الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإهمال والعدوان يغتصبان عظمة قلعة «دوبيه» التاريخية

الإهمال والعدوان يغتصبان عظمة قلعة «دوبيه» التاريخية
22 يونيو 2009 23:31
تعاني قلعة «دوبيه» بحسرة، من تل يتوسط المسافة بين بلدتي حولا وشقرا ويمتد بعيداً نحو ميس الجبل، ومن إهمال مدقع ومزمن وعدوان اسرائيلي منظم، ظللا بناءها الصخري العتيق ولم يرحمها عظمتها التاريخية والأثرية، فسرقت الأيام من جدرانها انتصابها ومن عقودها وقناطرها انسياقها وتقوسها، واخذت طبقاتها الثلاث المتبقية والظاهرة حتى اليوم تذوي سقفاً تلو سقف، وحجراً اثر حجر. فتك النسيان بقلعة «دوبيه» التي انتقلت بالرضى من املاك آل الامين في شقرا الى الملك البلدي، في وقت لم تمتد يد الدولة او وزارتها المعنية الثقافية والسياحية وغيرهما ولا البلديات ايضاً لا قبل التحرير او بعده لتسبر غور هذه القلعة الرائعة البناء والطراز، وما يحوطها من آبار وبرك ونواويس، حتى انها لم تكلف نفسها الكشف على ما خلفه العدوان الاسرائيلي الذي استهدفها اكثر من مرة، في طبقاتها المتنوعة وجدرانها التي تحكي عن مجد غابر. آبار وأجران تقع قلعة «دوبيه» على تل يجري تحت اقدامه جدول ماء تغذيه السيول في فصل المطر، ينضب سريعاً في الشتاء القحط، ويبقى الى منتصف الربيع في الشتاء الغزير، تحوطها الاودية من ثلاث جهات، باستثناء الجهة الجنوبية التي تتصل بمربعات وكتل صخرية، تنتشر فيها الآبار المستخدمة في تخزين مياه الشتاء، فضلاً عن عدد من النواويس والاجران التي يرجح انها رومانية، اهمها ما يطلق عليه «الصهريج» وهي بئر كبيرة محفورة في الصخر الاصم من غير سقف، وتتسع لكميات كبيرة من المياه ويتم النزول اليها عبر درج صخري. يمثل الدخول الى قلعة «دوبيه» بهجة للزائر، تبدأ من لحظات العبور من محاذاة جرن عند مدخلها الاسهل الجنوبي – الشرقي، اذ غمرت مياه الشتاء هذا الجرن لتتراءى على صفحته القلعة راقصة تتمايل مع نسائم الهواء كيفما هبّت. أما المحطة الاولى في زيارة القلعة من الداخل، فعند القاعدة الجنوبية الشرقية المقببة التي نجت تقريباً من الخراب او الدمار، وتبدو اكثر اتساعاً من رفيقاتها، ومن جهتها الشمالية بابان ضيقان يفضي احدهما الى ساحتها الوسطى. اما الثاني الواقع الى يمينه من الداخل فمفتوح نحو الاعلى، على سلم مظلم يسميه ابناء الجوار «درج العبيد»، يتجه بدرجات براقة ضيقة نحو الشرق ثم ينحرف جنوباً، فيصل الى سطح الطابق الاول الذي لم تبق منه غير قنطرتين تطلان على الساحة الداخلية للقلعة. معاصر أثرية سمّيت بـ»دوبيه» حيث يقال انها من اسماء الاعلام الفرنسية، ولعل «دوبو» أو «دوبي» هو القائد الفرنسي الصليبي الذي كان حاكماً للمنطقة ومقيماً في القلعة، ويرجح د. عبدالله سليمان ويدعمه المؤرخ الراحل حسن الامين، ان هذه التسمية عائدة الى لفظ ارامي من كلمتين «دو – بيّه»، وتعنيان بيت الخوابي، او مستودع خوابي الزيت، يبررها وجود معاصر اثرية في المنطقة والجوار، كانت تستخدم لاستخراج الزيت من اشجار البطم العملاقة التي لا تزال تنتشر بكثافة في المنطقة. هي قلعة صليبية على الأرجح قائمة على انقاض بناء او معبد روماني قديم، بدليل ما يوجد حولها من المدافن الشبيهة بالمدافن الرومانية. وتمتاز بخندق كبير وفيها لوازم الحصار، يحيط بها واد من جهاتها الثلاث ما عدا الجنوبية. لها ربض من غربها يعرف بالزنار. جددها آل علي الصغير وسكنوها، وهناك لبس حول تاريخ القلعة، فالظاهر انها رومانية وتجدد بناؤها على عهد الصليبيين في القرن الحادي عشر، فهي تقع في نقطة مهمة جغرافياً واستراتيجياً عسكرياً، وترتفع على تل تحوطه الاودية وتتصل بالطريق العام من جهة الجنوب، وتحيط بها الكتل الصخرية التي حفرت في بعض منها نواويس واجران يرجح انها تعود الى الفترة الرومانية – البيزنطية وفي بعضها الآخر حفرت آبار تستخدم في تخزين مياه الشتاء ويطلق الاهالي على إحداها تسمية «الصهريج». متنزهون.. واستجمام الربيع الأخضر حوّل قلعة «دوبيه» وتخومها ايقونة ومقصداً للمتنزهين والباحثين عن استجمام طبيعي، فمن الآن وحتى انتهاء موسم الخريف، ستصبح القلعة مركز «السياحة المحلية» من شقرا وقرى الجوار والجنوب. وهذه الحركة التي بدأت ما بعد التحرير في عام 2000، تكاد لا تنقطع باتجاه القلعة، رغم الدمار الواسع الذي حل بجدرانها، حيث ان القصف الاسرائيلي استهدف هذا البناء الاثري التاريخي مرتين. ففي حزيران 1969 تلقت القلعة ضربة مؤلمة، اذ اغارت عليها طائرات حربية اسرائيلية، فدمرت مدخلها الغربي، ثم دكّ القصف المدفعي في شهر آب 1973 بعضاً من سقوفها وسقوف غرفها، واحدث فجوات واسعة في جدرانها، مما تسبب لاحقاً بانهيارها، اضافة الى الاهمال والتصدع الذي خلفته العهود السابقة ونمو الاعشاب والاشجار البرية بين الجدران، اتت لتنهي سقوف الغرف وتجعل القلعة غير آمنة. لكن لا يزال الفن الهندسي الجميل والمتقن في بناء هذه القلعة بارزاً، رغم الوضع المأساوي الذي حل بها. ولا شك ان الملكية الخاصة للقلعة زاد الملف تعقيداً، فالدولة لا تحبذ تمويل الترميمات في المواقع ذات الملكية الخاصة، لاسباب واضحة، ولكن المؤسف ان محاولات البلدية لادراج القلعة على الخريطة السياحية في لبنان لم تجن فائدة رغم اهمية الصرح، وكان الهدف من الادراج ان تتنبه الدول المانحة لاهمية الموقع مما يساعد على ترميم القلعة وتأهيلها وخاصة انه في السنوات الماضية انهار العديد من الجدران والعقود.، وربما لو توافرت جهود جدية متضامنة من البلديات المحيطة بالقلعة من شقرا وحولا وميس الجبل لرسم خطة تحمي القلعة وتعيد اليها هيبتها وتصنفها واجهة سياحية
المصدر: بيروت
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©