الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

طلال سالم يرحل في محاكاة شخصية بحثاً عن الذات

8 مارس 2014 00:43
محمد وردي (دبي) – في كتابه «إماراتي في نيجيريا» يقدم الشاعر طلال سالم محاكاة ذاتية، شخصية، تتأمل صيرورة الواقع والحياة بكل تفاصيلها وتنويعاتها، من خلال ثيمتين رئيسيتين، الأولى، هي العمل أو باب الرزق بحكم الأمر الواقع بالمعنيين الاجتماعي والإنساني كضرورة معاشية. أما الثيمة الثانية، فيمكن تلخيصها تحت عنوان «البحث عن الأنا» في سياق الاستمرارية كشرط للبقاء والوجود، ولكن بنزعة إنسانية فطرية، للاستمرارية الفاعلة في البقاء والوجود، من خلال النجاح، الذي يختزل جوهر السعادة، بالتمايز عن الآخر. يستهل سالم الكتاب بفصل «قبل الرحيل» بتوصيف وجداني للحالة النفسية، التي هو عليها لحظة دخول المطار والبدء بالإجراءات الأخيرة قبل السفر، «مُثقل الخطى أنزل من سيارة صاحبي، ويهرع العامل الأنيق في المطار بتلقي حقيبتي». ولكن التداعي الشعوري لا يسترسل بسرد ما يُفترض أن الراوي يعانيه، من لوعة فراق الأحبة، الزوجة والأولاد، ولا الأهل أو الأصحاب، ولا البلاد والعباد، أو الأمكنة التي اعتادها فيما مضى من أيامه؛ وإنما يمر على كل هذه التفاصيل مروراً عابراً، ليقفز بعصفه الوجداني، بين ما يريده أو يتمنى هو أن يكون عليه شخصياً في عمله، وبين ما يريده الآخر، أو المدير «الذي لا يقبل لأحدٍ أن يكون أيضاً على صواب بجانبه، لأن كل فكرة لم يأت بها هو، هي فكرة غبية». ما يعني أن الرحلة بالأساس، هي ليست رحلة مشاهدات بغرض المتعة والاستجمام واكتشاف الثقافات والاحتكاك بأهلها. وإنما هي - بمعنى من المعاني- هربٌ من واقع عملي في الإمارات، إلى واقع عملي آخر في نيجيريا، وبالشركة عينها وبالمستوى الوظيفي عينه، للبحث عن فرصة للتطور والترقي المهني. ومن محاسن الصُدف، أن أكرم رفيق رحلته «كان يمر بمرحلة انتقالية كبيرة على مستوى التطور الوظيفي» فهو أيضاً، قرر التوجه «إلى نيجيريا، ليخدم الشركة، ويكتسب خبرة تؤهله إلى ترقية قادمة». وكانا يلتقيان في التساؤلات والهموم والطموحات. ويتواصل السرد، الذي يقوم بمجمله على ثيمتي العمل والبحث عن الذات، كخيط جامع للكتاب، وإذا ما ابتعد الراوي قليلاً عن الموضوع الرئيس، فهو انتقال عابر لتوصيف مشاهد عابرة في الطرقات، خلال التنقل بين مواقع عمل الشركة في لاغوس وأبوجا، مثل ذكر الباعة المتجولين، الذين إذا ما لاحظو أنك تنظر إليهم، يحسبونك تريد الشراء منهم، وإن لم تفعل، فتثير حنقهم وغضبهم، فالشراء منهم حسب عرفهم، واجب عليك، لأنه السبيل الوحيد لتأمين رزقهم اليومي. وكذلك الحال بالنسبة إلى شرطي المرور الراقص في فصل «محطات»، الذي يقوم بدور الإشارة المعطلة، «بخفة ورقص، ويستمتع في انتقاء الحركة، وهو ينظر للمارة في عيونهم، ويلوح لهم بيديه في طريقة لا تعرف الاعتيادية». أما المعلومات التي يقدمها الكاتب عن التشكيلة الأثنية والدينية في نيجيريا، فهي معلومات محدودة للغاية، وهي بكل الأحوال معلومات عامة ومتاحة على المواقع الاليكترونية. وكذلك الحال بالنسبة للأمراض الشائعة بتلك البلاد، وضرورة تعاطي اللقاحات المضادة للوقاية منها، مع المرور العابر على المطاعم اللبنانية والهندية، وشذرات عن الجالية اللبنانية، المتجذرة بالبلاد، بأعمالها التجارية والصناعية الناجحة، واندماجها في المجتمع إلى حد تزاوج الكثير من أبنائها مع السكان الأصليين، من دون ذكر تفاصيل لحالات إنسانية بعينها. ولكن الملاحظ في الكتاب أنه كُتب بعد العودة من نيجيريا، لأن الكاتب حاول، أن يعرض تجربة شخصية يظنها مفيدة، لأنها قدمت له ما أراد على مستوى تحقيق الطموح الشخصي، وخصوصاً في إطار موضوعة البحث عن الذات، على الرغم من التحذيرات التي حاولت ثنيه عن السفر، والتهويل الإعلامي بالأخطار المحدقة، التي تهدد الأجانب في بلد يعاني الفوضى والحروب الأهلية. خصوصاً أنه حرص على تقديم فكرة السفر والمغامرة باتخاذ القرار الصعب في حياة الفرد، بالمعنى الإيجابي. كما لم تغب خلفية الكاتب الشعرية عن بنية السرد، التي حاول أن يعطيها بعداً تأملياً في مسارات الحياة وتعرجاتها القدرية وانعكاساتها على الذات الإنسانية. الكتاب صادر عن دار «مدارك» للنشر، ويتألف من ستة فصول، توزعت على مائة وسبع صفحات، بالإضافة إلى ملحق صور.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©