الأحد 5 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لن أتزوج برجل غيرك

لن أتزوج برجل غيرك
3 مارس 2011 21:01
(القاهرة) - بينما أنا وأخي في انتظار سيارة تاكسي لنستقلها إلى حيث مكتب تنسيق الجامعات بعدما حصلت على الثانوية العامة، توقفت أمامنا سيارة فارهة ونزل منها شاب أنيق، اتجه نحو أخي وتبادل معه التحية الحارة وتبادلا التهاني على إنهاء الدراسة، فهمت ضمنا انه زميل أخي وقد انتهيا منذ عدة أسابيع من الدراسة وحصلا على بكالوريوس الهندسة، وهذا ما تأكد فيما بعد، وقدمه لي أخي، وقدمني له، وإذ بنا نعرف بعضنا من خلال الهاتف إذ كنت أرد عليه في بعض الأحيان عندما كان يتحدث إلى أخي، لكن لم يسبق أن التقينا وجها لوجه، ولم يتطرق الحديث الهاتفي بيننا إلا لكلمات معدودة، يسأل عما إذا كان أخي متواجدا في المنزل أم لا، فبجانب أنني ملتزمة ولا أسمح لأحد أن يتجاذب معي الكلام إلا في أضيق الحدود، فقد كان هو أيضا على خلق ويراعي حدود زمالته وصداقته لأخي. لم يطل بنا الوقوف بعدما علم وجهتنا، كان اسمه «خالد» أصر على أن نستقل معه السيارة وتطوع لتوصيلنا إلى حيث نريد، وهناك طلب منه أخي أن يشاركنا اختيار الكليات التي سنضعها في الترتيب، غير أنه قرر أن هذا اختياري وحدي ويجب ألا يتدخل أحد فيه، وكان هذا في حد ذاته مؤشرا عن شخصيته، حتى وإن كنت لا أهتم به ولا يعنيني أمره في شيء، ومع إصرار أخي على مشاركته، استجاب في حدود أن يراقب فقط ويقدم المشورة ويتركان لي القرار النهائي. بشهامة شديدة أصر أيضا على أن يعيدنا إلى منزلنا، مؤكدا أنه لا يصح أبدا أن يتركنا فريسة للأجواء الحارة فقد كان ذلك في أغسطس حيث أعلى درجات الحرارة والرطوبة، وفي طريق العودة تبادلا الكلام عن ذكرياتهما في الجامعة، وعادا الى الخلف أربع سنوات منذ حصلا على الثانوية العامة، وها هما قد انتهيا من أحلى سنوات العمر، على حد وصفهما لمرحلة الجامعة، كل ذلك ولم يكن لي في الحوار أي نصيب، حتى وصلنا الى منزلنا، هنا كان على أخي أن يكون هو الآخر كريما، وأن يستضيف زميله حتى لعدة دقائق يلتقط فيها أنفاسه ويتناول مشروبا مثلجا، كنت بلا رأي، وان استشعرت أنه خجول ولا يريد الحضور إلينا لهذا السبب، خاصة وأنه لم تسبق له زيارتنا من قبل. في النهاية استجاب وصعد معنا، وبما أنه في عمر أخي فقد استقبله أبي وأمي بالترحاب، خاصة بعدما علما أنه «خالد» صديق أخي الذي كانا مثلي يعرفانه من خلال الهاتف، وأنا بعيدة عن مجلسهم تأتيني أصواتهم وهم يتحدثون عن العمل والمستقبل والخطط، وعلمت حينها أن «خالد» سيعمل في مكتب هندسي يملكه والده ولن ينتظر وظيفة حكومية، ولم يفكر يوما في عمل حكومي، وأنه منذ التحق بالجامعة وهو يعد نفسه للعمل في هذا المجال الذي تخصص فيه وأحبه وأصبحت لديه بعض الخبرات لكثرة التردد على آبيه هناك. الموقف برمته لم يكن له عندي أي اعتبار، غير أنه مجرد صدفة عابرة، مثل عشرات ومئات الأحداث العادية التي نمر بها يوميا، ولم أقم له أي وزن، حتى أنني عندما اخترت كلية الهندسة في دراستي الجامعية، والتحقت بها لم يكن له ولا حتى لأخي أي تأثير أو تدخل في الاختيار. جاء أخي يوما يزف لأبي وأمي بشارة وهو في قمة الفرحة والسعادة بأنه حصل على فرصة عمل في مكتب والد «خالد» كمهندس مدني، ويومها أقمنا احتفالا محدودا اقتصر على أفراد أسرتنا وتناولنا العشاء في مطعم شواء مشهور، وتنزهنا وسرنا على الأقدام، نشتري بعض الحاجيات ومنها ما لم يكن ضروريا، ومنذ ذلك اليوم، ازدادت اتصالات «خالد» بأخي بحكم ظروف العمل، وكثيرا ما كنت أرد على الهاتف أثناء انشغال أخي، وأيضا مازالت الكلمات بيننا محدودة معدودة كأنها مسجلة من قبل، وعندما استرجع ذلك أجدني أكاد أموت ضحكا، لأنها نفس الكلمات بنفس النبرات بنفس الردود في كل مرة. لا أصدق أن أربع سنوات مضت على لقائنا الأول، لم أحسبها، ولكن هكذا أجدها انفضت ومرت بسرعة رغم ما تخللها من أحداث كثيرة، وما جعلني أتذكر هذا اللقاء أنني أنهيت دراستي بالجامعة وتخرجت في كلية الهندسة مثل أخي و»خالد» وأتمنى أن أحصل على عمل في تخصصي وأنا فاقدة الأمل في ظل طابور البطالة الطويل الذي لا نهاية له، ويضاف إليه كل عام عشرات الآلاف من الخريجين، وفي خلال هذه السنوات الأربع توفى والد «خالد» وتولى هو مسؤولية الشركة التي آلت إليه ميراثا مع أخيه وأمه، لكن لأن أخاه مشغول هو الآخر في عمله بوظيفة مرموقة ويصله نصيبه بانتظام من الأرباح، فقد كان «خالد» هو صاحب الشركة الوحيد، وبحكم ثقته بأخي أدخله شريكا بنصيب معقول في الأعمال التي يقومان بتنفيذها وقدم أبي مبلغا مقابل هذا، وكان يدر علينا دخلا كبيرا كان سببا في إحداث نقلة في حياتنا. عرض أخي عليَّ أن أعمل معه في الشركة، لكني رفضت حتى لا يكون ذلك موضع خلاف بينه وبينه صديقه وزميله، حتى فوجئت باتصال هاتفي من «خالد» نفسه على رقم هاتفي المحمول، وتعجبت في البداية من أين جاء به، لكنه كأنه كان يقرأ أفكاري عن بعد وبدأ حديثه بأنه حصل على الرقم من أخي، وأنه سيكون سعيدا إذا انضممت الى الشركة وانتهت المكالمة باللقاء في اليوم التالي بمكتبه في حضور أخي لأتسلم عملي الجديد وأنا أكاد أطير في ليلة من أسعد ليالي عمري. عدة أشهر وأنا في الشركة، كان اهتمام «خالد» بي لا يخفى عني لكنه في كثير من الأحيان غير ظاهر، ربما كما قلت يرجع لحيائه، وتقديره وحفاظه على علاقة الصداقة مع أخي، إلى أن فوجئت به يحدثني في الهاتف من داخل الشركة، بطريقة غير معتادة، إذ بدأ حديثه بقوله: قد أكون تلميذا خائبا لم يذاكر دروسه ولم يستعد للامتحان لذا فإنني لا أدري من أين أبدأ كلامي ولا كيف، لكن كي أخرج من الحرج اختصر الموقف كله في سؤال من كلمات قليلة، هل تقبلين بي زوجا؟ وأمامك أسبوع للتفكير، وأيا كان الرد فإنه لن يفسد للود قضية، وانتهت المكالمة بلا تعليق. لم أجد أمامي إلا أن ألملم حاجاتي وأعود مسرعة إلى المنزل، رغم عدم انتهاء وقت العمل، وأمامي الكثير من المهام يجب إنجازها، ولا أدري لماذا تصرفت هكذا، حتى عندما سألتني أمي عن سبب عودتي مبكرا، لم أجد في البداية، ما أقوله لها، وإن كان ارتباكي غير خاف عليها، وبإحساس الأم استشعرت أن الأمر مرتبط بحياء الأنثى فلم تلح في معرفة الأمر في التو واللحظة ومنحتني بحكمتها عدة ساعات خلدت فيها للراحة لكن من دون أن يغمض لي جفن. استعدت من الذاكرة اللقاء الأول، مرورا بكل الأحداث التالية، وإذا بي أجدني كنت بالفعل معجبة «بخالد» وبأخلاقياته والتزامه واكتشفت أنني كنت أحبه، وربما يكون ذلك هو التفسير الوحيد لما أنا فيه من ارتباك، وليس ترددا، فأنا موافقة عليه بلا تحفظ وبلا قيد أو شرط، وفي المساء أخبرت أمي بما حدث فوجدت منها ترحيبا، وبدورها أخبرت أبي فوافق على الفور، وكذلك أخي، وهكذا كانت الموافقة بالإجماع. لم يكن المسكن يمثل لنا أي مشكلة، فهذا مجال تخصصنا وعملنا، وقد اخترنا فيلا فاخرة في منطقة راقية، لم نشعر بأي عبء لأننا حصلنا عليها من خلال أعمالنا ومن دون أن ندفع شيئا، أي من أرباح الشركة، وتم تأثيثها بأثاث فاخر، وانتقلت إليها بعد ليلة من ليالي ألف ليلة، حضرها علية القوم والمقربون والأصدقاء. اكتشفت أنني لم أعرف عن زوجي إلا القليل، فهو رجل بمعنى الكلمة، نموذج في الاحترام والمودة والرحمة، فازداد حبي له أضعافا مضاعفة فهو يخجلني بتواضعه وتفانيه وكلماته الرقيقة، حتى بعد ما تمت تصفية الشركة بسب الاضطرار لتقسيم الميراث ليحصل كل فرد من أسرته على حقه، قام من دون أن أطلب بتسجيل كل ما تبقى من نصيبه، باسمي واسمه مناصفة حتى أنني تعجبت من صنيعه، وفي الحقيقة ما كنت أسعى إلى ذلك ولا أطلبه ولا أريده. بعد التقسيم، وحصول أخي على نصيبه ، تقلصت أعمال زوجي ثم تعرضت لهزة مالية عنيفة، خاصة بعد الأزمة المالية العالمية، واكتشفت برغم الخبرة الطويلة في هذا المجال، أن أعمال المقاولات هي أقرب إلى المضاربة في البورصة، فيمكنها أن ترفع إلى عنان السماء، أو تخفض إلى سابع أرض، فقد تكبدنا خسائر فادحة لم نقو على مواجهة آثارها، حتى لم يبق لنا إلا الفيلا التي نقيم فيها، وبضعة آلاف لا قيمة لها في هذه السوق الكبيرة، ومع ذلك وما أثار عجبي فإن الابتسامة لم تفارق زوجي أبدا وهو يداوم على الصلاة والصيام، ويحمد الله على كل حال. عرضت على زوجي أن يبيع كل مجوهراتي والفيلا الفاخرة ويستبدلها بشقة صغيرة حتى يستطيع أن يعود لعمله ونشاطه مرة أخرى، لكنه رفض بشدة لأن هذا حقي ويجب ألا تمتد إليه يداه، وفشلت لأول مرة منذ أن تزوجنا في إقناعه بأن هذه أمواله ويجب أن يستخدمها، وهذا وقتها، وإن كان ولابد، فإنه يعتبرها قرضا ويعيدها اليَّ فيما بعد، لكن بلا جدوى، ومع عدم قناعتي بموقفه هذا فإنه اكتسب المزيد من الود والاحترام عندي. خمس سنوات مضت، وكنا في قمة سعادتنا، لولا ما اعترانا في هذه الأزمة، ونسينا أن الفرحة لا تكتمل إلا بالبنين، فالمال والبنون زينة الحياة الدنيا، ولأول مرة نفتح هذا الموضوع ونطرحه للحوار، وبسرعة اتفقنا على الذهاب إلى الأطباء المتخصصين، وبعد عدة أسابيع بين الفحوص والتحاليل والإشعات، جاءت الصدمة الكبرى، بأنه لا أمل في الإنجاب من جانب زوجي، فخرجت الابتسامة، وغادرت السعادة بيننا على الفور، لأول مرة أراه مهموما حزينا، قل كلامه ونومه، أصبح شارد الفكر باستمرار، وأنا لا أملك إلا الدموع التي تتساب رغم أنفي ولم أستطع بحال إيقافها. حاولت جاهدة أن أرد له بعض ما قدم لي، أكدت أنه هو زوجي وابني وأبي وصديقي، وقلت صادقة إنني اكتفى بها نصيبا من الدنيا، وأن الله قد من عليَّ به، ولا أطمع في أكثر من ذلك، وفي كل مرة يسمع كلامي في صمت من دون أن يرد أو يشاركني الحوار، وإذا به بعد حوالي شهرين يلقي على أم رأسي بحجر كبير، فقد أخبرني بأنه لا يريد أن يكون سببا في تعاستي وحرماني من الأمومة التي هي أمل كل أمرأة، وفي الوقت ذاته يقول أنه سيترك لي كل ما أعطاني هدية عن السنوات والعشرة التي بيننا. صرخت في وجهه للمرة الأولى مستنكرة ما يقول رافضه تفكيره برمته، ولم يقتنع بأنني لن أكون لرجل غيره حتى لو طلقني غيابيا وبلا علمي، ولو أصر على موقفه، فسأعيش له أيضا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©