الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

كتاب جديد يستعرض مظاهر تجديد الخطاب الديني في الإمارات

كتاب جديد يستعرض مظاهر تجديد الخطاب الديني في الإمارات
10 ابريل 2017 13:46
أبوظبي (الاتحاد) عرضت دراسة علمية جديدة لأبرز معالم الخطاب الديني لدولة الإمارات، وعنيت بتأصيل هذا الخطاب من واقع تحليل أطروحاته الرئيسة كما ظهرت في وثائق المؤسسات الرسمية للدولة ومقولات قيادتها والمسؤولين عن صياغة خطابها الديني. وأوضحت الدراسة -التي صدرت للدكتور محمد يونس في كتاب بعنوان «تجديد الخطاب الديني في دولة الإمارات العربية المتحدة» عن دار هماليل بأبوظبي- السمات الرئيسة لخطاب الدولة الديني وجهود تجديده ومسارات ومستويات هذا التجديد. أشار الكتاب إلى تصاعد الاهتمام بالخطاب الديني، منذ أحداث 11 سبتمبر2001 م، وسط أجواء اضطراب واحتراب تشهدها الكثير من بقاع عالمنا الإسلامي، وتتخذ من الدين غطاء لها. حيث ظهرت دعوات متباينة للتعاطي مع الخطاب الإسلامي، تتراوح بين التخويف منه وربطه بالعنف والإرهاب تارة، والخوف من اختطافه من جانب تيارات متشددة تأخذ من الدين قشورًا، تارة أخرى. ومن هنا تبرز أهمية تحليل الخطاب الإسلامي في دولة تجمع بين التراث والمعاصرة مثل الإمارات العربية المتحدة، التي تمثل نموذجاً للاعتدال والوسطية والتسامح، حيث يعيش على أرضها نحو 200 جنسية من أديان وأعراق وبلدان مختلفة، وفي الوقت الذي ترعى فيها أكبر جائزة بالعالم الإسلامي لخدمة القرآن الكريم وعلومه، وتكريم أهله، تشغل الإمارات المرتبة الأولى عربياً بتقرير التنمية البشرية وتحتضن المقر الدائم لأكبر منظمة دولية للطاقة المتجددة (آرينا) وأول فرع لمتحف اللوفر ولجامعة السربون خارج فرنسا، بالإضافة إلى العديد من المؤشرات الأخرى التي تؤكد حرص الدولة على الجمع بين الأصالة والمعاصرة. وأبرز الكتاب حاجة أمتنا العربية والإسلامية اليوم إلى خطاب إسلامي بنائي وليس إنشائياً، يدفع حركة المجتمع عبر الفرز بين قيم التحلي وقيم التخلي، وإدراك سُنن التغيير الحضاري بما يعيد للإنسان دوره وفاعليته وحضوره في حركة المجتمع. خطاب ينبع أولاً من طبيعة الإسلام الذي ينطوي على دعوة مستمرة إلى التجديد، تأخذ مشروعيتها من الحديث النبوي الشهير الذي رواه أبو داود في سننه والحاكم في مستدركه عن أبى هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها» وفي الوقت نفسه يستجيب هذا الخطاب للتطلعات المشروعة للشعوب العربية والإسلامية في الحرية والتقدم وتحقيق الشهود الحضاري. وأكد المؤلف أن الخطاب الذي تنشده أمتنا اليوم ينبغي أن يأخذ في اعتباره تأثير معطيات العصر وتطور العلاقات وأنماط التعاطي مع المعرفة من التلقي إلى التفاعل، ومن أحادية المنبر إلى تعددية شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) ولا شك أن رصد وتحليل تجارب الخطاب الإسلامي يؤسس لمثل هذا الخطاب المنشود، وفي هذا السياق تأتي أهمية هذا الكتاب الذي يتناول معالم الخطاب الإسلامي في دولة الإمارات العربية المتحدة ومنطلقاته ومرتكزاته ووسائل تجديده التي لم تتوقف عند حدود المؤسسة الدينية بالدولة وإنما امتدت لساحات أرحب تسمح بصدور خطاب جامع للأمة يحتضن أفكار ورؤى علماء المسلمين من مختلف أنحاء العالم. يقع الكتاب في 250 صفحة من القطع المتوسط ويتضمن أربعة فصول، يتناول الفصل الأول مفهوم الخطاب الديني ومنطلقاته ومؤسساته بالدولة، ويستعرض الفصل الثاني مظاهر تطوير وسائل الخطاب الديني بدولة الإمارات، ويرصد الفصل الثالث قضايا الخطاب الديني عبر تحليل خطب الجمعة بمساجد الإمارات على مدى عامين. أما الفصل الرابع والأخير فيتناول جامع الشيخ زايد باعتباره رمزاً للتسامح وتعزيز قيم التعايش المشترك. وميز الكتاب بين العديد من المفاهيم ذات العلاقة بموضوعه مثل الخطاب الإسلامي والنص الديني والفكر الإسلامي موضحاً أن الخطاب الإسلامي هو مجموعة المقولات والتصورات والرؤى التي يطرحها علماء الدين والدعاة والمفكرين إزاء قضايا المجتمع استناداً إلى الدين الإسلامي بشكل مباشر عبر الخطب والدروس والمحاضرات أو بشكل غير مباشر&rlm عبر وسائل الاتصال الجماهيرية التقليدية أو الإلكترونية. وخلص الكتاب إلى أن الخطاب الإسلامي في الإمارات يقوم على أربعة محاور، هي: منهجية الاعتدال والوسطية فكراً وممارسة. والمواءمة بين التراث والمعاصرة. والتنوع في تناول التراث الفقهي والفكري والحضاري. واستخدام وسائل التقنية الحديثة وتسخيرها لخدمة الخطاب الديني. وأوضح أن التسامح سمة أساسية للخطاب الديني في دولة الإمارات مستنداً إلى الوثائق الرسمية للدولة، منها دستور الإمارات (المادة الثانية والثلاثين من الدستور التي تكفل حرية العبادة للجميع) ومقولات قيادة الدولة في العديد من المناسبات، فضلاً عن شهادات عدد من قادة الأديان الأخرى التي تؤكد التسامح الذي يسود دولة الإمارات ويتمتع به السكان والمقيمون بها. وأوضح أن قيادة الدولة تتبنى في خطابها مبدأ التسامح الديني ونهج الوسطية والاعتدال، كما يتأكد هذا التوجه الوسطي للخطاب الديني الإسلامي ومبدأ التسامح في نهج وممارسة المؤسسة الدينية الرسمية للدولة. وكشف الكتاب أن الدولة عملت على تجديد الخطاب الديني من خلال تطوير الوسائل التي يقدم من خلالها هذا الخطاب، ورصد مظاهر هذا التطوير فيما يلي: أولا: تطوير خطبة الجمعة من خلال توحيد الخطب في جميع مساجد الدولة، والبث الإذاعي والتلفزيوني الموحد لها، وإشراك الجمهور في اختيار عناوين الخطب وموضوعاتها، وإنشاء وحدة مخصصة لخطبة الجمعة بالهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف. ثانيا: تطوير المطبوعات الدينية بما يعزز الثقافة الإسلامية الوسطية داخل المجتمع، من خلال إصدار عدد من المطبوعات، تتناول تفسير القرآن وعلم التجويد، وترجمة معاني القرآن بعدد من اللغات، وتجميع خطب الجمعة سنوياً ودروس المساجد وإصدارها في كتب مرجعية، فضلاً عن إصدار عدد من الكتب في علوم الحديث والسيرة النبوية، والفقه الإسلامي. ثالثا: إنشاء مركز رسمي للإفتاء يختص بالإجابة عن تساؤلات واستفسارات المواطنين والمقيمين الدينية من خلال علماء دين ومفتين متخصصين، وتم استخدام أحدث الوسائل التقنية لتيسير وصول الجماهير إلى المركز والحصول على إجابات لتساؤلاتهم وتم توفير 4 قنوات لذلك هي الهاتف المجاني للفتوى، والرسائل النصية «sms»، الموقع الإلكتروني للهيئة، والحضور المباشر لمقر الهيئة. رابعا: تطوير المساجد من خلال ثلاثة جوانب متكاملة، هي الجانب المعرفي لتعزيز الدور الثقافي للمسجد عبر الدروس المنتظمة به وإمداده بالمصاحف والكتب الدينية. والجانب الإنشائي من خلال التوسع في بناء المساجد وتشجيع المسلمين على المساهمة في ذلك. والجانب التقني من خلال تزويد المساجد بتقنيتي الأذان الموحد، والشاشات الإلكترونية. خامسا: التوسع في تعليم تلاوة القرآن الكريم والتشجيع على حفظه وتكريم حفظته من خلال تطوير مراكز تحفيظ القرآن الكريم وتنظيم دورات لتحفيظه داخل المراكز والمساجد ومسابقات محلية وعالمية في حفظه وتقديم جوائز قيمة للفائزين. سادسًا: تطوير مهارات حملة الخطاب الديني من الأئمة والوعاظ عبر تنظيم دورات وورش عمل منتظمة للدعاة بالدولة وإيفاد وعاظ للحصول على الدراسات العليا في العلوم الشرعية. أوضح الكتاب تنوع القضايا والأطروحات التي تناولتها خطب الجمعة الموحدة في مساجد الإمارات خلال فترة الدراسة، حيث شملت موضوعات تتعلق بالعقائد والعبادات، والمعاملات، والأخلاق والرقائق، والقرآن الكريم والسنة والسيرة النبوية، والعلم والتعليم، والمناسبات الدينية والوطنية ورعاية بيوت الله وبعض الموضوعات الأخرى. وكشفت الدراسة التحليلية لخطب الجمعة أن قضايا المعاملات شغلت المرتبة الأولى بين الموضوعات التي تناولتها الخطب بنسبة 34.5%. وتضمنت قضايا ذات طبيعة اجتماعية مثل الدعوة إلى بناء المجتمع المتعاون والمتآلف والمتراحم، وبناء الأسرة على أسس سليمة، ومواجهة مشكلة الإدمان وتعاطي المخدرات، كما تضمنت قضايا ذات طبيعة اقتصادية مثل التوعية بأسلوب التعامل مع المال اكتسابا وإنفاقا ونبذ الإسراف التبذير، والحث على أداء حقوق العمال وتأكيد قيمة العمل، وهي موضوعات لامست اهتمامات حقيقية لدى مجتمع الإمارات مما يؤكد حرص خطبة الجمعة على تلبية احتياجات ومتطلبات المجتمع ومواكبة القضايا المثارة على الساحة. وجاءت موضوعات العبادات في المرتبة الثانية بنسبة 20.9%، وتلتها في المرتبة الثالثة وبنسب متساوية الموضوعات المتعلقة بفئتي الأخلاق والرقائق بنسبة 11%، والمناسبات الدينية والوطنية بنسبة 11%. ثم جاءت في المرتبة الرابعة موضوعات العقائد بنسبة 6.4% وتلتها موضوعات العلم والتعليم بنسبة 5.5%. ثم موضوعات القرآن الكريم والسنة والسيرة النبوية بنسبة 4.5%، وموضوعات رعاية بيوت الله بنسبة 3.6%. ولا شك أن هذا التنوع في موضوعات خطبة الجمعة يؤكد الحرص على تقديم خطاب ديني ثري يعبر عن ثراء الدين الإسلامي وشموليته وملاءمته لاحتياجات الإنسان وتطلعاته في علاقاته بخالقه وبذاته وأسرته ومجتمعه والعالم الذي يعيش فيه، كما حرصت على عرض رؤية الدين الحنيف لعلاج العديد من القضايا المعاصرة المثارة على الساحة. وأوضح الكتاب أن دولة الإمارات بادرت إلى عملية تجديد الخطاب الإسلامي عبر إنشاء مؤسسة حاضنة لجهود التجديد والتطوير تنطلق من أبوظبي وتشرف على العديد من المشاريع والبرامج الثقافية، وتستفيد من خبرات علماء الأمة ومفكريها بالعالم الإسلامي، من خلال تأسس مركز الموطأ 2016، للنهوض بمهمة تجديد الخطاب الإسلامي، والارتقاء بالشخصية العربية والإسلامية إلى مستوى إنساني يليق بديننا الحنيف، من خلال غرض تأصيل وتصحيح المفاهيم والمصطلحات وتصويب مآلات الفقه، وفق أسس علمية شرعية، تحاكي روح المقاصد وحكم الشريعة، في تعزيز السلم الكوني ونشر ثقافة التسامح والحوار والانفتاح على الآخر. وفي هذا السياق احتضنت الإمارات العديد من المشاريع والبرامج، منها: منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، ومجلس حكماء المسلمين وجائزة الإمام الحسن ابن علي الدولية للسلم وبرنامج إعداد العلماء الإماراتيين، وبرنامج «حوار الشرق والغرب».                
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©