الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صيرورة «الثورات»

25 يونيو 2009 00:44
المشكلة القديمة والمأساوية التي ظلت الصفة الملازمة للحركات الثورية «اليسارية» و»اليمينية» العقائدية عبر التاريخ القديم والحديث، أنها في مظهرها تبدأ بـ «حلم جميل» يتملك عقول وأفئدة قلة من الرجال والنساء، يحلمون ويعملون على تدمير النظام القائم الذي يمثل الظلم والقهر واستعباد «جماهير الشعب»، ونهب ثروات الوطن وخيراته لمصلحة أقلية تحكم بما تتصوره حقاً مقدساً، بينما أصحاب «الحلم الجميل» يحلمون بعالم يتبدل الظلم فيه بالعدل، لكن باسم شعارات العدل والمساواة، وهي أحلام الجماهير والبشر جميعاً. وبعد ذلك تبدأ في الظهور قلة من الرواد، والتي دائماً تبرز من أوساط المتعلمين والسابقين في وعيهم من «جماهير العامة» وأكثر قدرة على التعبير عن أحلامها وأقدر على تنظيمها وتجنيدها إلى جانب الحلم الجميل الذي تمثله حركتهم الثورية أو حزبهم أو تنظيمهم الثوري. وعندما تحين اللحظة التاريخية العبقرية، وتتمكن حركة الثورة من الانقلاب ودحر النظام القديم، وتسيطر على آلة الدولة وأدواتها ومواردها، تقوم بتقديم نظامه الجديد الذي في نظرها تمثيل وتحقيق الحلم الجميل والشعب الذي قادته هذه أو تلك الطليعة الثورية، تبدأ بالنسبة لها مرحلة أهم وأخطر من الانقلاب على النظام القديم... مرحلة تأمين النظام الثوري الجديد من الداخلين والخارجين، وباسم تأمين النظام وحمايته من الأعداء يقوم الحكام الجدد الذين كان اسمهم الثوار والطلائع ورواد العدل والمساواة بمواجهة الأعداء وبنفس الأساليب والأجهزة بعد أن يعيد النظام تثقيفها وتدريبها الثوري، ليصبحوا فيما بعد أشد قسوة وقهراً على «الخارجين» على النظام الثوري الجديد. وعندما تستقر الأوضاع للنظام الثوري، يستقر في ذهن «قلة» من الصفوة الحاكمة إعادة النظر بعمق وطهارة ثورية في أحوال البلد والشعب - الذي باسمه يحكمون - يبدأون أولا الهمس داخل غرف السلطة والحزب الحاكم بضرورة التوقف عن الأساليب الثورية، التي كانت في مرحلة ما ضرورة لانتقال الثورة من مرحلة الشرعية إلى مرحلة السلطة الشرعية. وعودة زمام الأمور إلى الشعب، الذي يجب أن يختار حكاماً يخضعون للقانون والدستور ... إلخ... وهكذا تبدأ عادة الخلافات الفكرية بين رفاق الثورة، وتصل إلى مرحلة تتمكن فيها فئة منهم شديدة التطرف الفكري من الظهور، ويصبح أعضاؤها أعداء الثورة والنظام، ويجري عليهم مثل ما جرى على الثوار القدماء، بل في بعض الشواهد التاريخية نجد أن ما جري على يد الثوار القدماء الخارجيين على سطوة وفساد رفاقهم أشد قسوة مما جرى أثناء النظام القديم، الذي دحرته الثورة وأقامت على أنقاضه نظامها الجديد.. هذه الصفة المأساوية التاريخية ظاهرة عالمية للثورات الانقلابية الشمولية، بدأت بالثورة الفرنسية، ونجدها أكثر وضوحاً في القرن العشرين عبر تاريخ الثورة البلشفية... ولم يخلُ تاريخ النضوج الأخير لهذا في أفريقيا من شمالها إلى غربها والبلاد العربية أيضاً من مشرقها إلى شمالها. هذه الظاهرة التاريخية أثارها في ذهني ما يجري الآن في إيران بعد الانتخابات الرئاسية التي أعادت نجاد إلى سدة الرئاسة، وأسقطت موسوي، الذي كان أحد أعمدة نظام حلم فقهاء إيران ورئيس الوزراء المقرب إلى الثورة. فموسوي وبعض من رفاقه الذين وما يزالون في قلب النظام، يمثلون تلك القلة في قلب النظام الثوري، والتي لأسباب عديدة، جعلت النظام الإيراني في أزمة، وذلك لعلمهم المُبكر بأن إيران اليوم ليست إيران الخميني، ولتفهمهم المسبق لحركة التغيير التقدمي، التي هي مطلب الإيرانيين في القرن الحادي والعشرين. تقدمَ حسين موسوي إلى الترشح، وحصل على تأييد قادة تاريخيين أمثال رافسنجاني وخاتمي وغيرهما لترشيحه والعمل على إيصاله إلى الرئاسة، علماً بأن مرشح المرشد يجب ألا يسقط في الانتخابات. ما جرى سيبقى إلى فترة طويلة أزمة هي الأشد عنفاً منذ اندلاع الثورة الإسلامية عام 1979. ومهما ستكون النتيجة التي ستسفر عنها الأيام، فإن شهر يونيو هذا، قد شهد خلخلة نظام الفقهاء وكشف ضعفه الحقيقي، ورفض كثير من الإيرانيين له. عبدالله عبيد حسن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©