأن السعادة إذا لم تكن موجودة هنا فلا بد أنها موجودة هناك· في ركن ما من هذه الأرض ولكن أين هو هذا الركن الهنيء؟· سؤال سافرت أبحث له عن إجابة''، وهي رحلة أفرزت كتاباً شائقاً غنياً بالمغامرات والمعلومات والطرائف يتكون من 352 صفحة ومكتوب بلغة صحفية بسيطة خفيفة الظل بعنوان ''جغرافيا السعادة''، وهو صادر باللغة الإنجليزية عن دار ''تويلف'' في يناير ·2008 ويحكي وينر في كتابه عن ميلاد فكرته قائلاً: ''لقد كانت أمنيتي دوماً أن أذهب في رحلة حول العالم ولكن على نفقة شخص آخر· وكانت المشكلة أنني لا أملك سوى حفنة مهارات بسيطة، ومزاج عبوس متقلب، ومبادئ أخلاقية متواضعة! لذا لم يكن أمامي فرصة إلا أن أكون مراسلاً صحفياً· فعملت لسنوات مراسلاً خارجياً لإذاعة الشعب الأميركية· كانت مهمتي أن أسافر إلى أكثر البلاد اضطراباً في العالم أنقل الكوارث والمصائب والأخبار السيئة· وما كان عليّ إلا أن أضع الكاميرا على كتفي والمسجل في يدي والقلم والورق في جيبي وأتوجه للقاء الأشخاص الأكثر حزناً وبؤساً وسوء حظ في العالم· والحقيقة أنهم كانوا كذلك؛ لأنهم ببساطة يعيشون في أماكن غير سعيدة· وقلت لنفسي ماذا لو أنني جبت العالم بحثاً عن السعادة والسعداء والأماكن السعيدة؟!''· وخلال رحلته للبحث عن السعادة، وضع خريطة للبلدان التي تمتلك مقومات السعادة مثل المال والاستقرار والمتعة والاستقرار الأسري والراحة النفسية والرموز الروحية· فزار دولاً مثل أيسلندا وبوتان وقطر وهولندا وسويسرا وتايلاند والهند ليتحرى أثر أشخاص يرون أنهم سعداء· وفي أول محطة لبحثه عرج على هولندا لزيارة مركز روتردام العالمي لإحصاء السعادة والذي يعنى بجمع المعلومات عن كل ما يجلب السعادة للبشر، وهناك اصطدم بحقائق بعيدة عن تصوره· إذ اكتشف أن أسباب السعادة لا علاقة لها بالثروة أو المساواة الاجتماعية أو الراحة أو الحرية أو الديمقراطية· فلم يكن السويسريون أكثر سعادة من الهنود، ولم يكن الدنماركيون أقل سعادة من القطريين· وغير صحيح أن الألمان سعداء والرومانيين تعساء والأميركيين بين هذا وذاك· واكتشف أيضاً أن هناك معايير لا تخطر على بال بشر تجلب السعادة لبعض الشعوب· فالشتاء البارد المظلم الذي يحل على أيسلندا يبعث على أهلها السعادة!· وحرص حكومة تايلاند على الحالة النفسية لمواطنيها دفعها إلى وضع مؤشر قومي للسعادة حتى تضمن أن كل فرد يحظى بقدر كبير من المرح··! بينما أهل المالديف كانوا تعساء؛ لأن مصدر سعادتهم هو شعور من حولهم بالفشل· بينما شعب بوتان الفقير كانوا أكثر سعادة ومرحاً عن غيرهم من الشعوب الغنية التي تبالغ في الإقدام على الانتحار· وخلال جولته، لم يكتف إريك وينر بكتابة تقارير اقتصادية عن البلاد التي زارها، بل خالط الشعوب وشاركهم حياتهم اليومية المثيرة·· فجلس على أرصفة الشوارع في الهند، وأكل اللحم النيئ في أيسلندا، وارتاد حانات المخدرات في هولندا، وحضر جلسات روحانية في بنجلاديش· وفي نهاية المطاف، اكتشف أن السعادة ليست حبيسة الاقتصاد ولا الجغرافيا، بل هي شيء نسبي لا توجد بوصلة في العالم يمكن أن تشير إليه· عناوين ومضامين هيئة أبوظبي للثقافة والتراث تنشر آخر نتاجات صلاح صلاح أصدرت هيئة أبوظبي للثقافة والتراث روايتين للأديب الفلسطيني صلاح صلاح الذي غيبه الموت مؤخراً، وقد وقع الإصدار في كتاب واحد متضمناً رواية ''للأعداء أمهات أيضاً''، و''رجل·· امرأة، أو·· أكثر''· جاء في كلمة مختصرة بداية الكتاب: ''عرفاناً من هيئة أبوظبي للثقافة والتراث بما قدمه الراحل صلاح صلاح من مساهمات قيمة في الثقافة العربية، تقدم آخر عملين وجدناهما في أوراقه بعد رحيله، آملين أن نكون قد وفيناه جزءاً من حقه علينا''· الكاتب أهدى الرواية الأولى إلى والدته، مستذكراً أبيات الشاعر محمود درويش: ''وأعشق عمري لأني إذا متّ أخجل من دمع أمي''· وفي اختصار مكثف لمضمون العمل، كتب صلاح صلاح على صفحاته الأولى: ''قال ممثل الكيان الصهيوني في الأمم المتحدة إن الفلسطينيين لا يحبون أبناءهم، لذا يرسلونهم في عمليات انتحارية· إليه عذابات أم عربية فلسطينية، لا تحب أبناءها فقط بل حتى أمهات وأبناء أعدائها''· تتناول الرواية الأولى خواطر امرأة فلسطينية، هي ''أم صبحي''، فيما هي تناجي نفسها حين لم يعد ابنها صبحي ذو الأعوام الأربعة عشر، إلى البيت ذات مساء، الأم تعرف من بعض سكان الحي أن ابنها شوهد في عربة للفدائيين، تدرك ما ينتظرها جراء ذلك، وتقبله راضية، لكن سؤالاً يقفز رغماً عنها إلى الخاطر الكسير: ''أليس صغيراً على ذلك''؟ وفق هذا السياق التراجيدي المفتوح على قدرية فجائعية تدور أحداث الرواية، التي تحتل الأم الفلسطينية محوراً رئيسياً في تداعيات أحداثها، حيث يمكن للأحداث المتتالية أن تظهر مقدار ما تتمتع به تلك المرأة المشحونة بالحب من قوة وعزيمة اسثتنائية الطابع، بالرغم من مناخ الضعف والإحباط الذي يهمين على تفاصيل عيشها اليومي· أطفال كتب عليهم أن يكبروا قبل أوانهم، وأمهات قدر لهن أن يتجرعن مرارة الخسارة والفقدان، وأن يتقبلن ما يعنيه ذلك من حذف بند المستقبل عن لوائح الأحلام والأماني· على هذه الخلفية التراجيدية نسج صلاح صلاح روايته مفرداً لها العديد من الأمكنة والمساحات الزمنية أيضاً، هي تبدأ من فلسطين لكنها تتمدد نحو أبوظبي، وبيروت على امتداد عقد من السنين، وتبقى خاتمتها مفتوحة على الاحتمالات المتعددة في المكان والزمان· في الرواية الثانية، التي تضمنها الكتاب، نصغي إلى بوح رجل وامرأة أرهقتهما تفاصيل الحياة المعاصرة، تأتي الأحداث مروية على ألسنة الخاضعين لها، تختلف التفاصيل لكن وقعها على النفس البشرية يبدو واحداً، الإحباط أقرب إلى قدر مرسوم منه إلى حادث عرضي يمكن تفاديه· قسوة العيش تقصي مشاعر الشغف الذي يحمله العشاق في دواخلهم، وتنحرف بالحوار المنشود بينهم نحو البعد الداخلي، حيث يؤول الخطاب الثنائي إلى مونودراما وجلة تتهيب المشاركة، وتقنع بالانكفاء السلبي نحو الذات المجردة· القارئ للكتاب لا يسعه إلا التأمل في عبارة يوردها الكاتب الراحل على لسان أحد شخصياته: ''كلنا موتى تحت الطلب، لكننا لا ندري متى، فها يعني ذلك أن نعيش كل حياتنا في حزن ونحرم أنفسنا من الفرح''! أمين معلوف يسترجع العراق في مقدمة جروح في شجر النخيل قصص تجاور الموت··· بترفّع رولا عبدالله خمسة عشر جرحاً محفوراً على جذع شجرة نخيل عراقية صامدة في عراء الموت والجوع ونير المحتل· تقاوم الشجرة بأصوات حية ترتفع فوق الألم والمحن، الى مراتب المقاومين، الذين يجاهدون بالكلمة دفاعاً عن وطن وحضارة وإرث أجداد· تحكي بلغة أبنائها عن صورة لجسد ناقص، ترنيمة، وأسرى، وملثم، ومقبرة، وحطام، ووجوه، وحلم كبير· تبدأ الشجرة حكاياها من الحلم عسى ألا يتوه في الطرقات التي باتت منافذها مسدودة بالبارود· ذاك الحلم العراقي الذي يقدم الكاتب أمين معلوف نبذة عنه في تقديمه للمجموعة القصصية ''جروح في شجر النخيل''، الصادرة عن دار رياض الريس للكتب والنشر بتمويل من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ومشاركة تسعة كتّاب وست كاتبات من العراق· يسترجع معلوف بعضاً من ذكريات العراق: ليس فقط عراق الحضارات القديمة، عراق سومر وحمورابي وجلجامش وبرج بابل وابراهيم الخليل، عراق الجاحظ والمتنبي وأبي نواس وهارون الرشيد وبيت الحكمة وإخوان الصفا··· بل العراق الأقرب الينا بكثير، العراق الذي أضاء طفولتنا نحن وصبانا، عراق النهضة والتحديث، عراق الأدباء والملحنين والرسامين والنحاتين والبنائين· عراق الانسان والكلمة· ذكريات مشرفة تلك الذكريات المشرفة، جُلدت ومُزقت وأهرق دمها، تماما كما هو حال عراق اليوم· البلد الذي يرى معلوف بأنه راح ضحية الجميع بلا استثناء: ''ضحية الآباء والأبناء والأشقاء والأعداء وأعداء الأعداء· طُمر حياً أمام أعيننا، وكل منا رمى على الضريح حفنة من تراب وتمتم نصف صلاة، ثم أدار ظهره وأسلم ضميره للنسيان''· لكنه في المقابل يرى في كتّاب العراق الذين ما زالوا يناضلون بالكلمة بارقة أمل تصعد من تحت الركام، أصوات نبيلة ساخطة هي نبرات البطولة الحقّة والايمان غير الملطخ· لذلك يطلب لو تصمت الاذاعات والشاشات المريعة، من أجل جلسة في خشوع مع عراق الحياة والكلمة والأدب· يكتب: ''هنا الأدب يرتقي، مع كل صفحة، الى معناه الأعمق والأسمى· هنا الأدب، في كل قصة، يجاور الموت بترفّع ويصارع قوى الفناء ولا يكفر لحظة بالحياة· هنا الأدب يعيد الى الانسان قدسيته والى الايمان براءته''· يوضح رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في العراق كارل ماتلي، بأن الحاجة الى شهادات تظهّر ما عاناه العراقي وما زال، من جرّاء الحروب المتتالية والحصار والنزاعات الداخلية والاحتلال والتهجير القسري والعنف الطائفي، عجّلت في ولادة كتاب يمنحه منبراً لإسماع صوته فوق صخب العنف· يبرر كارل: ''من غير المعهود للجنة الدولية للصليب الأحمر أن تمول كتابا لا يتطرق مباشرة الى الأمور المتعلقة بالعمل الانساني أو باحترام القانون الدولي· لكن في العراق، وربما أكثر مما في أي بلد آخر تعمل فيه اللجنة الدولية، فرضت فكرة الكتاب نفسها نتيجة الصعوبة المتزايدة للالتزام كلياً بمهمة المنظمة على الرغم من سعيها الدؤوب لذلك''· تولّت ندى دوماني (مسؤولة الاعلام في اللجنة)، مهمة اعداد الكتاب الذي جمع كتّابا من شتى الخلفيات المهنية والتربوية والمذهبية والجغرافية، وجميعهم ما زالوا مقيمين في بلدهم على أمل استعادة شيء من الحياة الاعتيادية· ذاك الأمل الذي يتشبث به معوّق حرب في قصة أحمد سعداوي التي تحمل عنوان ''صورة لجسد ناقص''· يصف القاص العم الذي تركت الحرب بصماتها على جسده: ''انه شخص ما زال على قيد الحياة، هذا المعوّق، لكنه يفكر بذاك الجزء الذي مات منه، وهو يعلم أن علاقته مع الموت كانت أكثر جدّية من أية علاقة ينجزها آخرون، المكتملو الأجساد''· لكن العم ينتصر على الاعاقة بدافع حبه للحياة، فاذا به بعد سنوات من الانتكاس النفسي، يتخلص نهائياً من آثار فقدانه لذراعه· يبدأ يبني حياة جديدة، ممكنة· المتحف والموت يخلّف تدمير المتحف العراقي جرحاً عميقاً لدى أحمد خلف في قصة ''ترنيمة الإله والذهاب الى أقصى الخراب''· يزاوج في قصته بين تجربته الشخصية المستوحاة من كاتب سومري كان يجلس محنياً رأسه على كتابه في لوح الطين··· والأخبار التي كثرت عن سرقة أكثر من 220 قطعة أثرية نادرة من المتحف الوطني العراقي· الموت وأطوار بهجت بطلا الحكاية التي يرويها حسن العاني في قصة ''ملثّم ومقبرة وحلم كبير''· يقدّم قصته بالاشارة الى أن العراقي انسان محكوم بزمن لا يحدده عزرائيل ولا القدر ولا الأجل، وانما موقعه على انترنت النهاية، وتسلسله في قائمة التصفيات''· أما أطوار، البنت الحلوة، فإنه مسؤول عن قتلها منذ وافق متحمساً على تشغيلها محررة في مجلة ''ألف باء''· يعلّق على موافقته تلك بأنها كانت جريمة ارتكبها بحقها في وضعها في حقل ألغام لم يلبث أن انفجر وشظّى جسدها· يحمل نص الكاتبة لطيفة الدليمي في شهادة ''محنة البقاء في بلد الظلال''، أوجاع العزلة والوحدة والعيش على حافة الحياة في بلد استوطنه وحش خفي يتربص بأناسه· تكتب عن مغامرة العيش في العراق: ''أضيء الظلال الكثيفة لأعرّي الوحش الخفي المتربص بنا· لا شيء أشد توحشاً من الوحدة· الوحدة غير العزلة، انما هي ألا ترى أحداً الا صورتك تتكرر في المرايا وتنعكس في السماء فلا تعود عندها قادراً على رؤية وجه الآخر أو سماع صوته· هكذا نحن في بغداد، ننكفئ على وحوشنا الشخصية ونرسل الآخر الى الجحيم''· وهكذا تتوالى فصول الكتاب من قصص هي أقرب الى توثيق شهادات يومية معاشة منها الى فن القصة المحكوم بقوالب محددة، الا أن السرد والتوثيق لا يفوتان على القارئ فرصة متعة القراءة واستكشاف أساليب أدبية متنوعة تختزن اللغة والصورة والشهادة القصصية· لكن الغرض من المتعة في هذا الكتاب، ليس بهدف الاثارة والتشويق وتمضية الوقت بحسب ما تؤكد الجهة الناشرة، وانما من أجل أن تحرك ساكناً· فإذا بتسلسل القصص من ''أسرى'' لارادة الجبوري، الى ''قبلة قبل الموت'' لأسماء مصطفى، الى ''نحو المجهول'' لتيلي أمين، الى ''حطام للذكرى'' لخضير الحميري، الى ''ثلاثة وجوه لامرأة عراقية'' لسلوى زاكو، الى ''ذكريات يوم كئيب'' لصباح آرام، الى ''كمسك الجمر'' لطورهان كتانة، الى ''ذاكرة مثل طريق الموت'' لعماد حسن، الى ''متاهة الجندي'' لمحمد أحمد، الى ''وللألم لون وطعم ورائحة'' لنرمين المفتي، الى ''وهربت الألوان'' لهناء غالب''، كلها تلك بمثابة توثيق لعقود ثلاثة مرة خبرها العراق، ومن جهة أخرى فإنها تحمل دعوة للانتفاض على ''حفلة'' المجون والجنون، التي تضرب البلد منذ عقود، وما تزال· تونسي استقطبته المافيا الإيطالية وأسقطته في أيدي الشرطة التايلندية تسع سنوات في الجحيم الطيب بشير تمّ في مطار بانكوك الدولي بتايلندا إلقاء القبض على شخص يدعى رينيه بلاتان يحمل الجنسية الفرنسية متلبسا بتهريب كيلوجرامين ونصف من المخدرات (من نوع الهيرويين)· والحقيقة أنّ الشاب الذي قبضت عليه الشرطة التايلندية هو تونسي في العشرين من عمره واسمه الحقيقي هو مراد البريكي، وجواز سفره الفرنسي كان مزوّرا· وبعد محاكمته تم إيداع المهرب ''الفرنسي'' في سجن ''لاردياو'' الذي يضمّ ستة آلاف سجين بين قتلة ومغتصبين ومهرّبي مخدرات· والكتاب الذي نعرضه وصدر بعنوان ''تسع سنوات في الجحيم'' هو مذكرات هذا السجين التونسي الذي وقع في مصيدة المافيا الإيطالية، وقضى تسعة أعوام في احد أتعس السجون بتايلند بعد ان تمتع بعفو، اذ ان الحكم الصادر ضده يقضي بسجنه مائة عام، وروى ما عاشه وشاهده من ذلك مثلا أن حراس السجن المشرفين كانوا غارقين في الفساد، وهم الذين كانوا يتولون بشكل أو بآخر ترويج وبيع المخدرات داخل السجن نفسه· بداية الطريق يقول مراد البريكي وهو يسرد في مذكراته بداية القصة التي ستقوده إلى الجحيم: ''كنت شابا يافعا أعمل في فندق سياحي بمدينة ''سوسة'' (140 كلم جنوب تونس العاصمة)، وكانت الحسان الأوروبيات في الفندق صيدا سهلا لي ولزملائي، وبسرعة ويسر نجحت إحدى الحسان الأوروبيات، وكانت غاية في الجمال، في جلبنا إليها والى رفاقها من نساء ورجال وكلهم من الايطاليين· كانوا مجموعة يحيطون بروبرتو وهو يبدو كزعيم لهم يتبادلون الحديث معه وهم جلوس حوله في استرخاء ودعة بجانب مسبح الفندق وهو يدخن السيجار الكوبي الفاخر''· ويضيف: ''كانت باولا تمشي في إغراء ودلع في فندق ''الهناء بيتش'' بمدينة سوسة وهي ترتدي فستانا أبيض قصيرا ونظرات الرجال تلتهمها التهاما· تظاهرت الحسناء الايطالية بأنها معجبة بي ودعتني بعد انتهاء عملي في الفندق لنسهر في احد الملاهي الليلية الكثيرة المتناثرة في مدينة سوسة الساحلية الجميلة، وطبعا قبلت وجاءت معها المجموعة كاملة، وكان روبرتو يدفع بسخاء عجيب تكاليف السهرة الصاخبة''· ويواصل مراد ذكرياته: بعد أيام قليلة تكررت فيها اللقاءات انفرد بي روبرتو في الفندق، ولأنّ الحديث ذو شجون فقد زيّن لي فكرة الهجرة إلى ايطاليا وعرض عليّ فكرة السفر للعمل في روما، وكان أثناء الحديث يمتدح خصالي معربا عن استعداده لمساعدتي· وبمرور الايام توطدت العلاقة بيني وبين المجموعة من السياح الايطاليين الذين جاؤوا للاستمتاع بإجازة على شاطئ البحر وأصبحنا شبه اصدقاء، وبعد عودة الجميع الى ايطاليا أصبح روبرتو يتصل بي من حين لآخر عبر الهاتف ويطالبني بالقدوم الى ايطاليا رفقة صديقي شكري الذي كان يعمل معي في نفس الفندق· لم أكن أعلم شيئا عن وظيفة روبرتو، وكل ما فهمته من سياق الحديث معه أنه تاجر، ولم أكن أعلم ايضا ماذا سأشتغل عندما سأسافر الى ايطاليا، ولكن كل ما أدركته انه سيساعدني على ايجاد عمل براتب مغر، وبعد أن وافقنا انا وزميلي على السفر بادر بإرسال تذكرتي طائرة الينا وهو ما زاد من اقتناعنا بأن الرجل كريم وخدوم وجدي في عرضه''· المهمة السرية ويواصل مراد البريكي في مذكراته الصادرة باللغة الفرنسية سرد الأحداث التي عاشها قائلا: ''أقنعت أهلي بصعوبة بقرار الهجرة للعمل في ايطاليا، فأنا وحيد والديّ، وأمي تشتغل معلمة ولم تكن تسمح عائلتي لي بخوض مغامرة غير محسوبة العواقب، ولكنّ إصراري كان كبيرا، وانتهت أسرتي الى الرضوخ أمام رغبتي الجامحة في خوض تجربة الهجرة، ولكن ستبين لي الايام أني ذاهب الى الجحيم''· ويقول مراد: كان يوم سفري هو آخر يوم أرى فيه والدي، ولم أكن أعلم أن مغامرتي ستجعلني أطيل إقامتي في الغربة، فقد توفي والدي بعد سنوات من هجرتي ولم أحضر جنازته، ولو أدركت أنّ الدموع التي ترقرقت من عيني والدي هي دموع الوداع الأخير لما أقدمت أبدا على الهجرة، ولكنّي كنت شابا في العشرين أحلم بجمع ثروة طائلة، وكانت أوروبا في تلك الأيام هي بمثابة الجنة الموعودة· وصلت أنا وصديقي شكري الى روما، وكان روبرتو في استقبالنا وتمّ تسليمنا حال وصولنا مبلغا من المال لتصريف شؤوننا ولنتدبر أمرنا وننفق منه على ما قد نحتاج اليه، والتقينا بأشخاص آخرين لا معرفة لنا بهم سابقا، واختاروا لنا فندقا للاقامة وطلبوا منا حجز غرقة به لأيام معدودات· كانت الأمور تسير بالنسبة لي ولصديقي بشكل رائع، فقد وجدنا من يحتضننا ويدفع ثمن إقامتنا ويمدنا بالمال في انتظار التحاقنا بالعمل· وكانت المفاجأة السعيدة عندما أطلت علينا الحسناء باولا التي تعرفنا عليها في مدينة سوسة، ودون إضاعة للوقت تم إعلامي بأني مكلف بجلب وثائق مهمة من بلد لم يقع تحديده لي في آسيا· وتم التنبيه عليّ بأنّ هذه الوثائق مهمة جدا، وأنه يتعين عليّ الحرص على ألا يعلم أحد بهذه المهمة السرية، وتمت الاشارة إلى أن هذه الرحلة تتضمن مخاطر دون تحديد نوعية هذه المخاطر، ولكن المقابل المالي لأداء هذه المهمة كان مبلغا ماليا كبيرا جدا ومغرياً شديد الإغراء''· ويضيف مراد: ''لقد تم تقديم المهمة التي كلفنا بها بأنها مهمة دقيقة وان هالة من السرية والغموض يحيطان بها وأننا سنكون بمثابة جيمس بوند· كنت في العشرين من عمري وتتابعت الاحداث بسرعة ولم أجد الوقت حتى لمجرد التفكير فقد دخلت في دوامة الاستعداد لهذه الرحلة''· جوازات مسروقة ويواصل مراد البريكي سرد مذكراته قائلا: ''تم تسليمنا جوازي سفر جديدين وتولى روبرتو اعلامنا بأننا منذ تلك الساعة اصبحنا مواطنين فرنسيين وان اسمي اصبح رينه بلاتان وان مهنتي هي مصور، وتم طبعا الاحتفاظ لديه بجواز سفري الأصلي، وأصبحت منذ تلك اللحظة أحمل معي حقيبة بها كل لوازم مصور محترف، أما صديقي التونسي شكري فقد أصبح اسمه روجيه دوبون ومهنته تاجر حسبما ينص عليه جواز سفره المسروق، وقد أظهر روبرتو أمامنا جواز سفر فرنسيا باسم آخر ومهنة أخرى، وتدربنا تحت نظره على حفظ تواريخ ميلادنا الجديدة وأماكنها كما حفظنا عن ظهر قلب الارقام الجديدة لجوازات سفرنا· وتم بشكل محترف لا يدع مجالا للشك وضع صورنا فوق جوازاتنا المسروقة بدقة متناهية لا يمكن أن تثير الريبة، فمن قام بالعملية محترف والايطاليون معروفون بحذقهم لمثل هذه الاساليب في التزوير''· كما في الأفلام ويواصل مراد البريكي وصف رحلته العجيبة بقوله: ''سافر ثلاثتنا أنا وصديقي وروبرتو باتجاه كالكوتا، وبعد ان استقرت الطائرة في مجراها، وبعد ان تناولنا أكلة لذيذة، ونحن نحتسي فناجين القهوة كان الحديث يدور بيننا في شتى المواضيع، وبحرفية متناهية وفي سياق الكلام سرّب لي روبرتو بما يفيد بأنه قام سابقا بمهمة مماثلة بجلب وثائق وانه تم ايقافه وسجنه، وإن من كلفوه بالمهمة سخروا له أمهر المحامين وخرج من القضية بأخف الاضرار· وأكد لي بأنه خرج بسرعة من السجن وتم منحه مبلغا ماليا كبيرا جدا· كان يحدثني وهو يحدق فيّ جيدا لمعرفة رد فعلي· قضينا أياما نأكل أحسن أكل ونقضي سهرات ممتعة في الملاهي وأغدقوا علينا المال الوفير بدون حساب''· ويضيف: ''تفطنت في الاثناء الى مكالمات هاتفية كثيرة كان يجريها مرافقي الايطالي، ولكني لم أولِ الأمر أهمية كبيرة فقد انغمست في أجواء الرحلة الممتعة· انتقلنا الى دلهي وأمرت بأن التقط صورا اينما حللت ثم فجأة تغير مكان المهمة من الهند الى تايلند· وصلنا أخيرا إلى بانكوك بعد جولة في العديد من البلدان الآسوية، ووفق التوصيات فإن كل واحد منا عليه ان يتصرف بعد وصوله إلى العاصمة التايلندية وكأنه لا يعرف الآخر، وكل واحد نزل بغرفة منفردة بفندق فخم بقلب بانكوك هو فندق ''مون تيان''، وأعطيت لنا الأوامر بأن لا يتمّ تبادل الحديث بيننا الا في حانة الفندق''· حقيبة المفاجآت ويسرد مراد ما جرى معه قائلا: ''كنت جالسا في غرفتي في الفندق عندما تسربت رسالة مغلقة لي من تحت الباب· فتحت الرسالة فوجدت بها ورقة تتضمن التعليمات الواجب عليّ اتباعها· تقول الرسالة إن في خزانة غرفتي حقيبة والمطلوب مني أن آخذها وأنزل الى الشارع المقابل للفندق وأتجه الى كابينة الهاتف العمومي· وتضيف الورقة إن شخصا سيأتيني وهو يحمل حقيبة مماثلة تماما للحقيبة التي أحملها، والأوامر تقول إنه يجب أن نتبادل الحقائب ثم أعود الى غرفتي· وفي الموعد المحدد تمت فعلا عملية تبادل الحقائب، ولا حظت منذ البداية أن الحقيبة ثقيلة ورغم أني رجل قوي البنية إلا أني حملتها بصعوبة· عدت الى غرفتي في الفندق وعند فتحي للحقيبة فهمت انها تحتوي على مخدرات· أذهلتني المفاجأة· وتتالت التعليمات لي بعد ذلك مع تهديد واضح بأني لو ترددت أو عدلت عن إتمام المهمة فإن الموت هو مصيري· كانت الحقيبة تحتوي على 20 كلج من الهيروين، وتم من جديد إصدار الأوامر لي من تحت باب غرفة الفندق بأن أتولى توزيع الظروف المحتوية على المخدرات وفق أرقام محددة لغرف في نفس الفندق· ونفذت الأوامر وكنت أجد الأبواب شبه مفتوحة أضع الظرف دون أن أرى أو أتحادث مع من هو في الغرفة، وأدركت ان المكلفين مثلي بعملية تهريب المخدرات هم موجودون مثلي في الفندق ولم أكن أعرفهم ولم أكن أعلم بوجودهم''· التنفيذ أو·· الموت ويقول مراد: ''تم اعطائي أوامر بارتداء ملابس داخلية كانت موجودة في الفندق وأن أخفي طيها كمية محددة من الهيرووين· لبست اللباس الداخلي وبه جيوب ملتصقة بجسمي حيث أخفيت فيها قراطيس المخدرات ولبست قميصا من الحرير فضفاضا حتى أبقي على قدرتي على الحركة بيسر· بعد ذلك تمّ تحديد ساعة سفري وأمرت بتناول حبوب مهدئة حتى لا تظهر على ملامحي أي مظاهر ارتباك او جزع ولكي أتخلص من الاضطراب النفسي· فكرت في التخلص من أكياس المخدرات في المرحاض بالمطار، ولكني تذكرت أنه تم تهديدي بالموت إن أبديت أي اعتراض على مواصلة الخطة المرسومة لي، فإما تنفيذ الأوامر بدقة أو الموت''· ويتابع: ''وصلت المطار لأسافر على الرحلة من بانكوك الى روما· كنت أحمل بيدي تذكرة السفر· شعرت بخوف شديد وامتلك الجزع كامل كياني وكان قلبي يدق كالطبل· أمتار قليلة تفصلني عن اجتياز خط التفتيش وأصل إلى الطائرة التي ستقلني إلى عالم الحرية· اقترب مني أحد رجال الجمارك وألصق يديه بجسمي· ساعتها أحسست كأن الارض زلزلت تحت قدميّ، أحسست بالاختناق وأمرني رجل الجمارك بالمرور الى غرفة مجاورة لتفتيشي بدقة أكثر· تم القاء القبض علي متلبسا بتهريب المخدرات· ساعتها كان إحساسي كأنّ رصاصة اخترفت صدري· وفي اليوم الموالي صدرت جريدة ''بانكوك بوست'' وعليها صورتي وخبر عن إلقاء القبض على مهرب مخدرات فرنسي''· أساليب المافيا ويختم مراد البريكي سرد رحلته في الجحيم فيقول: ''علمت بعد محاكمتي وسجني أن العصابة التي كنت ضحية لأخطبوطها تواطأت مع بعض رجال الجمارك الايطاليين ليدلوا بمعلومات للسلطات في بانكوك عني كمهرب ليتم القبض عليّ في حين أن بقية المهربين، في نفس الرحلة ـ مروا بسلام، فقد أدركت بعد فوات الأوان أني ذهبت ضحية صفقة، خططت عصابات المافيا لتضحي بكيلوجرامين ونصف الكيلو، وهي الكمية التي كنت أحملها في حين تم في نفس الرحلة تهريب 27 كيلوجراما من الهيرويين· تلك هي أساليب المافيا الجهنمية· تم الحكم علي بمائة عام سجنا جرى تخفيضها الى 50 عاما ثم الى 25 وفي المدة الاولى لسجني تولوا تقييدي بسلاسل من حديد في رجلي وزنها 5 كيلوغرام وقد سقطت عدة مرات أرضا لأني لم أكن قادرا على المشي· وبمناسبة احتفال ملك تايلند بالذكرى الستين لميلاده، وهي مناسبة انتظرتها للتمتع بالعفو الذي وجهت مطلبا بشأنه، تم تمتيعي بتخفيض عقوبتي خمس سنوات وقد قضيت في السجن تسع سنوات بأكملها ذقت فيها الويلات وشاهدت فيها ما تشيب له الولدان·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©