الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

متطرفون مترفون.. وفاسقون واثقون!

20 مارس 2018 22:02
ويسألونك عن التطرف قل هو مرض عربي عضال لا يختص بمجال واحد، ولا يصيب عضواً واحداً في الجسد العربي. هو داء عام وشامل لا يرتبط بالدين وحده، ولكنه يعبر عن نفسه في كل سلوكيات وفكر العرب. والتطرف هو فكر الأبيض والأسود بلا ألوان أخرى. هو أننا نرفض التجاور والتحاور فيما نتوهم أنه صواب. هو أن تسكت أنت وأتكلم أنا - هو أن يكون شعاري إما أنا أو أنت. أما أنا وأنت معاً، فلا وجود لها في الفكر العربي إذا سمينا ما يحدث فكراً - التطرف هو ألا تكون هناك جدوى من الحوار - هو ما يحدث الآن في أمة العرب، حيث لا رأي ولا رأي آخر، وإنما هو كما يقول المصريون «رغي ورغي آخر». ثرثرة وثرثرة أخرى - جدال بالتي هي أسوأ، وجدال مضاد هو أن نتعارك ونتقاتل ونتخاصم، ثم نردد كالببغاء أن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية، والحق أنه لا يوجد رأي ولا يوجد ود ولا توجد قضية. التطرف أن يكون رأيي هو أنا، وهو كرامتي، ولا يمكن أن أتنازل عنه، ومن العيب أن يكون رأيي خاطئاً، فهذا ضد كرامتي. التطرف في الدين والسياسة والاقتصاد والثقافة والإعلام والفن. التطرف في المعارضة وفي الموالاة - وفي الحب وفي التدين وفي الإلحاد وفي أكذوبة حقوق الإنسان. وفي الإفساد وفي الإصلاح.. وفي التغطي وفي التعري - في الاحتشام وفي السفور، حتى الذين يقولون إنهم يحاربون التطرف متطرفون - التطرف أن أكرهك ولا أختلف معك - أن أنفيك ولا أثبتك - أن أشطبك وأمحوك ولا أكتبك - أن أتهمك دوماً وأنا أحاورك. وتتهمني أنت أيضاً، علماني إرهابي عميل خائن غبي كافر مرتد. والتطرف هو الثنائيات البغيضة التي لا وجود لها إلا في أمة العرب - النظام والمعارضة - الرجل والمرأة - الشباب والعجائز، بينما لا توجد في العالم كله سوى ثنائية واحدة منذ بدء الخليقة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهي ثنائية الأغنياء والفقراء. والتطرف مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالنفاق - والنفاق اختراع عربي أصيل - فالتطرف هو الغلو والمبالغة في محاولة لإخفاء باطن خرب بمظهر خير - هو إضافة كثير من مكسبات اللون والطعم والرائحة على طبخة فاسدة ومنتهية الصلاحية. وخصال النفاق الأربع متأصلة في المتطرف، فهو يكذب في الحديث، ويخون الأمانة إذا سلمنا بأن الوطن والدين والحق أمانة - وهو يغدر بالعهد ويفجر في الخصومة، أي خصومة. وكل الثنائيات الموجودة في أمة العرب لا وجود لها في العالم كله - فالمعارضة والنظام في العالم كله كيان واحد - والمرأة والرجل والشباب والعجائز إنسان. وأسوأ ما في المتطرفين دينياً أو سياسياً أو في أي مجال هي رذيلة الاستشهاد على آرائهم أو انطباعاتهم بالنصوص الدينية، أو أي نصوص وضعية من الشعر أو أقوال الساسة والكتاب والأدباء والفلاسفة - والاستشهاد إفلاس وعكازات يتعكز عليها فكر معوق - وأسوأ الاستشهاد هو الاستشهاد بالنصوص الدينية على آراء وأفكار ساقطة وباطلة. في محاولة تبلغ حد التجرؤ على الدين ونصوصه بجعله مطية لأفكار سقيمة وعقيمة. الرأي باطل ويستشهد صاحبه على صحة هذا الباطل بنص ديني يلوي عنقه ليوافق هواه، مثل أهل النسيء الذين حرّموه عاماً وأحلوه عاماً، ليوافقوا عدة ما حرم الله على هواهم وعشرات النصوص التي يتم الاستشهاد بها بريئة من الرأي الباطل - حيث تتعرض النصوص للاجتزاء والتشويه لتوافق الهوى. مثل قولهم استشهاداً على صواب التمرد والفتنة والتخريب: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى? يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ...)، «سورة الرعد: الآية 11».. وهي آية كريمة لا علاقة لها أبداً بما يسمونه الثورة والإصلاح والتمرد، بل تعني أن الله تعالى لا يفسد ولا يزيل ما بقوم حتى يفسدوا أو يزيلوا ما بأنفسهم - وهناك دليل مؤكد من آية أخرى على ذلك، وهي: (ذَ?لِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى? قَوْمٍ حَتَّى? يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ...)، «سورة الأنفال: الآية 53» لأن التغيير والتغير والغيرة في اللغة ألفاظ تعني الفساد أو الزوال مثل كلمة «غارت النجوم» أي اختفت وزالت - وفي العامية المصرية يقول الشخص للآخر «غور في داهية»، أي عليك أن تختفي وتزول - وأنهار الجنة لم يتغير طعمها أي لم يفسد ولا يزول. وخذ من هذا كثيراً جداً. من محاولات المتطرفين والمغالين لي عنق النصوص لتوافق هواهم - فالتطرف هوى. والهوى إله معبود من دون الله. وأكثر الناس عبادة للهوى هم المنافقون. والنفاق رذيلة عربية. وعندما اختلط الحابل بالنابل وطغى وطفا المتطرفون والمنافقون، وركبوا كل الأمواج واعتلوا كل القمم اختلط الحق بالباطل، وصار المنكر معروفاً والمعروف منكراً. وكثر المترفون، وهم بالتأكيد المتطرفون الذين فسقوا في القرية العربية. والفسق هو التطرف، لأن الفسق هو الخروج على النص والقيم والجرأة في الباطل والعزة بالإثم والوقاحة. فويل لهذه الأمة إذا استمر تكاثر المتطرفين المترفين والفاسقين الواثقين! *كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©