الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ضريبة الخوف

12 مايو 2008 02:40
قبل سنوات، تلقيتُ تهديداً إرهابياً مفاده أنني إذا لم أعتذر علناً وبشكل وافٍ عن عمود ينتقد النظام الإيراني، فسأُقتل بحلول الجمعة 13 سبتمبر· قصدت الخبراء الأمنيين، وإليكم ما نصحوني به: ''بابا منزلك الأمامي والخلفي عديما القيمة··· اشتر بابين مدرعين، اشتر كذلك نوافذ مقاومة للرصاص، ابنِ ''غرفة محصنة''، أقم نظام إنذار، تخلص من السياج السلكي التافه، وانصب مكانه جداراً من الخرسانة المسلحة، حاول أن تنوع منافذ دخولك وخروجك إلى المنزل···''· وسرعان ما وجدت أننا نتحدث عن تكلفة يصل مبلغها ستة أرقام، ثم بعد ذلك نبحث إمكانية هجرتي إلى إيسلاندا! جاء اليوم المحدد لقتلي ورحل، لكن المغزى من هذه القصة سيظل محفوراً في ذهني ما حييت، عندما يكون الأمن في خطر، فلا حدود للخوف أو التحصين· فالخوف ضريبة، و''القاعدة'' وأمثالها تفوقت على ''مصلحة الضرائب'' في جباية هذه الضريبة من الأميركيين· ولنتأمل هنا نصف الساعة الإضافي الذي يضيعه الملايين من المسافرين عبر الطائرات منتظرين في الطوابير الأمنية، والكلفة السنوية لساعات العمل الضائعة تصل مليارات الدولارات، ينضاف إليها تأخر الشحنات في الحدود والموانئ والمطارات، وكلفة التحقق من التحويلات المالية والسلع العابرة، وأجور قوات الأمن التي يتم تعزيزها عبر العالم· كل ذلك دون احتساب كلفة التضييق على الحريات المدنية أو امتهان الكرامة البشرية بعد أن يتم تفتيشك من قبل موظفي ''إدارة أمن النقل'' في المطار أو حين يُطلب منك أن تمشي حافي القدمين عبر جهاز رصد المعادن· وعليه يمكن القول إن هذه الضريبة تمثل أهم انتصار للإرهاب الدولي حتى اليوم· وضريبة الخوف الجديدة هذه مرتفعة في الولايات المتحدة خاصة، ففي نوفمبر أعلنت وزارة التجارة عن انخفاض الأسفار الخارجية إلى الولايات المتحدة بنسبة 17% بين عامي 2001 و·2006 هذا الانخفاض كلف البلاد 94 مليار دولار من الإنفاق السياحي الضائع، وحوالي 200 ألف وظيفة، و16 مليار دولار من عائدات الضرائب الضائعة· لماذا؟ دورية ''توريزم إيكونوميكس'' تقدم الجواب المتوقع: ''التصور المتمثل في أن سياسات التأشيرة والدخول إلى الولايات المتحدة لا ترحب بالزوار الأجانب، هو العامل الرئيسي في انخفاض عدد المسافرين الأجانب''؛ ذلك أن ثلثا المستجوَبين في استطلاع للرأي كانوا يخشون أن يتم احتجازهم لساعات بسبب تصريحات خاطئة لمسؤولي الهجرة· أما المفارقة فهي أن ''عدداً متزايداً من المستجوبين كانوا قلقين من مسؤولي الهجرة الأميركيين (70%) أكثر من قلقهم جراء الجريمة أو الإرهاب (54%) حين كانوا يفكرون في زيارة أميركا''· واللافت أن هذا التراجع ليس موحداً حين يتعلق الأمر بالعلماء الأجانب؛ إذ يفيد ''المعهد الدولي للتربية'' بأن الصينيين والكوريين والهنود واصلوا قدومهم، بينما تراجع عدد العلماء الغربيين الذين يأتون إلى الولايات المتحدة، حيث تسجل اليابان وألمانيا وكندا وبريطانيا وأستراليا وهولندا تراجعاً يتراوح بين 1 و13%، ربما لأنه كلما كان البلد غنياً، كلما ازداد تردد علمائه بشأن تحمل الإجراءات التي تمس الكرامة التي يتعرضون لها قبل دخولهم الولايات المتحدة· أما القادمون من البلدان الأفقر حيث الفرص محدودة- مثل الصينيين والهنود- فلا تنال هذه التدابير من تصميمهم في شيء· والأمر نفسه ينطبق على الطلبة الأجانب، إذ يفيد ''المعهد الدولي للتربية'' أن العام الدراسي 2006-2007 شهد ''أول ارتفاع مهم في عدد تسجيلات الطلبة الأجانب منذ 2001-·''2002 غير أن هذا الارتفاع يتزعمه، مرة أخرى، الهنود والصينيون والكوريون، مقابل تراجع في صفوف الطلبة اليابانيين والألمان· وعلاوة على أن الطلبة الأجانب يساهمون بنحو 14,5 مليار دولار سنويا في الاقتصاد الأميركي، فإن المواهب الأجنبية الراغبة في البقاء بالولايات المتحدة تعد مورداً مهماً بالنسبة للبلاد· والحقيقة أن الولايات المتحدة ليست الوحيدة التي تبنت مثل هذه الإجراءات، فالتدابير الأمنية وعمليات المراقبة في مطار شارل ديغول ليست أقل تشدداً من نظيرتها في مطار ريغان القومي· وإلى ذلك، يريد الاتحاد الأوروبي اليوم، وعلى غرار الولايات المتحدة، أخذ بصمات الأجانب الداخلين إلى حدوده أو الخارجين منها· وبالتالي يمكن القول إن ثمة مغزى أكبر لهذه القصة، الأمن هاجس يتحدى الحدود الطبيعية، ونحن إنما نخضع له لأننا نحب ذلك، و''القاعدة'' أيضاً تحبه، إذ لم يسبق أن نجح عددٌ بهذه القلة في إرهاب عدد بهذه الكثرة عبر وسائل بذلك التواضع· جوزيف جوف- هامبورغ ناشر ورئيس تحرير أسبوعية داي زيت الألمانية ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©