الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الكتابة بالإزميل...

الكتابة بالإزميل...
2 مارس 2011 18:41
الأستاذ الجامعي اللبناني مارون الحكيم، متعدد الآفاق والمواضيع، تتوالد الأفكار لديه لتؤدي إلى لوحات ومنحوتات تجسّد رؤى وتحليقات خياله. من حالته وأفكاره وتجربته، من شؤونه وشجونه الخاصة ينطلق، يبعثها إشارات يتلقفها المتلقي ويتفاعل معها. ولد مارون الحكيم سنة 1950، في كنف البيت العائلي، المؤلف من أحد عشر شخصاً، ثمانية شبان وثلاث بنات، وكان الإبن الأصغر فيه... والده المعمرجي يوسف، الذي تأثر بمهنته، ومنه أصبح عاشقا للإزميل والحجر. وبدأ رحلته الفنية في سن الثانية عشرة، مزوداً بالمسؤولية تجاه الحياة الصعبة، وبالثقافة اللازمة. ولعلّ فن السيراميك الذي يتقن، هو النبرة الأكثر بلاغة في شخصيته الفنية المتميزة في الحركة التشكيلية اللبنانية. بدأت محاولاته البدائية بالنقش على بلاط سطح بيته، وما برحت أن تطوّرت الى حشرية لمعالجة الشكل من كل جوانبه. وفي الرابعة عشرة من عمره تفتّحت لديه الموهبة الفطرية، وشرع ينحت الصخور في مواضيع مختلفة، كالوجوه والأيدي والحيوانات وغيرها من آلات موسيقية أو مواضيع تاريخية مستوحاة من الكتب المدرسية. تلقى علومه الإبتدائية في مدرسة راهبات العائلة المقدسة، وعلومه الثانوية في ثانوية انطلياس، ثم انتسب الى دار المعلمين للتخصّص في مادة الرسم والتصوير لغياب الرفقة في التخصّص في النحت. وهناك تدرّب على اللون من دون أن يتخلى عن الشكل الذي تابعه بوسائله الخاصة. وشاءت الصدف أن يلتقي في المعهد بالأستاذين الفنانين رشيد وهبي وجوزف مطر، اللذين اكتشفا موهبته وأرشداه الى معهد الفنون، حيث بدأ رحلته الفنية الاحترافية. حاز مارون الحكيم دبلوم دراسات عليا في الرسم والتصوير من معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية العام 1975، بعدها سافر الى إيطاليا حيث انتسب الى كلية روما للفنون التطبيقية، وحاز دبلوم أستاذ فن العام 1996. اختار مارون الحكيم السيراميك مجالاً للتخصّص، لأنه كان على ثقة بأنه قد حصّل ثقافة فنية عالية وكافية أكاديمياً، وهي التي خوّلته البدء برحلته الفنية بقوة وعزم. لكن القلق الذي كان ينتابه، هذا الانفصام بين كونه نحاتاً ورساماً في الوقت نفسه، جعله يفكر بطريقة ما تجمع ذاته، وتوحّد بين النحات والرسام في شخصية فنية واحدة، متميّزة وذات خصوصية. فلم يجد سوى فن السيراميك، وهو الفن الذي يجمع بين الحجم واللون في عمل واحد. توصّل خلال تجاربه الى استنباط اللوحة المنحوتة، وعرضها لأول مرة في غاليري دامو في أنطلياس. تركزت التجربة على الحفر في الخشب المضغوط، ومن ثم تلوينه بالألوان الزيتية، وما لبثت أن تطوّرت مع اندفاعه في تجاربه تباعاً. فقد شهدت لوحته تداخل المزيد من العناصر والمواد إذ استعمل الصورة الفوتوغرافية ولوحات السيراميك والشريط الشائك والقماش والخشب كلها في عمل واحد. بعد ذلك استعمل ألوان الأكريليك بتقنية جديدة متطورة تحاكي التفجرات والانفعالات النفسية والثورة الدفينة (معرض في نواس آرك 1996). مارون الحكيم ما زال يبحث عن أفق جديد للوحته المنحوتة التي باتت على عتبة مرحلة جديدة خاصة. اهتمامه باللوحة المنحوتة لا يعني إهماله فنوناً أخرى يزاولها من نحت ورسم ومائيات وزيتيات وأكريليك وباستيل وسيراميك. للصخر والرخام الأولوية في أعماله النحتية، أما الخشب فيأتي في الدرجة الثانية. غاص في عمق المواد وسبر قماشاتها وإمكاناتها، من أحجام وألوان وطبقات مستكشفاً إمكانات المادة الخام ومدى قدرتها على الإيحاء والتعبير، ليعمل على بثّ النبض فيها، وصولاً الى أقصى حدود الخيال. تعمّق الحكيم في مادة المائيات الشفافة حتى بات معروفاً أن مجمل مراحله الفنية تبدأ خربشات أولى بهذه المادة، قبل أن تنطلق الى النحت والتصوير بالزيت أو الأكريليك... يقول: الفنان الذي يطوّع الصخور ولا ينحني أمام قساوتها، قادر على سبر أغوار المواد الأخرى الأقل تعباً والأكثر رهافة، وقادر على إدخالنا الى عالمه السحري المسكون بالمتناقضات، لنعرف سر فلسفته الجمالية المتشبثة بكل ما هو لافت وممثل لحقيقة المشاعر العميقة. ويضيف: بالحجر أحيا وفي دمي نبع من غباره، وعلى وجهه نقشت مفاصل عمري، تموجات روحي، أحلامي، أشواقي، شهواتي وطموحاتي. على صفحة الحجر الجارحة، المضيئة، المشرقطة. أحجاري وصخوري متعددة النبرات: لها أنفاسها، تنهداتها، عنادها، ألوانها، عروقها، شرايينها، مسامها، صلابتها، رئتها، ليونتها، هويتها وصرختها، لأحجاري وصخوري ما لها، ولي تجربتي، صبري، إرادتي، أحلامي، أشواقي، رغباتي، شهواتي، والرؤى، وقد جعلتها تحيا في العين أسئلة وجه، توق عصفور، شهوة جسد، شلال أمومة، تموجات ظلال، حركة ألوان، وأنصاب حرية. بالإضافة الى أعماله الفنية في الرسم والنحت، يعمل أستاذا في الجامعة اللبنانية ـ معهد الفنون الجميلة الفرع الثاني منذ العام 1979 ولغاية تاريخه يدرس مادتي التأليف الفني والنموذج الحي، وهو رئيس قسم التصوير في المعهد منذ العام 1986. يعتبر أن الموهبة تخلق مع كل إنسان، ولكنها تنمو وتكبر إذا توافرت الظروف المناسبة لها. الفنان يجب أن لا يكون أنانياً برأيه، وعليه عيش الحياة بحلوها ومرّها. إنه يلتقط الصور ويحوّلها الى أعمال فنية ويستمد القدرة من الحياة لتصبح هذه الأعمال كائنات حية. انتخب رئيساً لجمعية الفنانين في آذار العام 1998، التي تحوّلت الى نقابة الفنانين التشكيليين العام 2002، بفضل جهوده ومساعيه. وقد عمل على تحقيق إنجازات نقابية إدارية وفنية سهّلت أعمال الفنانين وحياتهم. والحدث الأبرز للجمعية، إنشاء سمبوزيوم النحت في مدينة عاليه، بالتعاون مع المجلس البلدي، حيث أنجز النحاتون اللبنانيون والعرب، أكثر من ثلاثين منحوتة صخرية ورخامية بأحجام كبيرة، أصبحت نواة متحف للنحت في الهواء الطلق، وهو أول متحف من نوعه في لبنان. أقام مارون الحكيم ثلاثين معرضاً فردياً في كل من لبنان، المغرب، العراق، الكويت، سوريا، البحرين، الشارقة، السعودية، مصر، الأردن، سويسرا، فرنسا والسودان. وله من الأعمال المميزة في المؤسسات العامة والخاصة والحدائق العامة أهمها: ثلاث منحوتات في حديقة ذوق مكايل (1980)، نصب تذكاري بمناسبة مئوية شركة مياه بيروت (1996)، شعار سمبوزيوم عاليه للنحت 1999، ملصق الذكرى السنوية الرابعة لمجزرة قانا (2000)، جدارية فخارية لكنيسة مار نهرا في مزرعة يشوع (2002)، نصب فني نحتي على مدخل مزرعة يشوع 2008. في سنة 2008 حوّل الحكيم بيت العائلة القديم الذي تربّى فيه الى محترف، وجدد فيه الروح وفتح قلبه للحلم الذي بدأ صغيراً وكبر مع السنين، حيث حقق الخطوة الأولى في تحويله الى متحف. ويضم مجموعة من اللوحات بتقنيات مختلفة (أكواريل، أكريليك، زيت) وأحجام متنوعة وقياسات وأشكال مستطيلة ترمز الى أزمنة الضيق واليأس، يهيم فيها الناس في فراغ أبيض تحيط بهم مساحات دكناء وتوحي بامتداد الحالة أفقياً وديمومتها عمودياً ونزولاً الى الهاوية. وأخرى تجسّد الحرية لشعب انتفض في وجه الظلم والأسر، مؤكداً على وطن الكرامة، عبر تعبيرات فنية تتفاعل فيها مواقف الفنان، مع بيئته وشعبه. في المحترف أيضاً لوحات صغيرة الحجم بمادة الأكريليك تعكس التجريب الفني، الذي تميز به بأسلوبه العفوي وبوسائله وأدواته التي تنطق بمكنونات ذاته اللاواعية. الى جانب اللوحات تبرز المنحوتات بوصلتها في اتجاه العلاء، بشموخ ينمّ عن شموخ ذات الفنان، من بينها منحوتات من الخشب المتنوع من الفترة الأولى التصويرية، تنتصب أجساداً ورؤوساً بتعابير تنضح بالرفض والتأمل والحنان، وتنشد إطاراً جديداً للمعاناة (2002 ـ 2003). أما المنحوتات الحجرية والرخامية، فتتنوع بين انتشار الأجساد والوجوه بفرح الحب والحرية حيناً، وانفلاتها في متاهات التأمل حيناً آخر. يؤكد الفنان مارون الحكيم أن هذا المحترف سيكون مقراً لتجارب تشكيلية فنية طويلة في الجمالية والتقنية، ومقصداً لمتذوقي الفنون وطلابها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©