الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أفغانستان... خطة أميركية جديدة لإعادة الإعمار

أفغانستان... خطة أميركية جديدة لإعادة الإعمار
21 يونيو 2009 04:02
بدأت فكرة تحويل تلك المساحة الكبيرة الخالية القريبة من مدينة مزار شريف إلى مزرعة تجارية ممتدة، قابلة لأن تزرع فيها أميال عديدة من محصول الفراولة وتربى فيها آلاف الأغنام الكشميرية حين حث الرئيس السابق بوش الملياردير ورئيس شركة «دول فودز» ديفيد ميردوخ، في عام 2006، على الذهاب إلى أفغانستان وتقرير ما يمكن عمله هناك من أجل المساعدة في تخليص اقتصاد ذلك البلد من كارثة الاعتماد على الخشخاش والمخدرات. وبعد جولة واسعة له في أفغانستان أبلغ ميردوخ المسؤولين الأميركيين أنه بصدد إقامة مزرعة كبيرة هناك على غرار المزرعة التي أقامها في الفلبين. إلا أنه تراجع عن قراره بعد عدة أشهر مبرراً ذلك بعدم ملاءمة التحديات الأمنية ومشكلات النقل والترحيل لاستثمارات شركته. ولكن لم يثن ذلك القرار وكالة المعونة الأميركية USAID عن عزمها. فلعلمها بحماس الرئيس للمشروع، ولاعتقادها بأن ميردوخ لم يتراجع عن قراره الأول إلا لأنه لم يتلق مكالمة شكر هاتفية من بوش إثر زيارة ميردوخ لأفغانستان واتخاذه قراراً ببدء استثمارات زراعية هناك، قررت الوكالة المضي قدماً بمفردها في تنفيذ ذلك المشروع التنموي. وخصصت الوكالة لهذا الغرض مبلغ 40 مليون دولار من ميزانيتها الخاصة بإعادة إعمار العراق، وتعاقدت مع مقاول أوكلت له مهمة استئجار العمال وشراء المعدات اللازمة لتنفيذ المشروع. ولم تدرك الوكالة إلا بعد مضي عام كامل على بدء تنفيذ المشروع وإنفاق ملايين الدولارات السبب الفعلي الذي منع الأفغان من زراعة تلك الأراضي الواسعة بأنفسهم. فملوحة الأرض عالية جداً بما لا يسمح بزراعة أية محاصيل. وتمثل تلك المزرعة القاحلة غير القابلة للزراعة أحد التحديات التي تواجه إدارة أوباما الجديدة في عزمها على تحقيق ما وعد به الرئيس في حملته الانتخابية من وضع حد لاستمرار تدهور الأوضاع في أفغانستان. غير أن عدداً من طاقم خبرائه ومستشاريه الأمنيين، خلص إلى أن أفغانستان ليست بحاجة إلى المال والقوة البشرية اللازمة لإعادة الإعمار فحسب، وإنما هي في أمسّ الحاجة أيضاً لأن تتبنى واشنطن نهجاً إنمائياً مختلفاً جداً هناك. ويتلخص هذا النهج الجديد في إطلاق مبادرات واسعة تستهدف تحسين مستوى معيشة أكبر عدد ممكن من الأفغان، بدلا من النهج السابق الذي تبنته إدارة بوش، بهدف الكسب السياسي والدعائي لا أكثر لمشروعها الخاص بإعادة الإعمار. وتقوم خطط الإدارة الجديدة على تحقيق الاستدامة الاقتصادية لأفغانستان عبر آلية إصلاح اقتصاد السوق الحرة. ومن ناحيتهم يؤكد مسؤولو «وكالة العون الأميركية» استثمارهم لنحو 7.8 مليار دولار في مشروعات إعمار أفغانستان منذ عام 2001، ويصفون البرامج الإنمائية التي نفذوها هناك بأنها كانت فاعلة وناجحة جداً. فقد أسفرت تلك الجهود عن تعبيد 1600 ميل من الطرق الرئيسية، وترميم 680 مدرسة، فضلا عن تدريب الآلاف من العاملين في شتى أجهزة الخدمة المدنية. وفي القطاع الزراعي أشارت الوكالة إلى عدد من الإنجازات التي حققتها. من بينها تسويق محصول الرمان الأفغاني في الخارج، وافتتاح سلسلة من محال منتجات الخضار والفواكه في الريف الأفغاني، إلى جانب استصلاح مزارع محصول الفستق المحلية. ووصف «بيل فريج» مدير الوكالة في كابول هذه البرامج بأنها حققت نجاحاً باهراً. بيد أن «ريتشارد هولبروك» مبعوث الرئيس أوباما الخاص لمنطقة جنوب آسيا، لا يشاطر مسؤولي الوكالة هذا الحماس. بل إنه يرى أن على الإدارة الجديدة إصلاح ما ورثته عن الإدارة السابقة من أخطاء صاحبت مشروعات إعادة إعمار أفغانستان. ويرى أن الإصلاح المطلوب يبدأ بجهود الإصلاح الزراعي ومكافحة المخدرات. وعليه فإن المطلوب هو إعادة هيكلة مشروعات «وكالة العون الأميركية» مع التركيز على المشروعات الزراعية البديلة للمخدرات والخشخاش، مع العلم بأن برامج الوكالة السابقة كلفت الخزانة الأميركية حوالي 3 مليارات دولار منذ عام 2004. وقال هولبروك: «اعتماداً على خبرتي السابقة التي تزيد عن 40 عاماً، عملت خلالها لبعض الوقت في وكالة العون الأميركية» في فيتنام، فإن من رأيي أن البرامج التي تنفذها الوكالة الآن في أفغانستان، هي أكثر البرامج الخاسرة التي نفذتها، فهي ليست سوى تبديد للأموال. بل أكثر من ذلك أنها تسهم مباشرة في استقطاب المزيد من المقاتلين إلى صفوف «طالبان» بأموال دافعي الضريبة الأميركيين! وعلى رغم أن الاستثمار في القطاع الزراعي ليس له الصدى الذي يحدثه بناء مدرسة أو تعبيد طريق جديد لدى عامة الأفغان، إلا أن رأي هولبروك وغيره من مسؤولي الإدارة الجديدة هو أن مساعدة الأفغان على تحسين إنتاجهم للغذاء، يجب أن يكون في مقدمة أجندة الإعمار. ذلك أن نسبة تزيد على 80 في المئة من الذكور الذين بلغوا سن العمل هم عبارة عن فلاحين يعملون في المزارع الريفية الصغيرة. وعليه فإن مساعدتهم على استزراع المزيد من المحاصيل الغذائية ستعينهم حتماً في تحسين ظروفهم المعيشية. وفيما لو تحقق هذا الهدف، فسيقل الشعور بالإحباط لدى الكثير من الأفغان، وهو ما دفع أعداداً متزايدة منهم للانخراط في صفوف المتشددين بعد أن فقدوا الأمل في جهود إعادة الإعمار ووعود تحسين ظروفهم المعيشية. ولا يزال مستشارو هولبروك يعكفون على تطوير استراتيجية جديدة لهيكلة القطاع الزراعي الأفغاني، والمؤكد توفر المزيد من الأموال لهذه الاستراتيجية، ومن بينها موافقة الكونجرس على إضافة 100 مليون دولار للميزانية الخاصة بهيكلة القطاع الزراعي الأفغاني. على أن السياسات الزراعية الجديدة ستشمل تغييرات كبيرة، من بينها أن تكون «وكالة العون الأميركي» مجرد مشارك ضمن مشاركين عدة في تنفيذ الاستراتيجية الجديدة لا أكثر. فقد تحدث هولبروك سلفاً إلى وزير الزراعة «توم فيلساك» الذي وافق على إرسال خبراء زراعيين من وزارته إلى أفغانستان. وفي الاتجاه نفسه يسعى هولبروك للتنسيق مع وزارة الدفاع، حيث يتمتع نحو 350 من أعضاء الحرس القومي التابع لها بخلفية خبرة زراعية، ويعمل هؤلاء في ست من الولايات الأفغانية في مشروعات زراعية. «فمثلما فعل الرئيس الأسبق روزفلت إبان الكساد العظيم، يحتاج المزارعون الأفغان اليوم إلى الطرق والأسواق وقنوات الري والبذور والأسمدة والمبيدات الحشرية والوسائل التعليمية». هذا ما قاله هولبروك ويعكف على تنفيذه بمساعدة فريق مستشاريه. راجيف تشاندراسكران محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©