الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

بداية «مرتبكة» لأول أيام الانتخابات التعددية في السودان

بداية «مرتبكة» لأول أيام الانتخابات التعددية في السودان
12 ابريل 2010 01:00
أدلى مئات الآلاف من الناخبين السودانيين بأصواتهم أمس في أول انتخابات تعددية منذ 1986 وسط ترتيبات أمنية مشددة وانتشار لنحو 54 ألف فرد من قوات الشرطة لتأمين مراكز الاقتراع البالغ عددها 13 ألف مركز فضلاً عن شوارع رئيسية في المدن والقرى. وينتظر ان تستمر الانتخابات التي شهدت في يومها الأول هدوءا أمنيا وفوضى وارتباكا في عمليات الاقتراع الذي تفاوت بين اقبال ضعيف ومتوسط اليوم الاثنين وغدا الثلاثاء وسط توقعات بإعلان النتائج الأولية الأحد المقبل. وحظيت العاصمة الخرطوم بأعلى نسبة تأمين شرطي في أعقاب انتشار واسع لشائعات تروج بوجود كمائن مسلحة تستهدف الناخبين وصناديق الاقتراع إلا أن العملية مرت في يومها الأول بسلام تام ولم تشهد أي انفلاتات أمنية أو حالات شغب لكنها لم تخل من بعض المعوقات الخاصة بأسماء الناخبين أصابت البعض بالإحباط. واصطف مئات الآلاف من السودانيين أمس للإدلاء بأصواتهم في انتخابات تاريخية شاب انطلاقها بعض الارتباك . وشهدت بعض مراكز الاقتراع فوضى إذ تعين على سلفا كير رئيس حكومة جنوب السودان الانتظار 20 دقيقة تحت شجرة حتى يفتح مركز الاقتراع الذي أدلى فيه بصوته في جوبا وأفسد بطاقة اقتراعه الأولى عندما وضعها في الصندوق غير المخصص لها. وبدأت تتشكل الصفوف صباح أمس في الخرطوم حيث ساد الشوارع هدوء غير معتاد وسط وجود مكثف للشرطة وكانت هناك أنباء عن تأخير في مناطق أخرى. وبدأت الانتخابات وسط حالة من الارتباك في الخرطوم ، حيث حضر الناخبون قبل موعد فتح المراكز وانتظروا لربع ساعة على الأقل للبدء بالتصويت في حين كان موظفو مفوضية الانتخابات لا يزالون يفتحون رزم بطاقات الاقتراع أو يزيلون الأغلفة عن صناديق الاقتراع البلاستيكية. وسرعان ما تشكلت طوابير أمام المراكز ، في صفين ، واحد للرجال وآخر للنساء بأثوابهن التقليدية المزدانة بالورود. وكان اللافت في معظم المراكز أن صفوف النساء أطول من الرجال،وأن معظم الناخبين من الشباب دون 30 عاماً. وبدت شوارع العاصمة السودانية خالية وهادئة رغم أن أيام الانتخابات الثلاثة لم تعلن عطلة رسمية ، لكن العديد من سكان الخرطوم سافروا إلى الولايات قبل الانتخابات خوفاً من حدوث مشكلات ، كما علم لدى شركات النقل. واضطر الناخبون في بعض المراكز للانتظار أكثر من ساعة تحت أشعة الشمس الحارقة مع تجاوز درجات الحرارة 40 درجة مئوية ، حيث لم تتوافر مقاعد انتظار سوى في عدد قليل من مراكز الاقتراع. وكانت سيارات صغيرة تصل تباعاً محملة بعدد من الناخبين وعليها لافتات قماش رسم عليها شجرة أو شمس أو عصا، وهي تباعاً رموز المؤتمر الوطني الحاكم، وحزب المؤتمر الشعبي بزعامة حسن الترابي ، أو الحزب الاتحادي الديمقراطي ، الأحزاب الرئيسية الثلاثة المشاركة في الانتخابات. وفي مركز دار السلام المغاربة في الخرطوم - بحري قال وكلاء مرشحين إنهم جاءوا ووجدوا الشرطة في المركز ولكن موظفي الاقتراع لم يكونوا قد وصلوا حتى الساعة الحادية عشرة. لكنهم اكتشفوا بعدها أنه تم تغيير مركز الاقتراع دون إشعار مسبق. وقال سيد أحمد عثمان ، وكيل أحد المرشحين “أبلغنا أن المركز انتقل لمكان آخر، وعندما ذهبنا لم نجد أسماءنا على القوائم”. وفي مدرسة أسماء بنت أبو بكر جنوب الخرطوم ، جلس عاصم فتح الرحمن (22 عاماً) ينتظر وقد بدا عليه التوتر. وقال عاصم “هذه أول انتخابات أشارك فيها في حياتي وأنا قلق جداً ، وأدعو الله أن أصوت بالطريقة الصحيحة لأن عملية التصويت صعبة ومعقدة”. وأضاف “لم يقم أي شخص بإعطائي إرشادات حول كيفية التصويت”. ولاحظ مراسل فرانس برس أنه لا توجد داخل مراكز الاقتراع إرشادات مكتوبة أو مرسومة عن كيفية التصويت في بلد يعاني من نسبة أمية عالية تصل الى 70% في الجنوب. ووصف عثمان محمد أحمد رئيس مركز الاقتراع بمدرسة أم المؤمنين بمحلية أبو سعد إقبال الناخبين بأنه كان جيداً ومنظماً لكنه لم يخلو من عثرات بسبب فقدان أسماء ناخبين في السجلات الخاصة بالأسماء. وقال إن عشرات الناخبين بالمركز فوجئوا بغياب أسمائهم عن السجلات بعد أن كانوا قد أتموا عملية تسجيل أسمائهم بذات المكان خلال الفترة المخصصة للتسجيل.وقال إن المشكلة رفعت إلى المفوضية للنظر في الأسباب ومحاولة استدراك الأخطاء بسرعة ، مبيناً أن الناخبين أبدو مرونة كبيرة في تقبلهم للمشكلة لكنه لا يضمن عودتهم مرة أخرى إلي المركز ليدلوا بأصواتهم. وقال “كان من المتوقع أن تتم عملية الاقتراع للناخب خلال ثلاث دقائق إلا أن صعوبة البحث عن الأسماء في الكشوف استغرق الكثير من الوقت”. ووفي المقابل أشادت السيدة رئيسة عبدالرحيم بسهولة عملية الاقتراع وقالت إنها لم تجابه أي صعوبات أو غموض في ورقة التصويت مشيرة إلى أن أعداداً كبيرة من الحافلات قامت بنقل الناخبين إلى مراكز التصويت وأعادتهم مرة أخرى إلى منازلهم مما سهل عملية الوصول إلى الصناديق في وقت وجيز. الى ذلك ، أكد والي ولاية جنوب دارفور الدكتور عمر عبد الجبار في اتصال هاتفي لـ (الاتحاد) أن عملية الاقتراع تشهد إقبالاً منقطع النظير من الناخبين بالولاية بمن فيهم النازحون في معسكراتهم. وقال إنه لم يشهد من قبل هذا الحماس الكبير من قبل الناخبين للإدلاء بأصواتهم ، مؤكداً أن العملية لا تواجهها أي صعوبات.وقال الوالي إن الأمور تسير بشكل جيد على الصعيدين الأمني والانتخابي وأضاف لا توجد أي ملاحظات سلبية والأمور جميعها على مايرام. ومن جانبه أكد وزير الإعلام بولاية غرب دارفور مصطفى الجميل لـ(الاتحاد) أن عملية الاقتراع تمضي بصورة جيدة في كافة مراكز الولاية ولم تسجل أي حالة انفلات أمني في مراكز التصويت التي تحظى بحراسة أمنية مكثفة. وفي جنوب السودان سرى شعور بالحماس خصوصاً في شوارع جوبا لأن كثيرين يعتبرون أن الانتخابات مقدمة لاستفتاء على استقلال الجنوب من المقرر إجراؤه في يناير . وقال شاهد من (رويترز) إنه كان بين الناخبين ما يصل إلى 300 امرأة انتظرن لأكثر من ساعة في بلدة ملكال بجنوب السودان فيما حاول المسؤولون تدبير عربات لتوصيل بطاقات الاقتراع. وتعتبر هذه الانتخابات الأكثر تعقيداً في العالم حيث يتعين على الناخب في الشمال ملء 8 بطاقات لاختيار الرئيس وأعضاء المجلس الوطني والوالي وأعضاء مجلس الولاية ، كما أن التصويت يجري على أساس الدائرة والقائمة ، إضافة إلى وجود قائمتين للنساء واحدة للمجلس الوطني وأخرى لمجلس الولاية حيث حددت نسبة تمثيلهن بـ 25% على الأقل. ويضاف إلى ذلك أربع بطاقات في الجنوب لاختيار رئيس حكومة الجنوب والمجلس التشريعي وعضوات المجلس التشريعي وقائمة الأحزاب. وما يزيد الطين بلة، أن بعض الأحزاب الرئيسية المنسحبة من الانتخابات سواء كلياً أو جزئياً أعلنت قرارها بعد انتهاء موعد الانسحاب، ولا تزال أسماء مرشحيها على القوائم وبعضهم قرر المضي قدماً في السباق بصورة مستقلة بغض النظر عن قرار حزبه. سلفا كير يقترع لأول مرة في حياته آملاً بداية للديمقراطية الرئيس السوداني يصوت وسط تهليل وتكبير الخرطوم جوبا (وكالات) - أدلى الرئيس السوداني عمر البشير أبرز المرشحين للفوز بالرئاسة بصوته في أول انتخابات متعددة الأحزاب منذ 24 عاماً. ولدى وصوله إلى مركز الاقتراع في مدرسة في وسط الخرطوم، تبادل البشير مع أنصاره التهليل والتكبير. وحيا الرئيس السوداني الذي كان يرتدي الجلابية التقليدية وعمامة بيضاء الحشد بقوله “الله اكبر” رافعاً يده ليظهر أصبعه الملطخ بالحبر لدى خروجه من مركز اقتراع مدرسة سان فرنسيس القريب من مسكنه ومن مقر رئاسة الجيش والأمن. ثم استغرق البشير عشر دقائق للإدلاء بصوته في المركز الذي اصطف أمامه الناخبون وكان أغلبهم من جنود القوات المسلحة والأجهزة الأمنية. وسار حشد من أنصار البشير خلفه وأحاطوا بسيارته وهم يهتفون “الله اكبر”. وفي جوبا عاصمة الجنوب، أدلى زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان سلفا كير المرشح لرئاسة حكومة الجنوب بصوته في وسط المدينة. وكان سلفا كير أول من أدلى بصوته في مركز الاقتراع القريب من مكتبه في عاصمة الجنوب المتمتع بحكم شبه ذاتي منذ التوقيع على اتفاق السلام مع الشمال في 2005. واستغرقت عملية الاقتراع 20 دقيقة، وهي مدة طويلة، حيث يتعين على ناخبي الجنوب أن يملأوا 12 بطاقة اقتراع لاختيار الرئيس السوداني ونواب المجلس الوطني السوداني وحكام الولايات الجنوبية ومجالس الولايات، بالإضافة إلى رئيس حكومة جنوب السودان ومجلسه التشريعي. وبعد وضع أول بطاقة اقتراع في الصندوق، رفع سلفا كير يده ليظهر أصبعه الملطخ بالحبر أمام المراقبين الدوليين وبعض عناصر الأمن والصحفيين. وينافس سلفا كير على رئاسة حكومة الجنوب لام أكول زعيم الحركة الشعبية - التغيير الديمقراطي. وقال سلفا كير إثر خروجه من مركز الاقتراع، وهو يرتدي قبعته الشهيرة ويحمل عصاه “لقد أدليت بصوتي، من دون أي مشكلة. لم يسبق لي أن انتخبت في حياتي. آمل أن تكون هذه بداية تكوين العملية الديمقراطية في جنوب السودان”. ورداً على سؤال حول تأجر البدء بعملية الاقتراع، قال المراقب الأوروبي فرانك انجل “نعم، نحن في السودان. كما ترى لا توجد صفوف انتظار. وأرى أن الرئيس هنا يتعاطى مع الأمر بهدوء”. ويضم جنوب السودان عشر ولايات تعد ثمانية ملايين نسمة، وهي منطقة فقيرة خرجت قبل خمس سنوات من حرب أهلية دامية مع الشمال استمرت 22 عاماً. عمر البشير .. عسكري محترف يتحدى المحكمة الجنائية الدولية الخرطوم (ا ف ب) - الرئيس السوداني عمر البشير، الذي يخوض أول اختبار انتخابي بعد 21 عاماً في السلطة، هو عسكري محترف تولى الحكم بدعم من الإسلاميين، وصدرت بحقه مذكرة توقيف دولية صادرة من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب. واعتاد البشير، البالغ من العمر 66 عاماً، والذي يتناوب على ارتداء الزي الشعبي السوداني أو العسكري أو الزي الأوروبي، على افتتاح خطاباته ذات النزعة الشعبوية برقصة تقليدية ملوحاً بعصاه. وشهدت سنوات حكمه الـ21 على رأس أكبر بلد أفريقي حروباً أهلية في الجنوب إلى حين توقيع اتفاق السلام في 2005، وكذلك نزاعاً مع حركات التمرد في دارفور منذ 2003. وبات في مارس 2009 أول رئيس في التاريخ تصدر بحقه مذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية، وذلك بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور. وقبله صدرت بحق تشارلز تايلور رئيس ليبيريا السابق وسلوبودان ميلوشيفيتش رئيس يوغوسلافيا الراحل مذكرات توقيف دولية، ولكن ليس عن المحكمة الجنائية الدولية المكلفة بمحاكمة جرائم الحرب. وولد عمر حسن البشير في 1944 في قرية حوش بانقا التي تبعد 150 كلم شمال الخرطوم، وكان تواقاً منذ شبابه للانتساب إلى الجيش. وفي 30 يونيو 1989، قاد العميد البشير بدعم من الجبهة الإسلامية بزعامة حسن الترابي مجموعة من الضباط لقلب حكومة الصادق المهدي المنبثقة عن انتخابات تعددية. وبتأثير من الترابي، الذي بات اليوم أحد ألد خصومه، أرسى البشير دعائم حكم متشدد في بلد يعد 40 مليون نسمة ويقوم على الانتماء القبلي ومنقسم بين أغلبية مسلمة في الشمال والجنوب الذي يدين معظم سكانه بالمسيحية أو يتبنون معتقدات أرواحية. وفي تسعينيات القرن الماضي، باتت الخرطوم موئلاً للتيارات الجهادية كتلك التي قاتلت في أفغانستان ومنها زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن الذي طرد لاحقاً بضغط من الولايات المتحدة. وفي نهاية العقد، تدهورت العلاقات بين البشير والترابي الذي اقترح في 1999 مشروع قانون يحد من سلطات الرئيس. لكن البشير رد بعنف وطوق الجيش المجلس الوطني “البرلمان”، الذي كان يترأسه الترابي، ثم أعلن حله. وبعد ذلك، حاول البشير الابتعاد عن الإسلاميين المتشددين وتحسين علاقاته مع جيرانه والمجتمع الدولي، وإقامة شراكات اقتصادية مع الخليج ودول آسيا خصوصاً الصين أول مستورد للنفط السوداني. ولكن مع صدور مذكرة التوقيف الدولية بحقه، جدد مقارعته للغرب الذي يتهمه بأنه ينزع إلى “الاستعمار الجديد”. وقد وقعت حكومته اتفاق سلام مع المتمردين في جنوب السودان يمهد لتقاسم السلطة ولإجراء استفتاء في 2011 حول استقلال الجنوب، حيث يتركز الاحتياطي النفطي للبلاد. ويقول المعارض السياسي والضابط السابق في الجيش عبد العزيز خالد “إن الناس لا يعرفون أن البشير يعتبر جنوب السودان بلداً مختلفاً من وجهة نظر ثقافية”. والبشير الذي أمضى أطول فترة في الرئاسة في السودان منذ استقلال هذا البلد في 1956، يدين بهذا الحكم الطويل لعلاقاته الوثيقة داخل الجيش. ويقول المؤرخ الأميركي روبرت كولينز عنه إنه “لم ينس أنه كان عسكرياً أولاً ثم سياسياً”. والبشير متزوج من امرأتين ولكنه لم ينجب. سلفا كير.. باحث عن كيان في الجنوب جوبا (السودان) (ا ف ب) - يحظى سلفا كير، الذي يمكن تمييزه من لحيته السوداء وقبعته التي تشبه قبعة رعاة البقر الأميركيين، بالاحترام لتاريخه العسكري إضافة إلى التزامه المسيحي، مع أنه يفتقد إلى “الكاريزما” على رأس الحركة الشعبية لتحرير السودان التي قادت التمرد في جنوب السودان الذي يحلم بجعله دولة مستقلة. وسلفا كير هو المرشح الأوفر حظاً لمنصب رئيس حكومة جنوب السودان المتمتع بحكم شبه ذاتي والذي يضم أكثر من ثمانية ملايين ونصف مليون نسمة سيقررون في استفتاء في 2011 بشأن بقائهم ضمن السودان الواحد أو الانفصال والاستقلال. والزعيم الجنوبي المرتفع الهامة الذي يحرص كل أحد على إلقاء عظة في كاتدرائية جوبا، عاصمة جنوب السودان ذات البنى التحتية الفقيرة والتي تعاني عدم استقرار أمني، يعتبر من المدافعين المتحمسين عن استقلال جنوب السودان خلافاً للزعيم التاريخي للتمرد الجنوبي جون قرنق الذي كان يدعو إلى الوحدة في إطار الفدرالية ويتبنى خطاباً علمانياً ديمقراطياً. أسس “سلفا”، كما يسميه السودانيون، في 1983 مع جون قرنق جيش الحركة الشعبية لتحرير السودان التي قادت التمرد في وجه النظام الإسلامي في الخرطوم وسياساته التي كانت تعتبر متشددة في مركزيتها. وبعد حرب أهلية استمرت 21 عاماً وتسببت بمقتل مليوني شخص وتشريد أربعة ملايين، وقع الشمال والجنوب في يناير 2005 اتفاق سلام شاملاً ينص على تنظيم انتخابات وطنية هي الانتخابات المقررة بين 11 و13 أبريل الجاري، واستفتاء حول تقرير المصير في 2011. وبعد بضعة أشهر بالكاد على نهاية الحرب، قضى جون قرنق نحبه في 31 يوليو 2005 في حادث سقوط مروحيته لدى عودته من أوغندا. وهكذا بات سلفا كير زعيم الجناحين السياسي والعسكري للحركة الشعبية ورئيس حكومة الجنوب ونائب الرئيس السوداني. ولكن هذا العسكري المحترف الذي يفضل التحدث بالعربية الشائعة في جوبا والتي يتحدثها أهل جنوب السودان، على التحدث بالإنجليزية، يقع ضحية المقارنة بينه وبين الراحل جون قرنق، الزعيم المثقف صاحب “الكاريزما” الذي انطبعت صورته في ذاكرة السودانيين جنوبيين وشماليين. وخلافاً لجون قرنق، يعتبر سلفا كير مؤيداً لاستقلال الجنوب، وهو مقتنع بأنه سيحقق هدفه في استفتاء يناير 2011، الذي قد يخل بالتوازن القائم في أفريقيا ويغير الحدود الموروثة من الاستعمار. يبلغ سلفا كير من العمر 59 عاماً، وهو من قرية اكون ومن قبيلة الدينكا، كبرى قبائل جنوب السودان، في ولاية واراب الجنوبية القريبة من الحدود مع منطقة أبيي المتنازع عليها بين الشمال والجنوب. أما منافسه الوحيد على رئاسة جنوب السودان فهو لام أكول، وهو وزير خارجية سوداني سابق (2005 - 2007) والعضو السابق في حركة التمرد الجنوبية الذي عدل موقفه وبات يعتبر في بعض مناطق جنوب السودان حليفاً لنظام الخرطوم، الأمر الذي ينفيه. محللون: الانتخابات في السودان غير ديمقراطية وإن كانت سليمة قانونياً المفوضية تقر بحدوث أخطاء و«الشعبية» تطالب بتمديد التصويت الخرطوم (وكالات) - أقرت المفوضية القومية للانتخابات بالسودان أمس بحصول بعض «الأخطاء» اللوجستية مع نهاية أول الأيام الثلاثة من ايام الاقتراع لكنها أكدت أن العملية الانتخابية تسير في شكل «جيد». بدورها نددت الحركة الشعبية لتحرير السودان (متمردون جنوبيون سابقون) أمس بما اعتبرته تجاوزات شهدها اليوم الأول من الانتخابات في السودان، مطالبة بتمديد عملية الاقتراع أربعة أيام إضافية. وقال سامسون كواجي مدير حملة سلفا كير زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان والمرشح لرئاسة حكومة الجنوب «لقد رصدنا تجاوزات عدة اليوم (أمس) إذاً هو يوم غير محتسب. لقد وجهنا شكوى إلى مفوضية الانتخابات نطلب فيها تمديد عملية الاقتراع من ثلاثة إلى سبعة أيام». وأضاف كواجي خلال مؤتمر صحفي في جوبا عاصمة جنوب السودان «نحمل مفوضية الانتخابات المسؤولية. لا بد من إجراء تحقيق في شأن الأشخاص الذين يقفون وراء هذه التجاوزات». ومن التجاوزات التي عددها، تأخر فتح عدد من مراكز الاقتراع وأخطاء تضمنتها قوائم الناخبين ونقل بطاقات اقتراع إلى مراكز خاطئة أو فقدانها من دون سبب. إلى ذلك يرى محللون وخبراء أنه حتى وإن كانت الانتخابات السودانية التعددية الأولى منذ ربع قرن التي انطلقت أمس سليمة قانونياً، فإنها لن تكون ديمقراطية، وستزيد الاحتقان وربما الاضطرابات بسبب مقاطعة أحزاب معارضة رئيسة وعدم مشاركة الجنوبيين في انتخابات الشمال. وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخرطوم والكاتب الصحفي الطيب زين العابدين إن “مقاطعة ثلاثة أحزاب رئيسة هي الحركة الشعبية وحزب الأمة والحزب الشيوعي تضعف صدقية الانتخابات.. مقاطعة كل هذه القوى لا تجعلها ديمقراطية تمثل جماهير الشعب السوداني حتى ولو كانت سليمة قانونياً”. وأضاف: “يخيل لي أنه بعد الانتخابات لن يكون هناك استقرار، وسيكون هناك مزيد من الاحتقان السياسي، فهذه الانتخابات لن تؤدي إلى التحول الديمقراطي، فكأننا لا نزال في فترة العشرين سنة من حكم البشير الشمولي، ولكن لديه الآن رخصة ديمقراطية”. وتابع: “كما أن انسحاب الحركة الشعبية من انتخابات الشمال يعني إعلان الانفصال السياسي (للجنوب)، أما الانفصال القانوني والدستوري فيأتي في الاستفتاء” المقرر تنظيمه مطلع 2011 في الولايات الجنوبية العشر بشأن استقلال الجنوب أو بقائه ضمن السودان الواحد. ولاحظ زين العابدين توجهاً أكبر لدى أكبر حزب جنوبي نحو الاستقلال بقوله “عندما تنتخب الحركة الشعبية فقط في الجنوب وولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق (المحاذيتين للجنوب) وتتخلى عن قطاع الشمال الذي كانت تعتمد عليه وتسمي نفسها قومية، فكأنما عادت الآن حركة شعبية فقط وباتت تدعو لانفصال الجنوب المتمتع الآن بحكم شبه ذاتي”. واعتبر فؤاد حكمت الخبير لدى مجموعة الأزمات الدولية “إنترناشونال كرايزيس غروب” إن “التردد والحراك السوداني في الفترة الأخيرة أربك الناخب السوداني الذي شعر بأن الفرصة ضاعت منه على أساس أن يدلي بصوته في انتخابات تؤدي إلى تحول ديمقراطي ونوع من الاستقرار السياسي في السودان”. وأضاف هناك “شعور بخيبة الأمل لأن الأحزاب الكبيرة ضمن تحالف أحزاب المعارضة مثل حزب الأمة، قررت المقاطعة وأطلقت تصريحات قد تكون خطيرة عندما أعلنت أنها لن تقبل بنتائج الانتخابات”. وقال: “السؤال المطروح يتناول شرعية الانتخابات وشرعية المخرجات (النتائج) وشرعية (الرئيس عمر) البشير إذا فاز في الانتخابات كحاكم شرعي للسودان؛ لأنهم قالوا إنهم لن يقبلوا بنتائج الانتخابات”. وتابع: “هذا معناه أنهم لن يقبلوا بشرعية الحكومة الجديدة، والسؤال: ما الذي سيفعلونه إذن، هل سيقاومون سياسياً، فكرياً، أم عسكرياً؟. تبقى الخيارات مفتوحة”. وأضاف: “موضوع الشرعية والصدقية سيحدد في ردود أفعال الأحزاب المقاطعة والمؤتمر الوطني بعد فوزه في الانتخابات، وهذا سيخلق مشكلة كبيرة للاستقرار السياسي الذي سيكون على المحك”. وحذر من أن “الأرضية لخلق استقرار سياسي أصبحت على كف عفريت؛ لأن هذه الانتخابات لن تكون ذات صدقية لأن هناك طرفاً أصر على أن تجري بأي صورة وبأي ثمن.. وسيجعله هذا يتفاعل مع المعارضة بقوة لزنه سيكون كسب الشرعية”. واعتبر أنه إذا “كان هناك لجوء للعنف فإن ذلك سيصعب حل قضية دارفور، وكذلك كردفان وأبيي (المتنازع عليها والقريبة من حقول النفط في الجنوب)، وسيكون الاستقرار السياسي مشكلة كبيرة”. وعبر عبداللطيف البوني، أستاذ العلوم السياسية في جامعة أم درمان الاسلامية، عن “شعور بالإحباط لأن الوضع سيستمر على ما هو عليه.. والنظام سيكون رابحاً بكل الأحوال”. وقال “الحكومة القادمة ستدعي أنها جاءت بشرعية نيابية، وستكون أكثر ثباتاً مما هي عليه الآن وأقوى” في مواجهة الغرب والمحكمة الجنائية التي أصدرت مذكرة توقيف بحق البشير سنة 2009 بتهمة ارتكاب جرائم حرب في دارفور. أما بشأن إعلان المعارضة عدم اعترافها بنتائج الاقتراع وتشكيكها بشرعية النظام المقبل، فقال “الشرعية منقوصة، لكنها أفضل من شرعية نيفاشا وأحسن من شرعية الانقلاب”، الذي أتى بالبشير إلى الحكم عام 1989 بدعم الإسلاميين. وأنهى اتفاق السلام الموقع في نيفاشا في 2005، حرباً أهلية استمرت 22 عاماً بين الشمال والجنوب. وأضاف “أصلاً هذه الحكومة ليست شرعية، جاءت شرعيتها من نيفاشا وليس من الداخل، الحكومة الحالية شرعيتها من أميركا من الخارج، لقد حكموا البلد طوال 14 سنة بشرعية البندقية والست سنوات الأخيرة بشرعية نيفاشا فالشرعية القادمة أحسن بالنسبة لهم”. السودانيون المقيمون في الدولة يقترعون في 3 مراكز أبوظبي (الاتحاد) - بدأ السودانيون المقيمون في الدولة أمس الإدلاء بأصواتهم لانتخاب رئيس لبلدهم، حيث شهدت مراكز الاقتراع المقامة في كل من أبوظبي (مقر السفارة) ودبي (مقر القنصلية) والعين (مقر النادي السوداني)، اقبالاً متفاوتاً في اليوم الأول من أيام الاقتراع التي تسمر ثلاثة أيام. ويختار الناخبون مرشحهم المفضل من قائمة تضم 12 متنافساً (انسحب منهم أربعة في وقت لاحق) يتصدرهم الرئيس الحالي عمر البشير. وتزامن بدء الاقتراع للسودانيين في الإمارات مع فتح مراكز الاقتراع في العديد من الدول العربية والغربية التي تضم جاليات سودانية. وصرح مصدر في السفارة السودانية في أبوظبي بأن “عمليات الاقتراع بدأت وتسير بطريقة منظمة ودون أية مشكلات وسط إقبال مرضٍ تماماً”. وأضاف أن عمليات الاقتراع ستتواصل في المراكز الثلاثة اليوم وغداً من الساعة الحادية عشرة صباحاً وحتى الحادية عشرة ليلاً. صلوات ودعوات أمام مراكز الاقتراع في جوبا جوبا (السودان) (ا ف ب) - وضع سكان جوبا، عاصمة جنوب السودان، الانتخابات في يد الله بعد عقدين من الحرب الأهلية التي تركتهم مشبعين بغضب يدفعهم للسعي بصورة حثيثة إلى تحقيق السلام. ونظم مجلس كنائس السودان الليلة قبل الماضية لقاء حضره مسيحيون وكذلك مسلمون للصلاة من أجل أن يعم الهدوء فترة الانتخابات التي بدأت أمس وتستمر لثلاثة ايام. وبدأ اللقاء بأناشيد مرحة، لكن سرعان ما خيم الصمت على المكان ما أن اعتلت جيما هيلين بيتا المنبر في ساحة مركز نياكورون الثقافي في جوبا. وقالت هذه المرأة التي تبلغ من العمر نحو أربعين عاما قبل أن يصفق الحضور “يا رب، نحن غاضبون بعد كل ما جرى لنا. ما نحتاج إليه هو السلام. وأنا الآن أصلي. آمين”. واعتلى رجال دين آخرون المنبر ليتحدثوا عن الثمن الذي تكبده الجنوب خلال الحرب الأهلية التي امتدت من 1983 إلى 2005 وأودت بحياة مليوني شخص وشردت أربعة ملايين. ويتوجه الناخبون المسجلون في ولايات الجنوب العشر حيث يعيش تسعة ملايين نسمة إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيس السودان وأعضاء المجلس الوطني وكذلك رئيس حكومة جنوب السودان ومجلسه التشريعي والولايات واعضاء مجالس الولايات. وقالت جيما هيلين بيتا التي عادت بعد سنوات من العيش في الخارج إلى جوبا بعد السلام، “الناس خائفون، ولهذا نصلي”. وأضافت “نشهد في بعض الولايات خلافات بين المرشحين. هذه المرة الأولى التي يشارك فيها الناس في التصويت. لطالما عرف السودان بانه بلد تمزقه الحروب. نتضرع إلى الله طالبين أن يغمرنا برحمته”. وفي حين تقدمت جوقة من المنشدين المسلمين للمشاركة بدورها في اللقاء الروحي، عبر بيتر لاسو لادو (42 عاما) عن هذا الخوف بقوله “هناك مخاطر. قد لا نشهد انتشارا لأعمال العنف، لكننا نصلي لكي تكون أحداثاً معزولة”. لكن هذه المخاوف لم تمنع الناس من الشعور بالفخر والحماسة لفكرة إعطائهم فرصة التصويت. وقال بيتر المسؤول عن “كنيسة المسيح” في السودان، “عمري 42 عاماً وهذه أول مرة يتاح لي فيها التصويت.. من يعرف إن كنت سأحظى بمثل هذه الفرصة مجدداً. الأمر مؤثر جداً”. وقالت ستيلا رودولف كوندو “المشاركة في الانتخابات مسؤوليتي” قبل أن تشرح أنها جاءت لكي “أدعو الله أن يجعل شخصاً طيباً يحكمنا”. وأكدت هذه الطالبة التي كانت تحمل طفلا صغيراً على حجرها “اعرف تماما لمن أصوت”. وقالت “لا يمكن لأي كان أن يصبح قائداً. من يتم اختيارهم يحظون بعناية إلهية”. الانتخابات في جنوب السودان اختبار للاستفتاء على الاستقلال في يناير جوبا (السودان) (ا ف ب) - تشكل الانتخابات في جنوب السودان اختباراً للاستفتاء المرتقب في يناير المقبل والذي سيقرر فيه سكان الجنوب بشأن استقلالهم في الوقت الذي يخشى فيه أن تؤدي أي اضطرابات مصاحبة للانتخابات الى عزوف الغرب عن تأييد قيام كيان جديد مستقل في قلب القارة الأفريقية. وتغطي ملصقات مرشحي الحركة الشعبية لتحرير السودان (المتمردين الجنوبيين السابقين) الجدران في جوبا، عاصمة الجنوب التي تستعيد فيها الحياة وتيرتها الطبيعية ببطء بعد خمس سنوات من التوصل الى اتفاق سلام أنهى الحرب الأهلية مع الشمال. وتحت شجرة، تجمع عدد من المعوقين يغنون للسلام والوحدة على أنغام صاخبة بالقرب من مطعم يقدم لزبائنه الجعة الباردة بعد الظهر، وهو أمر لا يمكن الحصول عليه في باقي أنحاء البلاد. ومنذ خمس سنوات، تتولى الحركة الشعبية لتحرير السودان وزعيمها سلفا كير، اللذين لم يخوضا من قبل تجربة الانتخابات، الحكومة التي تتمتع بحكم شبه ذاتي في منطقة غنية بالمعادن والنفط ولكنها مع ذلك من بين الأكثر فقراً في العالم. وتتنازع الحركة الشعبية اتجاهين، اتجاه يؤيد الوحدة مع الشمال وآخر يؤيد الانفصال من الشطر الشمالي. وسحبت الحركة مرشحها الى الرئاسة ياسر عرمان الذي كان سيشكل منافساً حقيقياً في وجه الرئيس عمر البشير، كما أعلنت عدم مشاركتها في انتخابات الولايات الشمالية ما عدا ولايتين متاخمتين للحدود الشمالية. وقال الشاب بيتر الذي يعمل مع واحدة من المنظمات الدولية العديدة المنتشرة في جوبا، إن «ياسر عرمان أعطى الناس هنا أملاً، ولكن بعد انسحابه لم يعد للحملة الانتخابية الأهمية نفسها». وأضاف أن «استفتاء يناير هو الأهم بالنسبة للسودانيين الجنوبيين. أشعر بأن 99% من الناس هنا يريدون الاستقلال» عن الشمال. وهدد الرئيس السوداني بعدم تنظيم الاستفتاء إذا لم تشارك الحركة الشعبية في الانتخابات التي انطلقت أمس. ويقول لوكا بيونغ دنق، الوزير الجنوبي لشؤون الرئاسة إن هذه الانتخابات ستتيح للسودانيين خبرة في التنظيم والإشراف على الاستفتاء في هذه المنطقة التي تعاني من فقر في البنية التحتية. ويضيف «إن كانت هناك توجهات داخل بعض الدوائر الشمالية في إنكار حق جنوب السودان في تقرير المصير، عندها سيكون لمؤسساتنا المنتخبة الحق في التحرك باسم الشعب»، مؤكداً مع ذلك أن إعلان الاستقلال من جانب واحد سيكون «الخيار الأخير». وفي حين فقدت الانتخابات الرئاسية أهميتها على المستوى الوطني، فلا يزال بوسع سكان جنوب السودان أن يختاروا بين الزعيم سلفا كير ومنافسه لام اكول، كما يمكنهم أن يشاركوا في الانتخابات التشريعية وانتخابات مجالس الولايات في الجنوب والتي تشهد منافسة حامية. وقال ولفرام لاكر المحلل في مجلس «كونترول ريسكس» العائد من مهمة تقييم في السودان «هناك احتمال أن تشهد الانتخابات البرلمانية وخصوصاً انتخابات الولاة أعمال عنف في جنوب السودان». وأضاف أن «الانتخابات في ولايات مثل أعالي النيل وواراب وجونقلي أو الوحدة ستجري في أجواء تتكرر فيها المواجهات بين الفصائل والمجموعات القبلية». وشهد جنوب السودان معارك قبلية دامية في الفترة الأخيرة. وتتهم الحركة الشعبية الجيش السوداني بدعم ميلشيات محلية بهدف زعزعة استقرار المنطقة وتقويض فكرة استقلال جنوب السودان. نازحو دارفور يشعرون بإضاعتهم فرصة المطالبة بحقوقهم مخيم أبو شوك (غرب السودان) (ا ف ب) - دفعت الخشية من فقدان ديارهم إلى الأبد نازحي دارفور إلى العزوف عن التسجيل للمشاركة في الانتخابات السودانية العامة التي انطلقت أمس، لكنهم يشعرون اليوم أنهم ربما أضاعوا فرصة للتعبير عن رأيهم والمطالبة بحقوقهم. “لم يسجل منا سوى عدد بسيط لا يتجاوز 4400 شخص”، يقول آدم إسحق عمدة مخيم أبوشوك الذي أُسس في 2004 ويعيش فيه اليوم نحو ستين ألف نسمة في بيوت متجاورة مصنوعة من تربة المكان الطينية المتآخية مع حرارة الشمس. لقد حلت هذه المساكن مكان الخيام البلاستيكية التي قدمتها هيئات الأمم المتحدة للنازحين الذين شردتهم الحرب من قراهم قبل سبع سنوات وباتوا اليوم يعيشون في ما يشبه ضاحية تشكل امتداداً للفاشر، العاصمة التاريخية لولاية شمال دارفور التي تشهد نزاعاً بين القوات الحكومية وحركات التمرد. اندلع النزاع في 2003 في إقليم دارفور الذي يشمل ثلاث ولايات شبه صحراوية مترامية الأطراف، تمتد على 500 ألف كيلومتر مربع. وانشقت حركات التمرد اليوم وباتت موزعة على عدة تيارات متصارعة أحياناً، كما تشهد الميليشيات الموالية للحكومة خلافات. كل هذا يجعل الوضع غير مستقر ويحول دون عودة النازحين إلى ديارهم. وبدأت في السودان، ابتداءً من أمس ولثلاثة أيام، انتخابات تعددية هي الأولى منذ نحو ربع قرن، ولكنّ نازحي ولايات دارفور الثلاث عزفوا عن التسجيل على قوائم الناخبين خلال نوفمبر وديسمبر الماضيين. تربع إسحق على حصيرة فوق الأرض المتربة داخل قاعة محاطة ومسقوفة بأعواد القصب لحجب أشعة الشمس الكاوية: “كان هناك ارتباك لدى التسجيل، البعض هنا لا يؤمنون بأن السلام قادم، ويريدون أن يسجلوا في قراهم ليضمنوا حقهم في العودة إليها”. وتابع: “نعيش هنا مأساة حقيقية، نحن نطالب بالسلام قبل الانتخابات”. وقال مشيراً إلى اتفاق السلام “الشامل” الموقع في 2005 بين الحكومة والمتمردين الجنوبيين، والذي نص على تنظيم انتخابات تعددية: “إن اتفاق السلام الشامل لم يكن شاملاً؛ لأنه لا يشملنا، لذلك لم يكن لدينا أمل من هذه الانتخابات”. وأكد العمدة يحيى آدم: “نحن نريد السلام والعودة إلى قرانا، ثم نفكر في الانتخابات. هذه الانتخابات لا تعني شيئاً لنا ولن يشارك فيها سوى عدد قليل من النازحين”. لكن العمدة بابكر صافي تمنى لو أن “المراقبين حضروا مبكراً ليشرحوا للناس أضرار عدم التسجيل”. لكنه أضاف أن رأي الناس هو “إن كان المؤتمر الوطني أو (الرئيس عمر) البشير هم الفائزون، فلماذا نشارك في الانتخابات”. وتتهم المحكمة الجنائية الدولية الرئيس السوداني بارتكاب جرائم حرب في دارفور في مذكرة التوقيف التي أصدرتها بحقه في مارس 2009. لكن صافي استدرك: “لم يعرف الناس فوائد التسجيل أو أضراره، فاحجموا عنه، ومن أصل 20 إلى 30 ألفاً كان يمكن أن يصوتوا، لم يسجل سوى أربعة آلاف، الحال مماثلة في بقية معسكرات دارفور. ويمكن أن تتخيلوا عدد الذين أحجموا”. وقال: “فهم الناس أخيراً أنهم يمكن أن يغيروا.. لكنهم واجهوا أيضاً تهديدات ، سمعنا أنه حتى أولئك المنتمين إلى أحزاب هددتهم الجنجويد وطردتهم من قراهم إن كانوا لا يؤيدون المؤتمر الوطني”. وتابع: “لم تكن هناك حملات انتخابية حرة، وحتى المسجلين لا يعرفون كيف يصوتون؛ لأنهم غير متعلمين”. و”الجنجويد” هي الميلشيا العربية الموالية للحكومة المتهمة بالهجوم على القرى غير الموالية لها وتشريد أهلها في إطار النزاع بين الحكومة وحركات التمرد التي تطالب بحصة منصفة من التنمية في دارفور. ورأى العمدة محمد عبدالله أن “الناس لم يعتبروا التسجيل حركة باتجاه الديمقراطية. إنهم هنا منذ سبع سنوات وقد خسروا كل شيء.. الانتخابات حق مشروع، وبعض الناس شعروا بالأسف لعدم التسجيل. كنا بحاجة لتوعية”. واستدرك محمد آدم قائلاً: “أنا إنسان أمي، فكيف أفهم بطاقات الاقتراع، ثم إن الناس خائفون من التوجه إلى مراكز الاقتراع”. وتعتبر الانتخابات الحالية من الأكثر تعقيداً في العالم، حيث يتعين على الناخب في شمال السودان الإدلاء برايه في ثماني بطاقات لانتخاب الرئيس والولاة والمجلس الوطني ومجالس الولاة، وفق نظامي الدوائر والقوائم. وفي ظل انعدام الأمن، قررت رئيسة المراقبين الأوروبيين سحب المراقبين الستة الذين كانوا في ولايات دارفور الثلاث. وأعربت فيرونيك دي كايسر عن أسفها؛ لأن النازحين يشعرون بأنهم أضاعوا فرصة المشاركة في التصويت، لكنها قالت إنها ما كان يمكن أن ترسل المراقبين للمساهمة في التوعية مبكراً؛ لأن مجيئهم مرتبط بدعوة من البلد المضيف. وبين النساء اللواتي كان ينبغي حثهن على التعبير عن آرائهن، قالت عائشة آدم: “لا فائدة من الانتخابات للنازحين. نحن فاقدو الأمن والاستقرار ولا يجوز أن نصوت لأي حزب”. ولكن الشابة سعدية يعقوب أكدت أن “التصويت يؤدي إلى الاختيار. من امتنعوا عن التسجيل لم يعرفوا أنهم سيحرمون من التصويت. كان هناك ارتباك”. وأضافت: “نحن كنازحين لدينا حقوق وتعويضات ونحن متحدون رغم اختلاف انتمائنا الحزبي ونطالب بنزاهة الانتخابات”. والفقر منتشر بين سكان إقليم دارفور وعددهم قرابة ثمانية ملايين نسمة، بينهم أربعة ملايين ونصف مليون يحتاجون للمساعدات الإنسانية بمن فيهم النازحون الذين يعتمدون على المساعدات الإنسانية. وبلغت نسبة التسجيل للمشاركة في الانتخابات في الإجمال في السودان 76% وفق المفوضية القومية للانتخابات.
المصدر: الخرطوم
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©