السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

امرأة عن..

7 ابريل 2017 21:58
منذ أن شاهدتها بالفيديو لم يعد المثل القائل «امرأة عن عشرة رجال» فاعلاً- احترامي الشديد لطوال الشوارب – ولا المثل القائل «بعدج صغيرة تحرين عمرك؟» فيه ذرة من العقل! منظر امرأة تقود سيارة دفع رباعي «فورويل» تمخر رمال الصحراء وتعكر سكونها، تضع رجلها على البنزين وتسيطر على زمام الأمور حتى تصل إلى العزبة مقر عملها، وهي تقترب من الثمانين يُعجز الوصف. تذكرك هذه المرأة بأخريات أصغر منها بكثير تجلس الواحدة منهن على الكرسي المتحرك لا تقوى على الحركة والشغالة أو أولادها يدفعونه، أو واحدة أخرى جالسة في البيت أو راقدة «لين الضحى»، أو تبحث عن السهل في الحياة وتجد من يشجعها! فتتمنين لو أنك باحثة في علم الأنثروبولوجيا حتى تتمكني من مراجعة ما طرأ على حياتنا نحن النساء، البدو والحضر، من تغير أثر على تفاعلنا اليومي مع ما حولنا وغير نمط حياتنا، فلم يعد صغرنا وكبرنا واحداً. لحظة هبوطها من الفورويل تترجل «أم راشد» سالكة دربها دون عكاز، ودون مساعدة من أحد، ليظهر مستضيفها في المقابلة كما لو أنه «متلوم فيها»، يمسك لها الباب فتخرج وهي لم تطلب مساعدة أصلاً، ثم تشق طريقها واثقة الخطوة تمشي ملكاً وبهدوء نحو غايتها، والكاميرا تتحرك مقتفية لك ملامح وجهها المتورد والعينين الباسمتين، وكل هذا من تحت البرقع، والجسد يتهادى برشاقة وصولاً إلى دبشها، وفي قلبها ذكريات عن «عييلة» عجيلة صغيرة دللتها، وكان حلمها أن تنام إلى جوارها وأن تأكل «ها السمن» وتشرب الحليب. تشعر أنك أمام طفلة عندما تحكي عن هذا الحلم الذي أوصلها، لا لأن تصنع الروب واللبن و«الجامي»، مسخرة ظروف بيئتها القاسية في ذلك الحين لمصلحة مشروع صغير، بل أوصلها لأن تحمد الله على أنه سخر لها هذا العقل لتستمر بصباها، فلو لم تخرج يوماً واحداً إلى هوشها وبوشها «لتكسحت». بتركيز ذهني تتكلم عن بدايتها «يوم عمري تسع سنين قلت لابويه اشتر لي بقرة، اشتر لي عييله». الطموح، الجرأة وأن يعيش الإنسان بلا قيود يخلقها لنفسه لكي يبدع إرثاً إنسانياً، تتمنين لو يطلع عليه أبناؤنا في المدارس بدل الندوات والمحاضرات الفارغة في كل مناسبة. في طريق العودة بينما يتهادى الفورويل وسط الكثبان الرملية، وبروح الفكاهة والمرح، تصيح أم راشد بالأخ الذي أحب أن يرافقها «أنفخه» فيقول.. لا. من «أم راشد» ما في إلا في الألف واحدة، الله يحفظها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©