الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كرنفال أفريقي على شواطئ أبوظبي

كرنفال أفريقي على شواطئ أبوظبي
25 يونيو 2009 01:01
من جنوب أفريقيا حيث يمتزج الليل بالنهار، والشمس بالقمر والغابة بالظلمة في تناوب وتبادل لوني أخاذ، حيث يتجلى الموروث في سياقات الحداثة حين تتعانق الرؤى بين أجناس بشرية لتخلق عالماً شفيفاً من المعتقدات والحكايات والسرود القصصية اللامتناهية، من أقصى جذور جنس بشري متوحد مع نفسه يأتي عبق التاريخ ليلبس قلنسوة الحضارة، استفاد ذلك الجنس البشري من التمازج حين تبادلت المعرفة أسبابها، إلا أن الإنسان لم ينس رجفات موروثة البعيد، كل ذلك قرأناه في معرض تشكيلي لثلاثة فنانين من جنوب أفريقيا بل لنقل ثلاث مدارس تشكيلية تنظر إلى ماض واحد وحاضر واحد وبالتأكيد إلى مستقبل واحد أيضاً. ألوين بوتشيل ومونيكا باترسن وبيرسي بيلان، ثلاثة تشكيليين اجتمعوا في أبوظبي فقدموا على قاعة ميلينيوم أبوظبي 41 عملاً فنياً امتازت بالغنى الروحي والموروثي والحكائي. المهرجان اللوني من الوهلة الأولى يصطدم المتلقي بهذا المهرجان اللوني الذي يشع في قاعة العرض، وكأنه يحيطك من كل الجهات، بتبادل وتصارع لوني أخاذ يعبر عن امتزاج الحياة والكون بكل ما تحويان من أسرار وخفايا وآلام وأفراح. يحاول ألوين بوتشيل في لوحاته الـ 17 أن يقدم روح الحياة تلك وأسرار الكون ومغزى الحكايات، حيث يتجلى في لوحاته مسرح الحياة كما يصفها، إذ العالم يزدهي بالحركة والضحكة والسرور اللامتناهي حينما تتعانق كل الأشياء لتمنح الحياة بهجتها. الألوان لدى بوتشيل صاخبة في ضجيجها وتنافرها وانسجامها وعذوبة تناغمها. إنها الكل في الجزء والجزء الذي يبني الكل، حيث تمنح بعضها الآخر طاقة من اللذة اللامتناهية، فالأحمر يتراقص في كل المساحات والأصفر يومئ للبهجة لا للبؤس كما تعارف عليه الكثيرون، أما الأسود فهو البساط الذي لا يبدو قاتماً، إذ لولا هذا السواد لبدت لوحات بوتشيل قاتمة بدونه. جزئيات الوين بوتشيل صارخة تطلبت منه أشهر كي يضعها في سياق نسق اللوحة، إذ كما يبدو أن التوازن أساس كل عمل لديه حيث لابد من أن توضع تلك الجزئيات في إطار وضعياتها التي أعدت لها، لخلق حالة من التوازن، وهذا يتطلب زمناً من الإنجاز المكثف وإعادة الرسم ثانية وثالثة. الرؤية الدقيقة يرى بوتشيل أن الفن الرائع يتمثل في قيمته الإبداعية عندما يعطي المتلقين المتعة، ويؤكد أن أبوظبي حاضنة لهذا الفن وأن المتلقين فيها يتحسسون جمالية الإبداع، ومن هذه الرؤية الدقيقة التي يشعر بها الفرد في أبوظبي لقيمة الفن أصبحت المدينة، عاصمة للثقافة والفن والإبداع العالمي. حاول بوتشيل أن يقدم بانوراما كبيرة للاحتفالات وكأنه مصور كرنفالات يمتزج فيها كل شيء، فهي عالم من الطقوس التي تنبثق من الإنسان والأشياء والحيوات الأليفة، وكل ذلك يقدم على شواطئ المدن. الكرنفال على شاطئ أبوظبي ودبي هو تعبير عن الفرح. يستقي بوتشيل رؤيته لعلاقة الكرنفال بالبحر، من معايشته لعالم البحر والرمل والبهجة، معتمداً التجمع اللوني الضخم في أعماله، حيث تتجاور الازهار والبيوت والشبابيك والأبواب والسيارات والأبقار والجمال والخيول والأغنام والطبول والدراجات وقبعات المهرجين في تداخل يملأ فضاء وزوايا لوحاته، هذا مع ملاحظة أن هذه الثيمة «الموضوعة» هي العنصر المهيمن في أغلب أعماله، والتي يحاول التقاط عالمها من زوايا مختلفة، كما تبدو الألوان الحمراء الفاقعة غالبة على مجمل الأعمال التي قدمها. تخصص ألوين بوتشيل بالطب مهنته الرئيسة، واحترف الفن التشكيلي باعتباره هواية، وفي ضوء ذلك يوضح أن هناك علاقة كبيرة بين الطب والفن، إذ هو يعمل في كليهما بحب وشغف كبيرين. يرى بوتشيل أن فن الرسم يعني الشغف وهو مماثل للطب كونهما رحلة في عالم التحديات، ويعتقد أن الفن هو الحرية من الاستراتيج الذي يتطلب الأفكار العميقة ولذا فإنه يؤمن بأن الطب والفن يحتاجان إلى شرح مفاهيمها وتراكيبهما وضرورات هذه التراكيب وخصائصها، وأن العبور من الفن إلى الطب ثم الرجوع هي قدرة الذات التي يمنحها الكون الفنان للإنسان المبدع. قدم الوين بوتشيل 25 معرضاً كان أولها عام 1988 وهو بدايته الأولى في الرسم وفي عام 2000 أقام معرضاً في أبوظبي، يستخدم المائيات والزيت والاكريليك على الجمفاص الذي شغف به، وبامتلائه باللون الذي يضخه على سطحه. المعنى والشكل إلى جانب الوين بوتشيل عرضت الفنانة التشكيلية مونيكا باترسن أعمالها الـ (7) ذات الموضوعات المحددة والمختلفة أيضاً في المعنى والشكل، بينما يجمعها هدف واحد هو تمثل موروث وعوالم جنوب أفريقيا. تمحورت أعمال باترسن حول المرأة والجرار والأقنعة والوجوه. نساء مقهورات منتظرات، وجرار مزدحمة في تجاورها المكتظ، وأصحاب القبعات البيضاء والتقاطات لأجزاء غاية في الجمال، حيث يد الجرة وهي تبدو كقرط المرأة. اعتنت باترسن بالضوء فأسقطته على الأشياء في لوحاتها بشفافية وبرقة وتأمل في لوحتها WAITING بدت المرأة الأفريقية ضمن هاجس الانتظار المجدي وعدمه، حيث سلطت مونيكا الضوء على وجه المرأة فبدا وجهها مقسوماً بين الضوء والظلمة، فانقسم الجسد إلى جزءين ظاهر ومخفي.. إنه تلاعب في الشكل كونه دالاً، يقود إلى المضمون «المعنى» كونه مدلولاً. أما المسبحة الحمراء المتدلية على صدر الامرأة فهي تاريخ السنين التي حفلت بالانتظارات. في لوحتها «الجرار المتجاورة» نرى تجاوراً لونياً بارعاً، وتداخلاً منضبط الأبعاد لمجموعة من الجرار تبدو في غاية الحميمية، الألوان الباهتة تعطي شفافية في الرؤية وامتلاء أبعاد اللوحة بكل جزئيات الأشياء وزوايا منحنية بانسيابية عالية. تأمل وحسرة كذلك في لوحتها «PENSIVE» حيث تبدو الفتاة وقد وضعت جرتها جانباً في تأمل وحسرة وحيرة معاً.. إنها جرة من دم ولحم واكتناز وامتلاء، تضارع إحداهما الأخرى. الفتاة في تكورها والجرة في اكتنازها. جسدان يتناغمان مع البعض. وهذا ينطبق تماماً على لوحتها WALKIN AWAY إذ يبدو جسد الفتاة وهي متجهة إلى عمق اللوحة حيث البياض في الأفق البعيد، كأنه جرّة بتكوره وبإنسيابيته. أما لوحة SUNDAY MORNING MISSION فالملفت فيها تلك القبعات البيضاء المكتظة التي أعطت ببياضها اللوحة بعداً جمالياً في إطار التشكل البصري. أجساد فتيان متجاورة بلباس أوروبي حديث وبتعدد لوني أخاذ يعتمرون قبعات واحدة بيضاء بوجوه واحدة سمراء وبعيون ذات بريق أبيض. امتزاج حضاري في المكونات اللونية والاستخدامات الدلالية هي أشبه بلوحة «الجرار المتجاورة» في الاشتغال على ملء الفضاء. في لوحات مونيكا باترسن القناع والجرس إشارة بارعة لهذه الفنانة تحكي عن عوالم خفية ضمن ثقافة واحدة، وموروث بدأ يمتزج بالحضارة والحداثة في عالم جنوب أفريقيا. تعيش مونيكا باترسن في دبي منذ عام 2004 وتعتمد في رسوماتها على اكتشاف التوازن بين الضوء والخيال وتبحث عن النقاط الجمالية في الأشياء والوجوه. امرأة من الزولو من جانب آخر قدم الفنان التشكيلي بيرسي بيلان 17 عملاً فنياً اشتملت على بورتريهات لوجوه نساء «امرأة من الزولو» و»رأس حصان» و»أكواخ» 2006 و»الجرة» 2007 مع تمثل القباب المدورة والأكواخ التي تضارع انحناءة السماء الزرقاء، ورسمة لبرج العرب في تعدد لوني، والطبول الأفريقية الثلاثة التي بدت لازمة لا يمكن الاستغناء عنها في تمثل الفرح، معبرة عن روح الفنان والإنسان الأفريقي. إذ هي صوت الحرب والفزع والفرح والبهجة والمسرة واختصار المسافات في غابات أفريقيا الممتدة. حاول بيرسي بيلان أن يقدم ما يميز الإنسان الأفريقي، المرأة في ملابسها التقليدية «المرأة صاحبة العمامة»، أما الألوان فإن بيرسي شديد الاحتفاء بالتعدد اللوني، وبخاصة الألوان الحارة حيث يغلب على أعماله الأحمر والأصفر والأزرق باشتداد بريقها. الوجه المتأملة ذات العيون الكبيرة الصافية، والأقراط الكبيرة المتدلية، والشفاه الغليظة والرقاب المرمرية، تتأمل المتلقي بامعان، لوحات البورتريهات لدى بيرسي بيلان قلب للمشاهدة حيث ترى التأمل معكوساً كذلك في لوحته «الباب» التي حفلت بالتمازج الهندسي بين المربعات الملونة والتوازي الدلالي للشكل المضلع في إطار الباب يوحي لك بتأمل الباب ذاته في عيون المتلقي لا العكس.. إنها محاولة لقلب الرؤية. الابتهاج بالموروث في لوحة AFRICAN DRUMS، ثلاثة طبول تتجاور في أحجام مختلفة كأنها تولد من بعضها الأم . الصغيرين، كما أن لوحته الجرة المكتنزة والسلسلة والايقونة المتدلاة من رقبة الجرة توحي - بما قلناه - حين يشبه الفنان الأفريقي الجرة بالمرأة وعنقها بانحناءة فوهة الجرة. الأشياء المجردة عند بيرسي بيلان ذات دلالات مهمة، يعطيها اللون المتغير دائماً أبعاداً دلالية يمكن قراءتها بتعدد الدلالات. والملفت لديه هو هذا التجاور في توظيف الألوان الفاقعة، ومحاولته الابتهاج بالموروث من خلال الألوان الأكثر بريقاً، إذ يتوازى كل شيء، الموجة مع الأخرى والعينان مع بعضهما، والتفافة وطيات العمامة كسلسلة متدرجة فوق بعضها، والأقراط المتدلالة من الأذان مع بعضها، والشفتان المنطبقتان فوق بعضهما، والمربع يوازي المربع والمثلث يوازي شبيهه، والدائرة تلتفت على الدائرة، كل ذلك يتراص في إطار لوني ساحر. برج العرب في الوانه المصطفة فوق بعضها يعطيه إشراقاً فوق اشراقته قرب موج البحر المزرق. هذا هو عالم بيرسي بيلان. كل تلك الأعمال التي حفل بها معرض الفنانين الثلاثة من جنوب أفريقيا ضمن فعاليات أسبوع جنوب أفريقيا الذي أقيم في ميلينوم أبوظبي جاءت لتعكس تاريخ وتراث وحداثة، بما فيها من تعدد معرفي وموروثي ضمن أعمال تراوحت أحجامها بين 80*100 و404*40 سم ورسمت بالزيت على الجمفاص والمكس ميديا والاكريليك
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©