الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«تداعيات».. الخروج إلى الداخل

20 مارس 2018 22:13
إبراهيم الملا (الشارقة) قدمت فرقة مسرح دبي الأهلي مساء أمس الأول بمعهد الشارقة المسرحي، عرض «تداعيات» المشارك ضمن المسابقة الرسمية للدورة 28 من مهرجان أيام الشارقة المسرحية. العرض من إخراج مرتضى جمعة، وتأليف أحمد الماجد، وشارك أربعة ممثلون في ملء فضائه الفارغ تقريبا على الخشبة، وذلك من خلال أدائهم الموظف بكامل عدته الدرامية لصالح النص وامتثالاً لهوى الحكاية وتشعباتها. الممثلون هم: حميد فارس في دور الرجل، وبدور الساعي في دور المرأة، وأحمد مال الله في دور الشاب، وريم الفيصل في دور الفتاة. وانطلاقاً من عنوانه يشرع العرض في كسر ثنائية الزمان والمكان، فلا نجد ملمحاً أو هوية للبيئة التي يبدأ فيها الممثل الرئيس (حميد فارس) بسرد تداعياته الموازية لتداعيات السينوغرافيا ولتكويناتها المجتزأة والمتهاوية على ذاتها، المتمثلة هنا بشجرتين هزيلتين على جانبي الخشبة، وفوقهما غصنان ذاويان تتساقط منهما الأوراق الخريفية اليابسة، ناسخة بذلك حالة الرجل ذاتها وهو يعيش خريف عمره، ويسكن قاع عزلته، محتشدا بالهواجس، ومفخخا بالوساوس، التي تتجسد على هيئة أشباح من لحم ودم، وأطياف يقيم معها علاقات ودّ وانفصال، وشدّ وجذب، وشك واطمئنان، مسترسلا في حوارته مع هؤلاء الشخوص المتخيلين، وكأنهم أبناء ظنونه، ورفقاء وهمه، وندماء حيرته. وسط هذه المعضلة وفي قلبها، يأخذنا العرض إلى بنية مسرحية مرصودة للانهيار والتشويش والالتباس، وصولا إلى خلق أرشيف افتراضي للذكريات، حيث نرى المرأة (الفنانة بدور الساعي) التي تلحّ على طلب الطلاق من الرجل، وتختلق الحيل والأعذار والأكاذيب التي يمكن أن تقنع القاضي للموافقة على طلاقهما، كي يريحهما من رباط لا يبدو مقدسا، وأشبه بوصل مبتور، لأنه رباط هشّ، يقوم على علاقة لا أفق لها، ولا أمل يسندها، ولا مستقبل يرتجى منها. في الجانب المقابل من الحكاية، نرى شاباً يصطحب صديقته إلى قاعة الرقص وتنشأ بينهما علاقة حبلى بالوعود، وحافلة بمسرّات خضراء، وبمغامرات عاطفية متدفقة، ولكن سرعان ما تتبخر هذه الوعود، وتيبس وتتساقط مثل الأوراق الخريفية، لأنها وعود مستندة على تصورات متشائمة وعلى أوهام تطفح بصور الخيانة، والخوف مما هو قادم، والارتياب من حالة الذبول المتوقعة لعلاقات تبدأ حارة ومشتعلة، وتنتهي بالخيبة والانطفاء. يمتد هذا الارتياب أيضا إلى الرجل والمرأة عندما يفكران بالإنجاب، لتجاوز حالة الفتور في علاقتهما، وعندما يولد هذا الطفل لا يتمكنان من تسميته، خوفاً من أن يصبح «الاسم» إثما، ولعنة تطارد الطفل إلى الأبد، وعندما يكبر الطفل يتحول إلى شخصية مستنسخة من والده، فلا هوية مستقلة له، ولا إرادة حرة يمتلكها كي يحدد مصيره في هذا العالم المستلب والأحادي والشرس. ينتهي العرض بذات الإطلالة الخريفية التي انطلق منها، ونرى الرجل منسحبا إلى عزلته، وإلى عتمة المكان الذي اعتاده، ويخشى تجاوزه، حتى لا يتحول إلى كبش فداء للخديعة، ولا يصبح فريسة لجهل الآخرين وتخبطهم وأنانيتهم، وحتى لا يساهم في بعث كائنات بائسة أخرى إلى هذا الوجود المنذور لكوارث اجتماعية واقتصادية وسياسية قادمة، كوارث لا يمكن أن نهبها ضحايا جدداً، ذنبهم الوحيد أنهم ولدوا في المكان الخطأ، والزمان الخطأ. ورغم الإشكاليات الكثيرة التي عانى منها العرض، وخصوصاً ما يتعلق بتقنيات السرد وبناء مستويات مشوقة ومتصاعدة في الحبكة والشكل، ورغم خفوت الحالة الشعرية وغياب الثقل الفلسفي في الحوارات، إلا أن أداء الممثلين الأربعة حقق لنا رصيداً من الثقة في الجيل الجديد من الممثلين الإماراتيين القادرين على إضفاء المزيد من السحر والابتهاج والإلهام للساحة المسرحية المحلية مستقبلاً.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©