الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأحمدية ذاكرة الناس والمدينة

الأحمدية ذاكرة الناس والمدينة
11 مايو 2008 00:26
ناصية العلم ترفرف في مقدمة الفناء والأعناق تشرئب نحوها والعيون مشدودة إليها، فيما تتلاحم الصفوف وتنطلق الحناجر في صوت واحد ليدوي في أرجاء المكان نشيد صباحي يستنهض الهمم، ويعلن حب التلاميذ للمدينة والوطن في إيقاع يومي حافل بالجديد والإصرار على التشبث بالعلم والمعرفة· إنها صورة مرسومة في ذاكرة كل من درس في ''الأحمدية'' التي خرجت أجيالاً قدمت الكثير وأعطت ونجحت رغم شظف العيش وقسوة الحياة· كان التعليم قبل ''الأحمدية'' قائماً على أسلوب ''الكتاتيب''، فجاءت هي لترسي مع المدرسة التيمية المحمودية، نوعاً من التعليم شبه النظامي في البداية، ثم لتؤسس المدرسة العريقة للتعليم النظامي، ولتقدم واحداً من أبهى النماذج على ما يمكن أن يقوم به ''القطاع الخاص'' حين يسخر لخدمة العلم والثقافة، ذلك أن المدرسة تأسست بجهود بعض تجار اللؤلؤ وتولى إدارتها رجال معروفون بالعلم والتقوى· تقول أمينة الغفاري مدير إدارة بيت التراث والمدرسة الأحمدية: شيدت الأحمدية بمجهود شخصي تلبية لاحتياجات الأهالي ورغبة في إكساب أبنائهم بعض العلوم والمعارف كعلوم القرآن والفقة والحديث والنحو والخط العربي، بالإضافة إلى التاريخ والحساب والنصوص وعلوم الفلك· لم تكن هناك مناهج دراسية رسمية بل كلها كانت نابعة من اجتهادات شخصية ملمة جيدا بنوعية المواد الدراسة القيمة التي يجب أن يتم تداولها''· وتضيف: ''حملت ''الأحمدية'' اسم مؤسسها الشيخ أحمد بن دلموك، وهي أول مدرسة شبة نظامية في دبي تأسست عام ،1912 وهي نفس السنة التي توفي فيها مؤسسها ليكمل رحلة البناء ابنه محمد بن دلموك· وكانت الدراسة على فترتين: صباحية ومسائية لمنح أكثر عدد ممكن من الأبناء فرصة التعلم، وكان نظام الدراسة يتضمن أربع حصص في الفترة الصباحية ثم فترة راحة لمدة نصف ساعة، ثم حصتين في الفترة المسائية· أما السنة الدراسية فكانت تمتد إلى 8 شهور متواصلة''· كانت المدرسة قائمة على غرار ما كان متبعاً في المدارس الإسلامية التقليدية، مثل المستنصرية والنظامية والحرمين الشريفين والجامع الأزهر وجامع القرويين وغيرها من الحواضر الإسلامية· وجلب الشيخ محمد بن دلموك المعلمين من منطقة الإحساء بالمملكة العربية السعودية ومنهم: الشيخ عبد العزيز بن حمد آل مبارك، وابناه الشيخ عبدالله المبارك، والشيخ عبداللطيف بن عبدالعزيز آل مبارك، فتتلمذ عليهم العديد من أعيان دبي، ووصل عدد الطلبة إلى 300 طالب· وفي العام 1920 استقدم بعض المعلمين من منطقة الزبير في العراق ومنهم: الشيخ عبدالله بن عبدالوهاب المزين، الشيخ أحمد العرفج، الشيخ ناصر المنصور والشيخ يوسف الجامع· وتعلق الغفاري قائلة: ''في أجواء كهذه لابد أن الدراسة كانت غاية في الانضباط والالتزام وهذا ما تؤكده المراجع والدراسات التي تناولت التعليم في الإمارات، حيث كان الطلبة يفترشون الأرض على قطعة من الحصير المصنوع من السعف، ويتحلقون حول المدرس ويرددون خلفه ويدخلون عبر الأبجدية الى عالم المعرفة والوعي''· لم تبق المدرسة على هذا الحال، فما لبثت أن تطورت الوسائل الدراسية فجلبت المقاعد والطاولات التي تتسع كل منها لثلاثة طلاب، وتم توزيع الطلبة وفقاً لأعمارهم ومدى استيعابهم للعلوم ومقدرتهم على حفظ القرآن، وعلى هذا الأساس جرى تقسيم المدرسة إلى مرحلتين دراسيتين ابتدائي ومتقدمة، وكان بعض طلبة المرحلة المتقدمة يشاركون في العملية التعليمية بتقديم بعض الدروس لطلبة المرحلة الابتدائية· ونظرا لصعوبة الحياة الاقتصادية في تلك الفترة، كانت الدراسة بدون رسوم في السنوات الأولى، ثم أصبحت بأجور رمزية بسيطة (3 إلى 5 روبيات هندية)· وكان الشيخ محمد بن دلموك يدفع عن الذين يعجزون عن تحصيل هذه الرسوم· لكن انهيار أسواق اللؤلؤ الطبيعي، وكساد تجارته سنة 1923 تركا الأثر السلبي على وجوه الحياة المختلفة بما فيها المدارس شبه النظامية، والأحمدية على وجه الخصوص، فأغلقت المدرسة· كان على الأحمدية أن تنتظر 14 سنة لتدب الحياة في أوصالها من جديد، حيث قامت حكومة دبي بفتحها سنة ،1937 وأسندت مسؤولية إدارتها إلى الشيخ محمد نور بن سيف وضم طاقم التدريس كل من: الشيخ أحمد عيسى، والشيخ محمد بن ظبوي، والشيخ أحمد بن حمد الشيباني، والشيخ حسن بو ملحة وغيرهم الكثير، ثم جاءت الخمسينيات ليبدأ عهد جديد من التعليم النظامي واستقدم المدرسون من بعض الدول الخليجية والعربية· تلك كانت حكاية المدرسة لكن مبناها التقليدي له حكاية أخرى يسردها المهندس يعقوب يوسف من إدارة التراث العمراني ببلدية دبي: ''مرت المدرسة الأحمدية بعدة مراحل؛ ففي 1912 تم تشييد الطابق الأرضي الذي يتكون من فناء داخلي، يحيطه الإيوان من جهاته الأربع، و تتوزع في جنباته 11 غرفة دراسية بالإضافة إلى غرفتي شرب الماء والمطبخ اللتين تقعان على يمين المدخل· وفي 1920 وهي المرحلة الثانية تم إنشاء سلم على يسار المدخل يؤدي إلى الدور العلوي، وتشييد غرفة مبيت المدرسين القادمين من السعودية والعراق، وبعد فترة وجيزة تم إنشاء ملقط هواء (البارجيل) الذي يقع في الجانب الشرقي من المدرسة· ولاستيعاب الأعداد المتزايدة من الطلبة أضيفت مظلة في الدور العلوي· وفي عام 1987 صدر القرار بإعادة ترميم المدرسة الاحمدية من قبل بلدية دبي التي اعتمدت آلية قائمة على المسح التاريخي للمدرسة من خلال إجراء مقابلات مع الشخصيات التي كانت لها علاقة وثيقة بالمكان، وجمع الصور التي توضح الطبيعة الهندسية المعمارية لهذا البناء، ومن خلال المزاوجة بين الجانب النظري والعملي التطبيقي تم ترميم المدرسة بالطرق والمواد التقليدية التي اعتمدت أساسا في تشييدها قديماً وهي: الجص وتستخدم كمادة لاحمة أو مادة للكساء الداخلي والخارجي والجندل من الأخشاب المستوردة من شرق أفريقيا لتكون دعائم للسقف ترص على مسافات متساوية بالإضافة إلى الصخور والشعب المرجانية التي تجلب من البحر· كما تمت إعادة الأبواب الخشبية والنوافذ إلى مكانها بعد أن تمت معالجتها من تأثير الرطوبة العالية.
المصدر: دبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©