الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

«الأم».. نهر حنان يروي ظمأ كبار السن

«الأم».. نهر حنان يروي ظمأ كبار السن
21 مارس 2018 02:24
نسرين درزي (أبوظبي) إذا ما قدر لكلمات الإطراء والتقدير أن تخرج عن صمت الحروف، فهي حتماً لن تجد بحجم الأم شخصاً استنزفت لأجله المعاني على مر العصور والأجيال، وإذا ما جيء بعيون الأرض كلها فلن يكون فيها بريق عاطفة وسيل حنان كالذي تدخره الأم بداخلها كبركان خرج للتو من مقلتيها. الأم هذه المرة ليست كما جرت العادة تصويرها تلك التي تسهر على مرض أطفالها ودراستهم، وتعنى بكل تفاصيل تنشئتهم، وليست تلك النور المضيء للعتمة ولا المرأة الجبل كما يراها صغارها في لحظات الخوف والتردد.. إنها الكائن الهرم الذي أتعبته الدنيا حتى جفَّ الكلام ولم يبق في النظر إلا بصيص.. هي المرأة التي نسيت في شبابها أن تعيش اللحظة فضحت بوقتها وأعطت من روحها حتى شارفت على إنهاء مهامها ولم تتوقف.. كبر أبناؤها وأنجبوا ولم تتأخر ولم تتغير. شاخت اليوم وأيقنت حاجتها لأن تلملم أوراقها المتبقية لكن المرض أتعبها أو قلة الحيلة منعتها أو بطء خطواتها أخرها. هذه الأم في عيون العالم مدرسة، وفي قلوب أبنائها ممن قد يكون لديهم أحفاد، تحفة يخشون خدشها.. محظوظون أولئك الذين يكبرون وتكبر عائلاتهم وتعظم مسؤولياتهم ويبقون في ركن صغير من حياتهم صغاراً يهرولون إلى أمهاتهم آخر اليوم كمن يخلع عنه هموم الدنيا وينهض كما الريشة، بعد أن اعتادوا جرعات الحنان طوال حياتهم حتى باتوا يخشون فقدانها أكثر من أي شخص آخر، فالأم في وجدانهم أثمن ما في الحياة، وإرضاؤها أعظم مبتغاهم، والوجود بقربها عيد يحتفلون به طوال السنة. محطات ماذا يقول الكبار في يوم الأم؟ وبأي أسلوب يعايدون أمهاتهم؟ وكيف يثمنون دور الأم في حياتهم؟.. أسئلة قد تهم أبناء هذا الجيل أكثر من سواهم لعلها تكون درساً لهم في القيمة الحقيقية للأم. 21 مارس وإن كان مناسبة ثابتة تحتفى بالأم تقديراً لدورها، إلا أنه بالنسبة للعم حسين الآغا (61 عاماً) يوم ككل الأيام التي لا يتأخر فيها عن الاهتمام بأمه والوقوف عند طلباتها. وهو كان كلما تقدم بالعمر ازداد تعلقاً بأمه ولاسيما بعدما أصبح جداً، وشعر أن أيام الكبر آتية لا محال. هنا توقف عند محطات كثيرة كان لأمه دور القائد فيها، فأيقن أنها في كبرها تحتاج لأكثر من كلمة شكر أو هدية، فمن أعطته كل حب الدنيا لن يبخل عليها بالرعاية اللازمة التي تعهد بأن يقوم بها بنفسه. وأمه، التي تبلغ من العمر 83 عاماً تعيش في بيته مع زوجته وأبنائه وأحفاده، «بركة» يشتم من عطرها كل خيرات الدنيا. ويقول لمن أخذته الدنيا بطيف الشباب ويكاد لا يذكر أمه إلا في يوم من سنة «انتبه فالعمر قصير ومن تهملها اليوم بقصد أو بغير قصد ستتمنى لمسة من يدها يوماً ولن يكون لك ما تتمناه». أحلى هدية بالرغم من أن ليلى القاضي (66 عاماً) لم تنجب بناتاً إلا أنها لم تشعر بنقص ما في حياتها، فأبناؤها الأولاد لم يكونوا وحدهم من سد حاجتها لحنان ابنة ترعاها مع التقدم في السن، وإنما وجود أمها إلى جانبها في مراحل متقدمة من حياتها. وبعدما كانت تعيش في كنف أمها مدللة حتى بعد زواجها وإنجابها، كبرت أمها وكبرت مشاغلها فازداد ارتباطها بها. وتحولت العاطفة التي تلقتها على مدى سنوات طويلة إلى مشاعر أمومة معكوسة أحاطت بها أمها البالغة من العمر 90 عاماً. تقول القاضي: «إن أمها أحلى هدية من الله لا تفرط بدقيقة إلا وتقضيها في خدمتها، وبالنسبة لها فإن يوم الأم على عظمته كذكرى يتشاطرها الأبناء حول العالم، إلا أنه مجرد يوم من روزنامة تحتاج بعدد أوراقها إلى طاعة الأم وبرها ونيل رضاها». وإن كان من نصيحة تقدمها لجيل اليوم، فهي ألا يبعدوا أمهاتهم عن حياتهم وألا يعتبروهن كائناً منفصلاً يحتاجونه فقط عند الضرورة وينسونه إلا لخدمتهم وخدمة أبنائهم لاحقاً. والأم تستحق كل يوم هدية سواء بالكلمة الطيبة أو المساعدة أو التصرف الحسن أو زرع الابتسامة، وليكن 21 مارس بداية لسلسلة أيام شكر وتقدير تتوالى. قهوة أمي ذكريات جميلة أخرى، تتبناها خديجة العالم (70 عاماً)، والتي ما زالت تستمتع حتى اليوم بقضاء صباحاتها مع أمها التي ناهزت الـ93 من عمرها. بالنسبة لها ليس أجمل من ارتشاف فنجان القهوة بحضرتها، وليس أروع من عبارات الرضا التي كانت تنهال عليها من أمها مدى عمرها، منذ الطفولة إلى الشباب وحتى بعدما أصبحت جدة. وتقول: «إنها لو عاد بها الزمن لكانت استغلته بأجمل محطاته بالقرب من أمها، ولما تركتها يوماً ولكانت وفرت لها كل ما ترغب فيه وتستمتع به، وهي لا تزال في صحتها. وإن كان من أمر تندم عليه اليوم أنها عاشت فترات طويلة بعيداً عن أمها عندما سافرت للعيش مع زوجها في الخارج. كانت الابنة الوحيدة لأمها ولم تقدر يومها كم أن غيابها سيترك فراغاً وحاجة لدى أم تكبر وحدها ولا يكفيها رعاية تتلقاها بين الحين والآخر من أبنائها الذكور. ندمها تحوله عبرة توزعها على من يعتبر وتقول: «فلتفكر البنت ألف مرة قبل أن تتخذ قرار الرحيل بعيداً عن أمها، فإن وهج الدنيا لن يغنيها عن كنف أم يساوي العالم بأسره». أجمل إحساس بالتأثر نفسه يتحدث مأمون مختار (73 عاماً) عن علاقته بأمه، ويقول إنه كلما نضج شعر بأهمية أمه في حياته وكيف تمكنت في سن صغيرة من إنجاب 7 أولاد و4 بنات. كانت تحنو عليه وعلى إخوانه وفي الوقت نفسه تقوم بواجباتها تجاه أمها. نشأ على برها لأمها وأيقن أنه لن يتركها في شيخوختها إلا ويأخذ بيدها، فكانت له الأم والصديقة طوال العمر. وفي يوم الأم يبتسم في وجهها ويقبل يديها ويجمع لها كل ورود الدنيا وكل عبارات الحب. وبرأيه فإن ذلك ليس كافياً ليعبر عن كل ما يشعر به تجاهها، فهي الدنيا كلها وهل تهدى الدنيا بما يباع ويشرى؟ يد أمه وهي تمسح رأسه أجمل إحساس يمكن أن يترجمه ويتمناه لأبنائه الذين تربوا على رؤيته يخدم أمه بيديه ولا يطلب منها إلا الرضا. سلبيات عصر التكنولوجيا يوم الأم مناسبة عظيمة يجب أن تكلل تقديرنا لأمهاتنا على مدار السنة، لكن أن تتحول إلى فرصة للتباهي على وسائل التواصل الاجتماعي، فهذا غير مقبول جملة وتفصيلاً. إذ وبمجرد حلول هذه المناسبة، تبدأ الرسائل المعلبة تتناقل عبر فيسبوك وانستغرام والسناب شات، حول هدايا ومفاجآت تحضر للأم، إكراماً لها. جميل جداً ما نرى، لكن الأجمل أن يعلم هؤلاء أن محبة الأم تفاعل واقعي وبر واحترام قبل كل شيء، خاصة وأن هناك واجبات كثيرة بدأت تتلاشى في عصر التكنولوجيا، لذا يجب أن نأخذ العبرة في يوم الأم من مشاعر الكبار تجاه أمهاتهم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©