الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

روسيا... قراءة أيديولوجية للتاريخ

روسيا... قراءة أيديولوجية للتاريخ
24 يونيو 2009 02:05
ضاعفت الحكومة الروسية من محاولاتها لتصحيح ماضي الأمة وممارسة الرقابة على عملية قراءة التاريخ، فقد نشرت وزارة الدفاع الروسية مقالا أكاديمياً على موقعها الإلكتروني يقول إن ادعاءات هتلر التوسعة في بولندا كانت «معتدلة»، وأنه «بالكاد يمكن اعتبارها غير مبررة»، فبعدما رفضت بولندا- حسب المقال المذكور- هذه المطالب الألمانية سعياً منها «لكسب مكانة إضافية» كان من الطبيعي أن تشن ألمانيا النازية هجومها مطلقة بذلك شرارة الحرب العالمية الثانية. لكن ما إن تحول المقال إلى موضوع للتجاذب الإعلامي، مؤججاً النقاشات الداخلية والخارجية على حد سواء، تمت إزالته من الموقع الرسمي لوزارة الدفاع الروسية. ومع أن وزارة الدفاع، أو الحكومة بأكملها قد لا تؤيد الرواية التي تضمنها المقال المنشور بتحميل بولندا مسؤولية إشعال فتيل الحرب العالمية الثانية، إلا أن مجرد نشر مقال بعنوان «مغالطات تقييم دور الاتحاد السوفييتي عشية الحرب العالمية الثانية وفي مراحلها الأولى» أمر لا يمكن إغفاله، أو التغاضي عنه. فالمقال يعكس مهام اللجنة الحكومية التي أنشأها في الشهر الماضي الرئيس ديمتري ميدفيديف بهدف التصدي للمحاولات الرامية إلى تزوير الحقائق التاريخية والنيل من سمعة روسيا ومصالحها، لكن هذه المهمة تلقي الضوء على مخاطر أخرى بشأن تأويل التاريخ وما يرافق ذلك من شطط وتجاوزات. ففي الوقت الذي لا تسمح فيه روسيا بمرور الحقائق التي تبرز صورة قاتمة عن الماضي الروسي، لا تتوارى من جهة أخرى عن نشر حقائق مزيفة حول الآخرين لتجميل صورة البلاد. وتضم اللجنة الحكومية التي يترأسها «سيرجي ناريشكين»، كبير موظفي الرئيس ميدفيديف، مجموعة من كبار المسؤولين الروس من مختلف القطاعات، فضلا عن مدراء إحدى المؤسستين البارزتين في البحث التاريخي في البلاد، مركزة بشكل أساسي على التأويلات التاريخية للحرب في أوروبا الشرقية ومنطقة البلطيق. وأوضح رئيس اللجنة أن العمل سينصب على مواجهة المحاولات التي تقوم بها «بعض الحركات السياسية، بل حتى بعض الحكومات للتقليل من شأن حكومتنا وإطلاق بعض الادعاءات المغلوطة، وبالطبع لا يمكننا السماح بذلك أو التزام الصمت فيما الآخرون يثيرون كل هذا الضجيج حول التاريخ الروسي، إذ يجب علينا الرد». لكن «سيرجي ماركوف»، أحد الموالين للكريملن وعضو في اللجنة كان أكثر دقة في تحديد مهام اللجنة قائلا إن إستونيا ولاتفيا وأوكرانيا «جندوا إمكاناتهم الحكومية لتمويل عملية تزوير التاريخ، وهدفنا نحن هو تحرير المؤرخين في تلك البلدان من الضغوط التي تمارسها السلطات الاستبدادية عليهم»، ناسياً أنه على مدار القرن العشرين انخرط الحزب الشيوعي في عمليات تزوير للحقائق التاريخية لا حد لها. ففي الفترة التي حكم فيها ستالين البلاد كان يطلب من أطفال المدارس تسويد وجوه «أعداء الشعب» في الكتب المدرسية، كما كانت تُنتزع الصور غير المرغوب فيها للأعضاء السابقين في النخبة الشيوعية الذين تم التخلص منهم من قبل النظام السوفييتي. وإذا كانت روسيا اليوم قد توقفت عن الممارسات السابقة مثل إقحام التأويلات الأيديولوجية للتاريخ في الكتب المدرسية وغيرها، فإن الكريملن مع ذلك لا يخفي خطته في السنوات الأخيرة الرامية إلى تعزيز الشعور القومي لدى الروس ونفي أي شائبة تحيط بقادتها سواء في الماضي، أو الحاضر، لذا تأتي المساعي الحكومية لمنع إثارة النقاش العام حول جرائم النظام في السابق والتي تنظر إليها كتلفيقات يتعين التصدي لها وتصحيحها. وفي هذا السياق تركز الرواية الرسمية للتاريخ على الانتصار الروسي الحاسم على ألمانيا ودحرها للجيش النازي في الحرب العالمية الثانية على أمل أن تغطي تلك الرواية على الانتهاكات الكبيرة التي قام بها النظام الشيوعي. وفيما لا يمكن فيه إنكار الانتصار الباهر الذي حققه الجيش الأحمر على النازية والتضحيات الجسيمة التي بذلها الشعب الروسي خلال تلك الفترة العصيبة من التاريخ، إلا أنه في نفس الوقت لا يمكن القفز عن سنوات طويلة من الاحتلال والقمع التي أذاقها الاتحاد السوفييتي للشعوب المجاورة في أوروبا الشرقية ومنطقة البلطيق. وإذا كانت روسيا عاجزة عن فرض رؤيتها الخاصة للتاريخ على الدول الأخرى فهي على الأقل قادرة على فرض التأويلات التاريخية التي تغذيها اعتبارات سياسية على الرأي العام الداخلي سواء في الكتب المدرسية، أو في وسائل الإعلام. وبالإضافة إلى ذلك هناك اعتبار آخر يحرك المسؤولين الروس يتمثل في التجاوزات الخطيرة للنظام السوفييتي التي تحويها وثائق الأرشيف الوطني، وهو ما دفع فلاديمير بوتين خلال فترته الرئاسية إلى وضع قيود على الأرشيف، ويتوقع «أرسني روجنسكي»، مدير إحدى الجمعيات الأهلية التي تُعنى بالتاريخ أن يستمر التضييق على الباحثين الساعين إلى الاستفادة من وثائق الأرشيف خوفاً من الإساءة إلى التاريخ الروسي بكشف ضحايا النظام الشمولي. ومع أن اللجنة الحكومية التي أنشئت خصيصاً لمكافحة تزوير الحقائق التاريخية قد لا تتدخل في البحوث العلمية والأكاديمية، إلا أنها ستدفع بسياساتها إلى تهميش المؤرخين الجادين وإقصاء الأصوات التي لا تتفق مع الرواية الرسمية، هذا في الوقت الذي ستؤدي فيه اللجنة إلى نشر بعض النظريات الخاطئة والبعيدة عن الواقع مثل تلك التي تحمل بولندا مسؤولية إطلاق الحرب العالمية الثانية. ماشا ليبمان رئيسة تحرير دورية «برو إي كونترا» التابعة لمركز «كارينجي» بروسيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©