بعد العمل لمدة 47 عاماً، يقول الإسباني «ألفونسو بلاس» إن الزيادة التافهة التي حصل عليها في المعاش تعد فضيحة. وقال موظف البنك المتقاعد الذي يبلغ عمره 65 عاماً «إنهم يقولون لنا إن الأزمة انتهت، فلماذا يزيد معاشي بقيمة يورو واحد؟ لقد عملت طوال حياتي – ولم يكن هذا دون مقابل». مع دخول إسبانيا عامها الخامس من الانتعاش الاقتصادي، هناك حملة من الاحتجاجات يقوم بها أصحاب المعاشات أمثال «بلاس» في جميع أنحاء البلاد – وهم مجموعة متعاطفة مع السياسات المحافظة لحزب الشعب الحاكم – والتي تشكل تحدياً غير متوقعا لرئيس الوزراء «ماريانو راخوي». وإدراكاً منه لتأثير ذلك على حزبه فيما تتراجع نسبة تأييده في استطلاعات الرأي، دعا «راخوي» إلى عقد جلسة برلمانية، دعا فيها إلى الهدوء بشأن مستقبل النظام وتعهد باقتراح زيادات في الحد الأدنى للمعاشات والمدفوعات المخصصة للأرامل.
وقال «راخوي» في خطابه أمام البرلمان: «إننا لا نفهم كيف لا يستطيع أي مجتمع أن يضمن وجود ما يكفي من مدفوعات لتأمين حياة كريمة لكبار السن». وأضاف «إن وجود سياسة اقتصادية تخلق فرص عمل وزيادات في عدد المساهمين في الضمان الاجتماعي هو الأساس».
ويواصل الإسبان من كبار السن هجومهم فيما يؤدي ارتفاع الأسعار إلى تآكل القوة الشرائية لمعاشاتهم التي ستزيد بنسبة 0.25% فقط للعام الخامس على التوالي. وعلى الرغم من أن راخوي قال إن مناقشة المعاشات التقاعدية ستكون واحدة من القضايا الرئيسية في فترة ولايته الثانية، إلا أن المجموعات الأخرى التي عانت في معيشتها خلال الأزمة تحتج أيضا طلبا للمزيد.
وقالت «فيرونيكا فومانال»، خبيرة في التسويق السياسي والتي اعتادت العمل مع الحزب الاشتراكي والليبراليين من حزب المواطنين «لقد كانت الحكومة تشير إلى أن الانتعاش الاقتصادي هو حقيقة ملموسة، لذا فإن شرائح المجتمع، بما في ذلك أصحاب المعاشات من رجال الشرطة والموظفين والنساء يريدون التأكد من أنهم سيستفيدون من هذا الانتعاش».
وقد سعى «راخوي» إلى حماية الناخبين من كبار السن فيما كانت إسبانيا تحارب الأزمة الاقتصادية التي أجبرته على طلب حزمة مساعدات بقيمة 41 مليار يورو (50.6 مليار دولار) لإنقاذ النظام البنكي للبلاد عام 2012. واستمر رئيس الوزراء في زيادة المعاشات التقاعدية بنسب ضئيلة حتى مع قيامه بزيادة الضرائب وخفض الأجور العامة والإنفاق على التعليم والمساعدات المقدمة للأسر الشابة.
وقد رد الناخبون من كبار السن هذا الصنيع من خلال مساعدة «راخوي» على تأمين المقاعد الإضافية التي كان يحتاج إليها لتشكيل حكومة أقلية بعد الانتخابات العامة التي أجريت عام 2016. ويتعرض هذا التحالف الآن إلى ضغوط فيما تحصد إسبانيا فوائد الانتعاش الذي شهد توسع الاقتصاد في 17 قطاعاً مباشرا، ليضع البلاد على الطريق لتحقيق نمو يزيد على 2.5% هذا العام. وكان متوسط التضخم قد بلغ 2% العام الماضي بعد ثلاث سنوات من انخفاض الأسعار. ويتوقع بنك إسبانيا أن ترتفع الأسعار بنسبة 1.5% هذا العام، ما يؤدي إلى مزيد من التآكل في قيمة المعاشات التقاعدية.
وفي الشهر الماضي، أثار احتمال تراجع مستويات المعيشة احتجاجات في جميع أنحاء إسبانيا. واخترق أصحاب المعاشات خطوط الشرطة للوصول إلى درجات البرلمان في مدريد حاملين لافتات مكتوب عليها «تعسا لأصحاب المعاشات»، ما يعيد المشاهد التي شوهدت أثناء الأزمة الاقتصادية عام 2012.
وقد ساعدت الحكومة من دون قصد على تأجيج هذه الحالة من الاستياء من خلال إرسال خطابات لمنازل أصحاب المعاشات توضح الزيادة بنسبة 0.25% في قيمة معاشاتهم التقاعدية. وعليه، سيزيد الحد الأدنى من قيمة المعاش الذي تقدمه الدولة بقيمة 1.5 يورو شهرياً لتبلغ قيمته 606.6 يورو، وهو ما يكفي بالكاد لتناول فنجان من القهوة في مقهى في مدريد.
تقول فومانال «لقد كان هذا الخطاب هو السبب، حيث إن تكلفة إرساله أكثر من قيمة الزيادة الفعلية المستحدثة في المعاش».
جدير بالذكر أن إسبانيا ليست هي الدولة الوحيدة التي تشهد اضطرابات من قبل أصحاب المعاشات التقاعدية. فقد شهد الرئيس الفرنسي «ايمانويل ماكرون»، الذي يقاوم مزاعم بأن سياساته مصممة للأغنياء منذ انتخابه في شهر مايو، تراجعاً في معدلات تأييده، ما يعكس القلق بشأن القوة الشرائية.
وفي اليونان، شهد أصحاب المعاشات انخفاضا في قيمة معاشاتهم عدة مرات كجزء من برنامج الإنقاذ للبلاد.
وفي الوقت نفسه، بدأت الضغوط على الماليات العامة في إسبانيا في الظهور مع اقتراب البلاد من استنفاد احتياطي المعاشات الذي بلغ 67 مليار يورو عام 2011. وستقوم وزارة الخزانة بتقديم قرض بقيمة 15 مليار يورو لتمويل نظام المعاشات، بالإضافة إلى خط الائتمان الذي قدمته في 2017 بقيمة 10 مليار دولار لتمويل النظام.
*صحفيون إسبان
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
عدد اليوم
