الأربعاء 8 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الخدمة المدنية الإجبارية... درس من نيجيريا

الخدمة المدنية الإجبارية... درس من نيجيريا
24 يونيو 2009 02:06
نادراً ما ينظر الأميركيون إلى أفريقيا كمصدر للإلهام، أو كنموذج يحتذى به، لكن بالنظر إلى الجهود التي يبذلها الرئيس أوباما لتطوير الخدمة المدنية التطوعية في الداخل، قد يكون من المفيد فحص تجربة نيجيريا الإلزامية التي يطلق عليها «الهيئة الوطنية لخدمة الشباب» بما تمثله من إنجاز لا يمكن إنكاره في غرب أفريقيا ظل لفترة طويلة بعيداً عن أضواء وسائل الإعلام. فبعد إقراره في العام 1973 عقب الحرب الأهلية النيجيرية التي خلفت أكثر من مليون قتيل، كان الجنرال «ياكوبو جوون» أول من وضع أسس برنامج الخدمة المدنية الإجبارية في البلاد بهدف مداواة جراح نيجيريا الغائرة وتوحيد أكثر من 250 قبيلة في بوتقة واحدة. وبعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على إنشاء البرنامج ورغم المشاكل المرتبطة بالتسيير والإدارة، لم أجد أحداً من النيجيريين ممن تحدثت معهم يريد إلغاء البرنامج، فمن بين أربعين لقاء أجريته مع مشاركين قدامى في الهيئة الوطنية لخدمة الشباب، لم أعثر على أي من المعارضين للبرنامج سواء من الرجال، أو النساء وإن كانت أجوبتهم تراوحت بين الحماس والفتور. وعن هذا البرنامج يقول «أوني أديول»، المحلل السياسي بإحدى المحطات التلفزيونية: «سيكون الأمر أسوأ بكثير في غياب البرنامج لأنه يبدد الصور النمطية، لذا تبنته جميع الحكومات التي تعاقبت على إدارة البلاد»، بحيث يتعلم النيجيريون على الأقل الحديث إلى بعضهم البعض رغم العدد الكبير من اللهجات المحلية المنتشرة في البلاد. ومع أن الانقسامات الأميركية ليست بالحدة الموجودة عليها في نيجيريا، يواجه نسيجنا الاجتماعي تحديات كبيرة بسبب الضغوط التي تمارسها عليه الهجرة غير القانونية والتأثيرات الثقافية للحروب الخارجية ما يحتم التفكير في استحداث برنامج للخدمة المدنية شبيه بذلك الموجود في نيجيريا يساهم في رتق النسيج الاجتماعي الأميركي. وقد بدأت تظهر تحركات أوباما في هذا الاتجاه بعد توقيعه على مقترح الخدمة الذي طرحه السيناتور «إدوارد كينيدي» وتحويله إلى قانون في شهر أبريل الماضي. ومن بين المقتضيات التي يتضمنها القانون مضاعفة أعداد المتطوعين في برنامج الخدمة الأميركي بثلاث مرات بعدما ربط أوباما الخدمة بـ»مرحلة جديدة من المسؤولية» وإعادة «الحلم الأميركي» إلى مكانته في أذهان الأميركيين. وبالإضافة إلى المهام العادية للبرنامج النيجيري، والتي تشترك مع باقي المبادرات الأخرى في العالم، هناك مهام أكثر جرأة وطموحاً مثل إدماج العرقيات والقبائل المتعددة في البلاد وخلق شعور وطني يوحد جميع المواطنين، وهو أمر ينطوي على صعوبات كبيرة بالنظر إلى التركيبة السكانية والدينية في نيجيريا الموزعة بين 50 في المئة من المسلمين و40 في المئة من المسيحيين و10في المئة من الوثنيين. لكن رغم ما تشهده البلاد حالياً من صدامات بين المتمردين والقوات الحكومية في منطقة الدلتا الجنوبية الغنية بالنفط، لا تسمع عبارات مثل «الانفصال» و«الحرب الأهلية» على ألسنة الناس، وهو ما يعبر عنه أحد المواطنين الذين تحدثت إليهم بقوله «إن الهيئة الوطنية لخدمة الشباب تلعب دوراً كبيراً في الحفاظ على لحمة البلاد». وإذا كانت التعيينات التي ترسل طلبة الجامعات إلى مناطق ريفية نائية لقضاء فترة الخدمة المدنية تثير انزعاج البعض، فإن الأكثر من ذلك هو عندما يرسل المستدعون من الجنوب المسيحي إلى مناطق الشمال حيث الأغلبية مسلمة، فقد عايش «أونيمزي أدازا»، المذيع التلفزيوني نفس المخاوف عندما أرسل إلى الشمال مستحضراً قلقه من «المسلمين المحافظين الذين لا يختلطون مع أحد»، لكن بعد سنة قضاها في الخدمة راجع موقفه السابق قائلا «أدركت أنهم ليسوا بالسوء الذي يصورونهم به ومازال لدي أصدقاء كثر بينهم». وفي أحيان كثيرة تقود فترة الخدمة الإجبارية التي تدوم سنة بكاملها إلى زيجات مختلطة بين القبائل المختلفة وهو ما تعمل الحكومة الحالية على تشجيعه بحيث تدفع للشباب المقبلين على الزواج 600 دولار أي ما يعادل سنة كاملة من المدخرات الفرد النيجيري المتوسط الدخل، أي لأغلب النيجيريين. ويعمل البرنامج في نيجيريا على إخضاع طلبة الجامعات إلى معسكرات تدريبية لثلاثة أسابيع تُسند إليهم بعدها مهام المبتدئين ويتلقون الحد الأدنى من الأجور، والعديد منهم لا سيما النساء يطلب منهم تولي وظائف في التدريس التي تعرف عجزاً كبيراً في نيجيريا، فيما يعهد للرجال بأعمال مختلفة تتراوح بين العمل في البنوك وجمع القمامة في الشوارع. وخلافاً لنظام الخدمة المدنية المعمول به في أميركا والقائم على الانتقاء، لا يمكن في نيجيريا التهرب من الخدمة المدنية لطبيعته الإجبارية، بحيث يستحيل الحصول على وظيفة دون شهادة تثبت أداء الشخص لهذه الخدمة، صادرة من الهيئة الوطنية لخدمة الشباب. وأسوأ ما يواجهه النيجيريون خلال البرنامج هي فترة المعسكر التي تستمر ثلاثة أسابيع بسبب رداءة الأكل واستغلال بعض المسؤولين للأموال الحكومية المخصصة للبرنامج لمصالحهم الشخصية، هذا بالإضافة إلى مشاكل أخرى تتعرض لها النساء على وجه الخصوص مثل التحرش الجنسي، لكن رغم الصعوبات التي يعانيها الشباب النيجيري خلال فترة الخدمة المدنية يتفق الجميع على مساندة البرنامج وضرورة استمراره مع مطالبة البعض بإصلاحه. وفي الوقت الذي بدأ فيه الخطاب السياسي والثقافي في أميركا يكتسي نبرة مقلقة تعمق الانقسامات المجتمعية، فقد حان الوقت للتفكير في برنامج للخدمة المدنية شبيه بالتجنيد العسكري الإجباري، الذي كان معمولا به في السابق، يعيد اللحمة إلى المجتمع، ويلقن الأميركيين قيم التسامح ومعنى أن يكونوا أميركيين مرة أخرى. والتر روجرز مراسل دولي سابق لمحطة «سي. إن. إن» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©