الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

القراءة الأميركية لخطاب نتانياهو

القراءة الأميركية لخطاب نتانياهو
20 يونيو 2009 00:38
ليلة الأحد الماضي ألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي خطاباً استبعد فيه ضمناً قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، ويتعين النظر إليه على أنه صفعة قوية لجهود تسوية النزاع الإسرائيلي الفلسطيني على أساس حل الدولتين. لكن الملاحظ أن كافة الصحف الأميركية الصادرة صباح الاثنين الماضي حملت أنباءً عن موافقة نتانياهو على قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، بينما أعلن البيت الأبيض ترحيبه بذلك الخطاب، معتبراً إياه «خطوة كبيرة للأمام». وما أسهل أن تنقلب الحقيقة رأساً على عقب حين يتعلق الأمر بإسرائيل. والسبب أن إساءة أو خطأ قراءة التصريحات الإسرائيلية، يعد تقليداً ثابتاً له جذور بعيدة في أوساط الصحفيين والمعلقين السياسيين الأميركيين. بل الحق أن مصطلحاً سياسياً خاصاً تم تطويره في الإعلام الأميركي الخاص بتغطية النزاع الإسرائيلي الفلسطيني؛ والسمة الرئيسية لهذا المصطلح أن يهيكل ويمنهج الطريقة التي تقرأ بها هذه القصص والتغطيات الإخبارية الخاطئة على نحو يجعل من الصعب جداً على القارئ إدراك كنه هذه القصص ومدى صحتها من عدمه. بل تحجب تلك الطريقة عن الصحفيين أنفسهم فرصة النظر الناقد إلى ما يكتبونه عن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. والغاية الرئيسية لهذا المصطلح السياسي السائد في الصحافة الأميركية، هي دفع القراء والجمهور الأميركي لقبول كل ما يصدر عن إسرائيل والموافقة الآلية على ما قد يرفضه الجمهور نفسه فيما لو كان يتعلق بطرف آخر غير إسرائيل. ولتأكيد صحة ما أقول، دعونا نتوقف قليلاً عند هذا المثال الكلاسيكي. فعادة ما تعتمد حوارات الساسة الفلسطينيين والحركات السياسية الممثلة لهم، على طيف سياسي واسع يتراوح بين «المتطرفين» و«المعتدلين» هنا في الولايات المتحدة الأميركية. وعادة ما يبدو صوت الفئة المعتدلة مقبولاً، بينما ينظر نظرة سلبية إلى مواقف وآراء المتطرفين. وترى الجميع يستخدم هذه المصطلحات ويقرر مواقفه وآراءه بناء عليها، دون أن يكلف نفسه مشقة تأمل ما تعنيه على وجه التحديد. كما لا يكلف أحد من هؤلاء نفسه إثارة السؤال عن المعايير الذاتية والموضوعية التي أطلقت على أساسها هذه «الوصفات» الجاهزة لأطراف الحوار. وبالمقارنة يلاحظ صبغ الساسة الإسرائيليين بصبغة مختلفة جداً عن تلك التي يصبغ بها الساسة والمتحاورون الفلسطينيون. فالساسة الإسرائيليون يقسمون هنا على أساس «صقور» و«حمائم». وخلافاً لنظرائهم الفلسطينيين، فليست ثمة صفة سلبية تلحق بأي من هذين الوصفين للساسة الإسرائيليين، المستعارين من عالم الطيور. وهنا يجب علينا أن نثير السؤال: لماذا لا يوصف أي سياسي فلسطيني هنا بأنه ينتمي إلى فئة «الصقور»، كما لا يوصف سلباً أي سياسي إسرائيلي بأنه «متطرف» في المصطلح السياسي السائد في الصحافة الأميركية؟ ولمن يريد المزيد، فهناك عدد لا يحصى من الأمثلة الدالة على ازدواجية المعايير اللغوية المستخدمة في وصف طرفي النزاع. فعلى سبيل المثال، دأبت الصحافة الأميركية على استخدام مصطلح «عرب إسرائيل» على رغم وعي هؤلاء وتسميتهم لأنفسهم بأنهم فلسطينيون. وبالمثل توصف الوحدات السكنية الإسرائيلية التي أقيمت في الأراضي الفلسطينية المحتلة- في انتهاك صارخ للقانون الدولي- بأنها «مستوطنات» أو «مناطق الجوار»، بدلاً من تسميتها على حقيقتها ووصفها كما هي أي كونها «مستعمرات استيطانية». وربما يبدو وقع هذه الكلمة الأخيرة قاسياً على الأذن، إلا أنها التوصيف الأكثر دقة لواقع الاستعمار، بمعنى استيطان مجموعة سكانية ما، وتشكيلها لمجتمع مجاور أو خاضع لـ «دولته الأم». والحقيقة أن هذه التمايزات اللغوية الطفيفة في وصف الواقع، تحدث فارقاً كبيراً جداً في الفهم. ذلك أن هضمها واستيعابها في لا وعي الجمهور، يسهمان كثيراً في تشكيل الطريقة التي ينظر بها إلى الأحداث والأشخاص المرتبطين بها. وبالنتيجة، وما أن يتعلق الأمر بإسرائيل، يلاحظ أن المصطلحات المستخدمة في وصفها ووصف من يرتبطون بها، تبدو محايدة من الناحية اللغوية، وتدفع جمهور الصحافة الأميركية إلى قبول ما يرفضونه لو كان قد صدر عن أي دولة أخرى على الفور. وهذا هو بالضبط ما يفسر تهنئة الصحافة الأميركية لنتنياهو على موافقته على قيام الدولة الفلسطينية المستقلة في خطابه الأخير، رغم صحة أن الدولة الفلسطينية التي صورها الخطاب أو حدد شروطها، بالكاد ينطبق عليها وصف الدولة أصلاً. فلننظر إلى كلمة «الدولة» في المعجم اللغوي. ولسوف نجد أن معانيها تشير إلى وحدة التراب والحدود، وإلى السلطة والسيادة. وبالمقارنة فإن كيان الدولة الذي تحدث عنه نتانياهو في خطابه المذكور، يفتقر إلى أي من هذه السمات الأساسية للدولة، إذا ما لاحظنا أنه تحدث عن دولة لا حدود جغرافية سياسية واضحة لها، وعن دولة محرومة من فرض سيطرتها على حدودها أو أجوائها، كما لا يحق لها إبرام أي اتفاقيات أو معاهدات مع بقية الدول الأخرى. فلن تكون هذه دولة بأي حال، إلا إذا كان للتفاح أن يصبح برتقالاً أو أن تصير السيارة طائرة! فكيف إذن تسنى لكبريات الصحف الأميركية أن تسوّد صفحاتها الأولى الصادرة يوم الاثنين الماضي بعنوان عريض يقول: «رئيس الوزراء الإسرائيلي يدعم قيام دولة مستقلة للفلسطينيين»، كما فعلت صحيفة «نيويورك تايمز» مثلا؟ أو أن تنشر «لوس أنجلوس تايمز» خبراً يقول: نتانياهو يتمسك بحل الدولتين؟ أو أن يصف الناطق الرسمي باسم الرئيس أوباما إعلان نتانياهو بأنه يمثل «خطوة كبيرة» باتجاه الحل السلمي للنزاع؟ الإجابة عن كل هذه الأسئلة: إنه اختلاف المصطلح السياسي. ساري مقدسي أستاذ الأدب المقارن بجامعة كاليفورنيا، ومؤلف «كتاب فلسطين: حقائق الاحتلال اليومي» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمزوواشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©