الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عندما يكون الغضب ناعماً

عندما يكون الغضب ناعماً
2 مارس 2011 18:33
لعل السؤال الذي يطرح نفسه بداية عند قراءة كتاب الغضب “الناعم الرواية النسوية بين العربية والانجليزية” هل ثمة نسوية واحدة في العالم، أم ثمة نسويات متعددة، تعبر عن خصوصية الوضع التاريخي والاجتماعي والثقافي الذي عاشته وتعيشه المرأة في العالم؟ وإذا كان الجواب بالتأكيد هو وجود نسويات متعددة، فهل يمكن للنسوية على مستوى العلاقة مع اللغة والأدب أن تمتلك سمات وخصائص تعبيرية وجمالية واحدة، رغم وجود قضايا وهموم فكرية واجتماعية وسياسية خاصة لكل وضع نسوي؟ في هذا الكتاب الذي يقدم دراسة مقارنة بين الرواية النسوية العربية والانجليزية، يمكن أن نتلمس شيئا من الإجابة، إذ ثمة قواسم مشتركة في الأدب النسوي الذي تكتبه الكاتبة العربية والكاتبة الانجليزية على صعيد التجربة التي تعيشها، لاسيما ما يخص علاقتها بالرجل والثقافة السائدة. في مقدمة كتابها تتحدث الباحثة العنود محمد الشارخ عن العلاقة بين النسوية والرواية العربية انطلاقا من مناهج علم الأدب المقارن الذي يتيح لها دراسة الظروف القومية المتعلقة بتجارب خبرات الكاتبات النسويات في بلدانها المختلفة، والبحث في العلاقات النصية الداخلية التي تتعلق بتلك الخبرات والتجارب النسوية التي تتجاوز حدودها القومية والتاريخية، حيث تعمد إلى تقديم دراسة مقارنة للنموذج الإنجليزي بأبعاده الثلاث التي تلخص نشأة ومسار الوعي النسوي الغربي مع نشأة وتطور الحركات النسوية العربية. النسوية والرواية العربية تقوم الدراسة على مقارنة ثلاثة أعمال لروائيات إنجليزيات بأعمال ثلاث روائيات عربيات يشتركن معهن في نفس مراحل تطور الوعي الذي عبرت عنه تلك التجارب، ويمكن تلخيصها في ثلاث مراحل هي أولا مرحلة الأنوثة التي تميزت بتأثر وعي المرأة فيها بمجتمع الرجل الذي يمارس القمع ما دفع بالكاتبات إلى الكتابة بأسماء مستعارة لرجال كما في حالتي الكاتبة الكويتية ليلى العثمان والإنجليزية شارلوت برونتي، ثم مرحلة الوعي النسوي ثانيا التي تميزت فيها كتابة المرأة بالاحتجاج على الوضع القانوني والاجتماعي للمرأة، وأخيرا مرحلة الأنثى التي تمتد حتى الوقت الراهن وقد عملت فيها الكاتبة على إعادة تعريف تجاربها الداخلية والخارجية عبر الكشف عن أشكال تقييد وعي المرأة وتحريره كما في حالتي الإنجليزية فرجيينا وولف والعربية حنان الشيخ. وتذهب الباحثة إلى تقسيم الوعي النسوي والنظرية النسوية إلى مرحلتين اثنتين، مرحلة أولى شهدت مطالبة المرأة بالمساواة وضرورة التعبير عن أفكارها وذاتها، ومرحلة ثانية تمكنت فيها المرأة من نيل حريتها والتعبير عن أحلامها وهواجسها ورغباتها، والتركيز على الاختلاف القائم بينها وبين الرجل. وقد تميزت لغة الكاتبة فيها بالجدية في الطرح والتنظير حيث أكد أغلب ممثلي تلك الموجة الجدية على أن عدم مساواة المرأة لا يعود إلى القيود الاجتماعية القائمة، بل إلى منظومة المعايير الأبوية التي تحكم الواقع بإحكام وقوة. النظريات النسوية تقف النظرية النقدية النسوية الفرنسية في مواجهة النظرية الأنكلو أميركية حيث اشتد الجدل بينهما في عقدي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي حول بعض الخصائص الأدبية للكتابة النسوية، فكان هذا الجدل ذا طابع فكري على الرغم من وجود تقاطعات في الطروحات بينهما. وفي هذا الصدد توضح الدارسة نقاد الاختلاف بين النظرتين حول مفاهيم المرأة والنساء والأنوثة إذ تركز النظرية الأنجلو أميركية على مصطلح النساء بوصفهن كيانات بيولوجية حقيقية، في حين أن استخدامها لمصطلح الأنثوي يدل على الشكل الثقافي النمطي التقليدي الذي يمليه مجتمع الرجال، الأمر الذي دفع بهذا النقد إلى البحث في خصوصية كتابة المرأة واستكشاف ثقافة خاصة بها. أما النقد الفرنسي فيعزو الفروق بين الرجال والنساء إلى الهويات الجنسية المتباينة اجتماعيا، وتتجلى عنده وظيفة الفن والأدب في الكشف عن كيفية تأثير هذه الاختلافات على الأسلوب الذي بني عليه فكر المرأة والرجل. يتركز اهتمام هذا النقد على مفهوم المرأة، وهو يلخص سمات النص الذي تكتبه المرأة، في تقديم لغة جديدة ذات صياغة جماعية تعبر من خلالها بسلاسة عن قضايا المرأة. وتعد النزعة النسوية التحليلية النفسية من أهم التيارات النقدية النسوية التي ركزت عند بعضهن على العلاقات النفسية الاجتماعية للأمومة، بينما طالبت أخريات بتركيز القراءة على ما لا يقوله النص صراحة. أما النقد الماركسي البريطاني فقد ركز على إمكانية تطبيق الأفكار الماركسية على وضع النساء. وتتناول الباحثة أعمال الكاتبة الانجليزية فرجيينا وولف في ضوء الخلفيات الاجتماعية والتاريخية للعصر الذي عاشت فيه وظهور نزعة الحداثة المعبرة عن التحولات الكبيرة على المستوى العلمي والتقني مما ساهم في تطور الرواية التي عكستها روايات وولف، لاسيما على صعيد بحث شخصيات النساء فيها عن ذاتها. وتبين الناقدة النسوية شوالتر أسباب ازدواجية الشخصية الأنثوية في أعمالها من خلال شخصية الكاتبة التي تحاول عبر تجسيد الرؤية الذكورية في تلك الأعمال بردها إلى ميولها الجنسية المزدوجة التي تظهر في شخصية الخنثى في رواية اللواي، وعجزها عن الإنجاب، حيث تميزت كاتبات مرحلة الأنثى بتوجههن نحو أشكال أكثر ذهنية وفكرية وأقل حسية. كذلك توضح اختلاف مواقف النقد النسوي من أعمال وولف لاسيما حول علاقة أعمالها بالواقع وبوعي الذات الأنثوية، ومن ثم توضح كيفية خلق روايتيها المنارة والسيدة داللواي للتناغم بين مكوني الوعي النسوي على صعيد العلاقة بين إشكاليات العالم الخارجي والفراغ الداخلي لدى المرأة. وتختار أعمال الروائية اللبنانية حنان للشيخ للدراسة المقارنة بدءا من روايتها الأولى انتحار رجل ميت التي نشرتها عام 1971 وصولا إلى روايتها حكاية زهرة التي تصور فيها بجرأة حياة فتاة وتدهور أحوال عائلتها ومسك الغزال وبريد بيروت وامرأتان على شاطئ البحر. وبعد أن تقدم تعريفا بمحتوى تلك الأعمال تقوم بتلخيص الجوانب الخاصة التي تميز بها كل عمل على مستوى تجربة الكاتبة من جهة، والوعي النسوي من جهة أخرى ثم تركز على رواية مسك الغزال باعتبار أن أربع نساء هن من يتولين سرد حكاياتهن التي تتباين فيها شخصياتهن من حيث نوازعها وسلوكها ومواقفها، ما يكشف كما ترى الباحثة عن الروابط الاجتماعية والسيكولوجية الدقيقة لكل شخصية منهن، ورؤية كل واحدة منهن إلى الأخرى. على مستوى آخر تتناول التطور الذي شهده وضع المرأة مع الانتقال من التقليدية إلى الحداثة في المجتمع لكنها تطالب بضرورة عدم الخلط بين الرموز الظاهرة للتحرر بتحقيق حالة تحرر فعلية. كما تبحث في الشفرات النسوية في بحث شخصيات الشيخ عن ذاتها ثم تقارن بين الوعي الذي تقدمه وولف في أعمالها والوعي الذي تجسده أعمال الشيخ على مستوى ارتباط أعمالهن بالواقع الأشد حميمية أو الشعور النسوي ببداهة عواطفهن في عالم يستحق الانتباه والإدراك لأن المهم ليس ما تفعله شخصياتها الأنثوية بل متى وكيف وتحت أي ظروف، وبالمقابل تبدو شخصياتهن ضحايا لوعيهن ما يشكل أداة مناهضة للوعي النسوي كون الكاتبتين لا تستطيعان العثور على حل متسق لوجود المرأة المستقلة. وفي النهاية تكشف الباحثة عن أوجه الاختلاف بين حنان الشيخ وفرجيينا وولف التي تجملها في اختلاف الزمن والثقافة واهتمام أعمال وولف بتحدي أوضاع الاتجاه السائد في الكتابة، على عكس أعمال الشيخ التي كانت تكتب في عصر ما بعد الحداثة التي لم تعد الأسئلة الجمالية السابقة مطروحة فيه ما جعل لغتها أكثر بساطة ومباشرة من لغة وولف. صدر الكتاب أولا باللغة الإنجليزية وترجمه سامي خشبة، وهو من منشورات المركز القومي للترجمة بالقاهرة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©