الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ما وراءك يا عصام؟

3 مارس 2011 21:08
لما بلغ الحارث بن عمرو ملك كندة جمال ابنة عوف بن محلم الشيباني، وكمالها وقوة عقلها، دعا امرأة من بني كندة يقال لها عصام، وذات عقل ولسان وأدب وبيان، وقال لها: اذهبي حتى تعلمي لي علم ابنة عوف. فمضت حتى انتهت إلى أمها، فأعلمتها ما قدمت له، فأرسلت إلى ابنتها، وقالت: أي بنية؛ هذه خالتك أتتك لتنظر إليك، فلا تستري عنها شيئاً أرادت النظر إليه من وجه وخلق، وناطقيها إن استنطقتك. فدخلت عصام إليها، فنظرت إلى ما لم تر عينها مثله قط بهجةً وحسناً وجمالاً؛ فإذا هي أكمل الناس عقلاً وأفصحهم لساناً؛ فخرجت من عندها وهي تقول: ترَكَ الخداعَ من كشفَ القناع. ثم أقبلت إلى الحارث، فقال لها: ما وراءك يا عصام؟ قالت: صرّح المخضُ عن الزبد. قال: أخبريني. قالت: أخبرك صدقاً وحقاً. رأيت جبهة كالمرآة الصقيلة، يزينها شعر حالك كأذناب الخيل المضفورة، إن أرسلته خلته السلاسل، وإن مشّطته قلت عناقيد كرم جلاها الوابل، وحاجبين كأنما خطّا بقلم أو سوّدا بحمم، قد تقوّسا على عين الظبية العبهرة (الرقيقة البشرة الناصعة البياض)، التي لم يرُعها قانص ولم يذعرها قسورة (رماة)، بينهما أنف كحد السيف المصقول، لم يخنس به قصر، ولم يمض به طول، حفت به وجنتان كالأرجوان في بياض محض كالجُمان، شق فيه فم كالخاتم، لذيذ المبتسم فيه ثنايا غُر، ذوات أُشُر، وأسنان تبدو كالدرر، يتقلب فيه لسان ذو فصاحة وبيان، يحركه عقل وافر، وجواب حاصر... إلى أن قالت: فأما ما سوى ذلك فتركت أن أسفه. غير أنه أحسن ما وصفه واصف بنظم أو نثر. فأرسل الملك إلى أبيها فخطبها، فزوجه إياها. فلما حملت إلى زوجها؛ قالت لها أمها، أمامة بنت الحارث: أي بنية؛ إن الوصية لو تركت لفضل أدب، تركت لذلك منك، ولكنها تذكرة لغافل؛ ولو أن امرأة استغنت عن الزوج لغنى أبويها، وشدة حاجتهما إليها كنت أغنى الناس عنه، وسكن النساء خلقن للرجال، ولهن خلق الرجال. أي بنية؛ إنك فارقت الجو الذي منه خرجت، وخلفت العش الذي فيه درجت، إلى وكر لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فأصبح بملكه عليك رقيباً ومليكاً، فكوني له أمة يكن لك عبداً وشيكاً. يا بنية احملي عني عشر خصال تكن لك ذخراً وذكراً: الصحبة بالقناعة، والمعاشرة بحسن السمع والطاعة، والتعهد لموقع عينه، والتفقد لموضع أنفه؛ فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب ريح، والكحل أحسن الحسن، والماء أطيب الطيب المفقود، والتعهد لوقت طعامه، والهدوء عنه عند منامه؛ فإن حرارة الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة. والاحتفاظ ببيته وماله، والإرعاء على نفسه وحشمه وعياله، فإن الاحتفاظ بالماء حسن التقدير، والإرعاء على العيال والحشم جميل حسن التدبير؛ ولا تفشي له سراً، ولا تعصي له أمراً؛ فإنك إن أفشيت سره لم تأمني غدره، وإن عصيت أمره أوغرت صدره؛ ثم اتقي مع ذلك الفرح إن كان ترحاً، والاكتئاب عنده إن كان فرحاً، فإن الخصلة الأولى من التقصير، والثانية من التكدير، وكوني أشد ما تكونين له إعظاماً يكن أشد ما يكون لك إكراماً، وأشد ما تكونين له موافقة يكن أطول ما تكونين له موافقة. واعلمي أنك لا تصلين إلى ما تحبين حتى تؤثري رضاه على رضاك، وهواه على هواك فيما أحببت وكرهت: والله يخيّر لك! إسماعيل ديب
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©