الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الكتابة وحدها، وأنا وحدي

الكتابة وحدها، وأنا وحدي
18 مايو 2016 23:10
قاسم حداد (1) حتى عندما أكون يائساً، ومتخفياً عن محاولات إغوائي بالأمل السائد، تكون الكتابة هي البيت الأخير لقلبي. عندي، الأمل ليس عكس اليأس ونقيضه. الأمل هو حياة شخصية لا يبوح بها الشاعر، ولا يستبدلها بالقمصان والملابس وبوسائط الصمت والكلام. لهذا فإنني أرى بأن أية محاولة لتسويق أمل ما في واقعنا، هي فضيحة يتوجب التصدي لها وفضحها. الأمل لا يجري البحث عنه أو تسويقه أو الترويج له، إلا إذا كان أملاً كاذباً، أو هو يأس في صورة أمل. وهو ما يجري تداوله في الواقع العربي منذ أكثر من خمسين عاماً. ويجري تبادله بين المشاريع والمؤسسات وجمعيات النفع العام (الخاصة)، تلك التي تسهم بنشاط وحيوية وفعالية أيضا، في تثبيت الوضع الراهن لتفادي خسارتها لمعطيات الوضع الراهن منذ العقود التي أشرنا إليها. (2) من بين أدوار الشاعر التي تحصى على (الاصبع الواحد)، هو عدم تصديق كل أوهام المشاريع العربية الراهنة والرائجة والمستفحلة. والتصدي لكافة الأحابيل والخدائع التي يحسن أصحاب هذه المشاريع هندستها في مواقع أقدامنا في بلاد العرب قاطبة. (3) لا تفكر كثيراً أمام شخص متحمس لإقناعك بالمشاركة في المشروع الفلاني (قليلاً). فهو إما أن له علاقة بفكرة المشروع كموظف، أو أن له النصيب المشروط في عطايا المشروع. ولا تفكر، لئلا تستسلم لنفسك الخداعة، وتصير ريشة في مهب الطيران. فليس من حكمة ولا أمل في الألم الذي ينتظرك وأنت تكتشف نفسك غارقاً في زيت البراغي التي تسعى بالمشروع نحو حتميته.. العتمة، سيدة الراهن وملكة المستقبل. (4) لا تصدقهم أبداً. الشعر هو ألا تصدق أحداً، الكتابة هي الحصن الحصين ضد الأمل. أملهم. كلما تأملت الواقع، وما يسمى بالوضع الراهن، وجدت نفسي مرتهناً بالعفريت المتمرد تحت جلدي. أمسك الحروف والكلمات وأستسلم لهذيانهما الجهنمي. أصدّ اليأس عني بالمزيد من الأجنحة التي تنشأ في البزوغ من أضلاعي، مثل فراشات النار المجنونة في حموة الضوء الهادر. (5) كلما أصغيت لخطوات الحديد فوق صخور الطريق، أمعنت في صهر أعضائي في حرية الصمت وتجاهل التداعي الأهوج الذي يطلقه الضالعون في الواقع لئلا يستيقظ. كلما سمعتهم يتبادلون الهمس الصفيق في شأن وَهْدَتِنا المستدامة، تبيّن لي قدرتنا الغامضة على تلقين الضجيج درس المعنى بفصاحة الصمت وفضيحة الضجيج. حتى إذا تجاسرنا وطرحنا الصوت بسؤالنا المؤجل: ما الأمل؟ سوف تتحرك الأفاعي لتلقيننا وصايا المشاركات في الجنازة. لسنا بحاجة لأمل يسارع بنا إلى الخسارات من كل نوع. وحين قلنا لهم: الخاسر لا يخسر شيئاً، لم نكن نعني استعدادا لمواصلة الخسارة المستدامة، لكننا قصدنا أننا لسنا عبيداً لشيء نطلبه ونسعى إليه. حريتنا تبدأ من استغنائنا عنهم. نرى إلى الأمل كما نهوى، بمعزل عن شرط الواقع واستيهام الحقيقة. الأمل ليس هو الواقع، وليست الحقيقة ذريعة للأمل. (6) الكتابة فقط تشعرني أن الحياة ممكنة لنقض كل ما يعوقها. الكتابة التي تنسرب، بنورها النادر الطفيف، من تحت عقب الأبواب الموصدة، إلى روحي صاعدة إلى ما لا يطاله يأس الناس. الكتابة وحدها، وأنا وحدي. نتبادل أنخاب الحياة ونقائضها، دون هزيمة ولا نكوص. نتجرع الوجع والمكابدات، من غير خضوع ولا تضرعات للوحش. فليس مثل الكتابة بلسماً للروح وأرجوحة للجسد، لئلا تغفو الروح أو يغفل الجسد. حرة، متحررة، وتذهب إلى الحرية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©