السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«غير معروف» واقع سينمائي يفرض نفسه على أرض الحقائق

«غير معروف» واقع سينمائي يفرض نفسه على أرض الحقائق
3 مارس 2011 21:04
لو كان لمشاهد فيلم nknown أن يمنحه عنواناً من عنده لأسماه المتاهة على الأرجح، فهذا هو الإحساس الحقيقي الذي سيخرج به من قرابة الساعتين يمضيهما أمام الشاشة لمتابعة أحداث تفيض غرائبية وتسرف في إمداده بالمفاجآت المقلقة. مخرج الفيلم بدا متسلطاً إلى حدود بعيدة في أدائه المهني، كان يمكن الإصغاء بوضوح إلى رغبته الصارخة في العبث بمشاعر مشاهديه: مشاهد تؤول بهم، وفق سرعة قياسية، من حال إلى نقيضه، منظر برلين المستسلمة للثلج كان يشي بكثير من الدعة ويغوي بالركون إلى حكاية رومانسية، أما التطور السريع للأحداث نحو صراع مسرف في دمويته وغموضه فبدا من خارج حقل التوقعات.. في الأمر شيء من الديكتاتورية المهنية المستندة إلى تمكن وبراعة، وهي تستمد مبرراتها من قدرتها على دفع متلقيها نحو حبس الأنفاس. علي العزير (أبوظبي) - نحن أمام أحد المقترحات المرئية التي تدفعنا نحو إعادة النظر ببعض البديهيات، وفي ذلك مشروعية إبداعية ما، إذ من شأن الأعمال المميزة أن تتمرد على المألوف لتصوغ منطقاً خاصاً بها، لا يعود أساسياً هنا أن تكون أحداثها منسجمة مع الواقع أو خاضعة له، أو حتى متمردة عليه، يكفيها أن تقيم واقعها الموازي، وأن يملك القدرة على الإقناع، ولو عبر الإدهاش. الفيلم من إخراج الإسباني جيم كوليت سورا، بطولة ليام نيسون، ديان كروغر، وجانيوري جونز. رحلة بريئة يتناول nknown حكاية ثنائي أميركي متزوج يقوم برحلته الأولى إلى ألمانيا، البروفيسور مارتن هاريس (ليام نيسون) متخصص في البيولوجيا، وهو في طريقه لحضور أحد المؤتمرات العالمية التي تستضيفها برلين، بصحبته زوجته اليزابيت (جانيوري جونز) التي تشاطره الرحلة دون الاهتمام العلمي، يبدو الزوجان متحابين ومقبلين على قمم واعدة من مسارهما المعيشي المشترك، الاهتمامات المهنية لهاريس لم تشغله عن صيانة حياته الزوجية بما تستلزمه من العطف والرعاية، باختصار تتجه التقديرات هنا نحو شؤون حميمة يجري العمل على تحصينها بمزيد من الدفء، يصل الثنائي إلى أحد الفنادق الفخمة، تدخل المرأة إلى مكتب الاستعلام حيث تطلب الجناح الذي سبق للاثنين أن حجزاه قبل أسبوعين، يفاجئها الموظف بأن معطيات أمنية فرضت إحداث بعض التغييرات، قبل أن تستكمل المرأة نقاشها نجد مارتن قد غادر الفندق بسيارة أجرة تقودها جينا (ديان كروغر)، وهي سيكون لها دور رئيسي في الأحداث التي تأتي تباعاً. الضربة الأولى يحاول البروفيسور استخدام هاتفه الجوال فيباغت بانعدام التغطية.. المخرج هنا يضرب ضربته الأولى: نرافق مارتن دون أن نعلم إلى أين، ودون أن ندري سبب ذهابه المفاجئ، السائقة المتوترة سترتكب حماقة تؤدي لحادث مريع، ثوان قليلة تكون كافية لأن تستقر السيارة في أحد الأنهار، تخرج جينا بمهارة، أما هاريس القابع في المقعد الخلفي فيبدو غائباً عن الوعي، هو سيصحو بعد أربعة أيام في المستشفى الذي نقل إليه للمعالجة، مع ذاكرة مشوشة بعض الشيء وبدون وثائق ثبوتية، وتكون زوجته أول من يسأل عنها، يندهش إذ يخبره الطبيب أنَّها لم تبدي اهتماماً بأمره. صحوة وذهول يتحول مجرى التوقعات، لعل التواصل العاطفي الذي بدا سائداً لم يكن صادقاً بقدر ما أوحى، أو ربما هناك ما يسعه تفسير الموقف، لنتابع الأحداث: من مكانه على سرير المستشفى يتابع هاريس برامج التلفزيون، خبر عن المؤتمر الذي كان قد جاء لحضوره ينعش ذاكرته، استذكر عنوان الفندق وهو قرر الخروج من المستشفى على مسؤوليته، في الفندق سيفاجأ بأن الخروج من الغيبوبة أصعب من الدخول فيها، زوجته تنكره تماماً، هي تحمل الاسم نفسه والملامح ذاتها، ومتزوجة من البروفيسور مارتن هاريس أيضاً، لكنها ستعرف رجال أمن الفندق على رجل آخر بوصفه زوجها، وستستغرب وقوع هذا الرجل الغريب (الذي شاهدناها لتونا تخطط معه لمستقبلهما المشترك) في “خطأ التشابه بينها وبين امرأة أخرى”.. يخرج هاريس مذهولاً، وعندما يقرر أمن الفندق تسليمه للشرطة يطلب إعادته للمستشفى حيث كان يعالج، فـ”لربما كنت أعاني من تداعيات الغيبوبة التي دخلت فيها طيلة أربعة أيام”.. بعد قليل سيتبين لنا أنه كان مخادعاً حيث سيطلب من سائق التاكسي إنزاله في مكان قريب من الفندق ليعود أدراجه ماشياً يتلصص من نافذة المطعم على امرأة كانت إلى وقت قريب زوجته، وهي تتناول طعام الغداء، بحميمية لافتة، مع شخص ينتحل اسمه وصفته حتى يكاد أن يرثه حياً.. في ضيافة القتلة بحادث وأربعة أيام من الغيبوبة غدا البروفيسور متشرداً، وبينما هو يحتال على إحدى موظفات الفنادق الرخيصة لمنحه غرفة دون المرور بإجراءات الأوراق الثبوتية يتعرض لاعتداء من مجهولين وينتهي به الأمر في المستشفى نفسه الذي نقل إليه بعد الحادث، إحدى الممرضات تعطيه بطاقتها وعليها رقم أحد أصدقائها ممن يعملون في مجال الأمن الخاص، أحد الرجال الذين كانوا يتولون مطاردته يدخل إلى الغرفة ليضع في معصمه انبوباً من المخدر، قبل أن يهمس في أذنه: “لا تخف العملية سهلة”! وكان لدخول الممرضة إلى الغرفة ومطالبتها الرجل المجهول بايضاحات أن دفعته لقتلها بأسلوب فائق الاحتراف، بالرغم من مأساوية الموقف بوسع المشاهد هنا أن يستعيد بعض أنفاسه: ثمة جهة منظمة تقف خلف الغرائب الحاصلة. في الرمق الأخير من وعيه المخدر يتمكن هاريس من الهروب، يتذكر سائقة التاكسي التي كانت تقله إلى حيث لا نعلم نحن وهو إلى أين عندما تعرض للحادث، في الشركة التي تعمل بها سيتلقى رداً عنيفاً من رب عملها، الذي يبدي كل سخطه على المهاجرين غير الشرعيين، والسائقة جينا إحداهم، فهي، كما سنعلم لاحقاً، بوسنية هربت إلى ألمانيا من جور القتل بعد أن خسرت عائلتها.. الهزيمة مجدداً يتمكن هاريس من اكتشاف مكان عمل جينا الجديد، بعد تمنع ستوافق الأخيرة على التعاون معه، وسترافقه إلى العميل الأمني الخاص الذي أخذ رقمه من الممرضة قبل مقتلها على أيدي الرجل الغامض. كنت أوصلك إلى المطار عندما وقع الحادث، تقول جينا لهاريس على مسمع العميل الخاص، وكان الأخير قد استعان بأحد أصدقائه القدامى من العاملين في أمن المطار للحصول على صورة لهاريس وزوجته لدى دخولهما مطار برلين، كما يتصل مارتن بأحد زملائه الألمان، البروفيسور برسلر (سبستيان كوك)، الذي كان قد وجه له الدعوة لحضور المؤتمر، ليس من معرفة مباشرة بينهما بالرغم من اتصالات هاتفية ومراسلات إلكترونية مطولة، وعندما يذهب لرؤيته في مختبره يفاجأ بأن الشخص منتحل الصفة قد سبقه حيث تقوم مباراة في إثبات الهوية بين الاثنين تنتهي بفوز المزيف، وبمغادرة البروفيسور مهزوماً. سيل المفاجآت مرافقاً جينا التي استضافته في منزلها يراقب هاريس غريمه، ومدركاً لكونه سيلتزم ببرنامجه المقرر في الزيارة يرصده مع زوجته (زوجة من؟!) في أحد المعارض التشكيلية، هناك يتمكن من الاختلاء بأليزابيت التي تتجاهله في البداية لتحذره لاحقاً من كونهما مراقبين، ومن أن الجهة التي تقف وراء هذه الأعمال الملتبسة هي من الخطورة بحيث تصعب مقاومتها، معلومة هامة تمنحها اليزابيت: “حصل معك الحادث لدى عودتك إلى المطار لاستعادة حقيبتك المنسية، وفيها جواز سفرك”.. المؤتمر سيقام برعاية الأمير أشادا، وهو شخصية سياسية هامة لم يفصح الفيلم عن هويتها، يخطر ببال العميل الخاص أن يكون الهدف من كل ما يحصل اغتيال الأمير، ويجري العمل وفقاً لهذا الافتراض، حتى تستجد التطورات متسارعة بطريقة مذهلة: البروفيسور هاريس ليس عالماً بيولوجياً، بل هو قاتل محترف جرى تحوير ذاكرته بطريقة ممنهجة، وهو سبق له أن زار ألمانيا سابقاً حيث وضع متفجرة في القاعة التي ستشهد افتتاح المؤتمر، أما الهدف فليس اغتيال الأمير بل أن المطلوب أن يظهر كذلك، في حين أن الهدف الحقيقي هو القضاء على البروفيسور برسلر الذي انجز ابتكاراً بيولوجياً في المجال الزراعي سيلحق الضرر الاقتصادي بجهات تقف خلف المنظمة الإرهابية التي تولت صياغة المخطط. أما اليزابيت فليست زوجة مارتن، لكنها شريكته في التخطيط للجريمة، الغيبوبة التي تعرض لها مارتن جعلته يندمج في ذاكرته الاصطناعية، بات ملتزماً بموقعه في جهة الضحايا بدلاً من صف الجلادين، لكن ذلك لا يمنع الانفجار الذي يكون قد جهزه مسبقاً، ليقفل المشهد على انسجام عاطفي بين البروفيسور المزيف وجينا الفتاة الهاربة من جحيم الموت العبثي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©