الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

زيمبابوي... وخيار «المجازفة المحسوبة»

زيمبابوي... وخيار «المجازفة المحسوبة»
20 يونيو 2009 00:39
يتطلع رئيس الوزراء الزيمبابوي، مورجان تسفانجراي، إلى تحقيق أمر نادر وصعب في الوقت نفسه، فهو يسعى إلى اقتسام السلطة مع الرجل الذي حاول تصفيته، حيث يجلس صباح كل يوم اثنين على نفس الطاولة مع الرئيس موجابي لمناقشة شؤون البلاد واتخاذ القرارات المهمة، علماً بأنه كان يسعى وراء رأسه قبل شهور قليلة فقط. ومع ذلك أخبرني رئيس الوزراء في لقاء أجريته معه مؤخراً أثناء زيارته إلى واشنطن بأن موجابي الذي يبلغ من العمر 85 عاماً: «شخص يستطيع أن يكون ودوداً عندما يريد ذلك، لكني أتوخى الحذر عندما ألمس منه الطيبة، حينها أرتاب أكثر في النوايا التي يضمرها». والحقيقة أن موجابي له تاريخ حافل في تدجين خصومه السياسيين، أو تصفيتهم إذا استعصوا على محاولات الاستيعاب، وهنا يؤكد تسفانجراي أن موجابي فشل بالفعل في تدجينه هو مثل الآخرين، حيث ظل شوكة في حلقه حتى بعد محاولات التصفية العديدة التي تعرض لها على يد رجاله. ففي عام 1997 حاول بعض عملاء النظام إلقاء تسفانجراي من الدور العاشر لإحدى البنايات، ثم اعتقل في عام 2002 بتهمة الخيانة وهدد بالإعدام، وأخيراً تعرض في عام 2007 لضرب مبرح على يد أشخاص محسوبين على موجابي، وبالطبع كانت الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي جرت في العام الماضي هي القشة التي قصمت ظهر البعير لما انطوت عليه من تجاوزات قيل إنها سرقت الفوز من تسفانجراي وأعطته لموجابي في تحد تام للمبادئ الديمقراطية وقواعد الانتخابات الحرة والنزيهة. ولكن على رغم كل ذلك أصبح تسفانجراي جزءاً من اتفاق اقتسام السلطة مع موجابي بتوليه منصب رئيس حكومة الوحدة الوطنية، وهو ما يصفه تسفانجراي نفسه بأنه «مجازفة محسوبة» تقوم على نقطتين، الأولى قلقه من أن الزيمبابويين قد ملوا من التظاهر في الشوارع احتجاجاً على تزوير الانتخابات، وعن ذلك يقول: «نحن لا نريد أن يصل الناس إلى مرحلة التعب والتململ من الاضطرابات الجارية، وقد شعرنا بأن الناس يريدون تجريب حكومة الوحدة ووضع حد لمتاعبهم الاقتصادية». أما النقطة الثانية التي بنى عليها تسفانجراي حسابات الدخول في شراكة لاقتسام السلطة مع موجابي فهي كون هذا الأخير «جزءاً من الحل»، فعلى رغم إصرار معظم المراقبين الدوليين المتابعين للشأن الزيمبابوي على ضرورة مغادرة موجابي للسلطة يرى تسفانجراي في المقابل أن حضور موجابي مهم «للحفاظ على الاستقرار والأمن في المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد»، لأن البديل في نظره قد يكون عسكرة الصراع والدخول بالبلاد في أتون حرب أهلية، فضلًا عن أنه يأمل في أن يفكر موجابي في تركته التي سينهي بها مشواره الطويل في السلطة باعتباره مؤسس البلاد وليس السياسي المسؤول عن خرابها. ولكن بالنظر إلى تاريخ موجابي يبدو أن آمال تسفانجراي تنطوي على بعض السذاجة وإن كان يصر على مقاربته السياسية التي يقول إنها قائمة على الواقعية. وحول ذلك استطرد قائلاً: «لا تتوقع أبداً أن يستيقظ الناس الذين كانوا عنيفين بالأمس على سلوك سلمي في الصباح»، بحيث تستند استراتيجيته على «بناء المؤسسات بالتدريج دون استعجال» وذلك من خلال إعادة كتابة دستور جديد وإجراء انتخابات نزيهة. ويتحدث تسفانجراي كثيراً عن بناء المؤسسات و»الآليات» اللازمة لذلك، فضلاً عن «النسق السياسي» لتثبيت الديمقراطية وجعل مسيرتها غير قابلة للارتداد، والهدف النهائي هو محاربة الحكم الفردي بسلاح التدرج وتمهيد البيئة المناسبة لإنتاج التطور. وبعد أربعة أشهر على تشكيل حكومة الوحدة الوطنية ما زالت النتائج ملتبسة، فقد ساهم تسفانجراي في استعادة الاستقرار الاقتصادي للبلاد من خلال ضبط معدل التضخم الكبير بعدما حذف البنك المركزي في شهر أغسطس من عام 2008 عشرة أصفار من قيمة العملة، وأزال بعد خمسة أشهر 12 صفراً آخر، واليوم ألغت الحكومة التعامل بالعملة المحلية وأقرت مكانها الدولار الأميركي، أو «الراند» الجنوب أفريقي، كما عادت البضائع والسلع الأساسية إلى واجهة المحال. ولكن مع ذلك ما زال حزب موجابي الحاكم مسيطراً على الشرطة السرية والوزارات الأساسية، فضلًا عن استمرار المضايقات ومصادرة الأراضي الزراعية، ومع أن تسفانجراي يرى في تلك التجاوزات مجرد «بقايا في طريقها إلى الاندثار»، إلا أنه من الصعب تخيل انحسارها دون معركة حقيقية، ناهيك عن تكريس موجابي لقبضته من خلال تعيين رجاله في المناصب الحكومية المهمة في انتهاك صارخ لاتفاق اقتسام السلطة. وهذه الانتهاكات هي ما ركز عليه تسفانجراي خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن حيث طالب بتنحي المدعي العام المعروف بقسوته ومحافظ البنك المركزي الفاسد اللذين عينهما موجابي. وطالب أيضاً المجتمع الدولي بالضغط على الرئيس للحفاظ على اتفاق اقتسام السلطة. والواقع أن الأمر موكول إلى رئيس جنوب أفريقيا الجديد، جاكوب زوما، للضغط على موجابي، بالتخلي عن «الدبلوماسية الصامتة» التي انتهجها سلفه وذلك بالإصرار على ضرورة احترام الاتفاق وعدم المس بمقتضياته. ومع ذلك تبقى استراتيجية تسفانجراي باقتسام السلطة مع موجابي بهدف إنهاء حكمه صعبة المنال في النهاية بالنظر إلى السوابق التاريخية غير الناجحة في هذا المجال. وإذا فشل في مساعيه سيكون مجرد ضحية أخرى من ضحايا موجابي، ولكن إذا نجح سيتحول إلى رجل دولة استثنائي ضحى بحقه الشخصي في العدالة من أجل تقدم بلده، وحينها سيصبح هو المؤسس الحقيقي لزيمبابوي. مايكل جيرسون محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©