الأربعاء 8 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العربيّة... تُبعَثُ في بيتها

العربيّة... تُبعَثُ في بيتها
25 يونيو 2009 01:09
قد تكون عبارة «في بيتها» من عنواننا هذا، في غير محلّها من اللّغة العربيّة الصحيحة، إذْ ربما كان من الأولى لنا، لو أردنا الفصاحة العالية، أن نقول: تُبعث في أُرومتها، أو محتِدها، أو مَنْبِتِها، أو غيرها من الألفاظ الكثيرة الدّالّة، على الأصل والْجُرْثومة، ولكنّا استعملْنا عبارة «في بيتها» تيسيراً للفهم، وإثارةً، للاهتمام. ونحن نريد بالمحتِد أو المنبِت، إلى أرض فلسطين السَّلِيبة، وإلى مبعَث العربيّة: إلى ما تناقلتْه وسائل الإعلام، في الأسابيع الأخيرة، وهو تأسيس مجمع للغة العربيّة في مدينة حيفا، التي تعني باللغة العبريّة: «الجميلة»؛ ذلك بأنّ علماءَ فِلَسْطِينَ (كذلك النسبةُ الصحيحة إلى فلسطين، ما دمنا نتحدّث عن مجمعِيّين، لأنّ العرب إذا طالت الكلمة ونسبتْ إليها حذفتْ منها، كما ينسبون إلى أذربيجان فيقولون: أَذْرَبِيّ)، من الغَيورين على اللغة العربيّة سارَعوا إلى تأسيس مجمعٍ للغة العربيّة يسعى إلى تعميم ما توصّلت إليه المجامع العربيّة الأخرى من مصطلحات وألفاظ تفرضها المعرفة المستجدّة، كما يسعى إلى الإسهام، هو أيضا، في اقتراح مصطلحات وألفاظ لما يستجدّ في عالم المعرفة الإنسانيّة، انطلاقاً من لغتنا الجميلة. وإنّا نهنّئ هؤلاء العلماءَ الفلسْطِيِّنيينَ الذين يتحدَّوْن الزمن والتاريخ والجغرافيا والسياسة وكلّ والظروف القاسية المحيطة بهم، بهذه الإرادة الصلبة التي جعلتْهم يُدْفعون إلى الحفاظ على فصاحة اللّغة العربيّة، وجمالها ونظامها، في مجتمع يوشك أن تُذيبَ عِبْرِيّتُه عربيّتَه، على الرغم من أنّ هذه العبريّة ما كان لها لتكونَ، كما هي الآن، لغةَ علومٍ وتَقانَة، لولا العربيّةُ التي أخذتْ منها معظمَ مصطلحاتها، بعد أن كانت أخذتْ منها قواعدَها النحويّة فتبنّتْها، إذْ لم يكن للعبريّة قبل قيام الكيان أيُّ قواعد تضبطها... وقد أخبرني بذلك أستاذ جامعيّ يهوديّ، من أصل مغربيّ في جامعة ستراسبورغ بفرنسا، زهاء سنة 1994، فقال لي: إنّنا أخذْنا من النحو العربيّ ما قعّدْنا به عبريّتَنا. والعجب من العرب إذْ تُرْفِد لغتُهم الكبيرةُ لغاتٍ أخرى كالعبريّة والفارسيّة، وهم لا يزالون يعتقدون بأنّها عاجزة عن أن تسَعَ العلوم، وقاصرة عن أن تستوعب الإتْقانيّة (نقترح أن نستعمل مصطلح «الإتقانيّة» الآتي من إتقان الشيء بمعنى إحكامه، وذلك بإضافة الياء الصناعيّة إليه، بدل اللفظ الأجنبيّ «التكنولوجيا» الآتي أصلاً من الإغريقيّة فيما تزعم المعاجم العربيّة، وإن كنّا لا ندفَع أثراً من العربيّة عليه، إذْ لم يدخل الفرنسيّةَ، مثلاً، إلاّ في القرنِ السابعَ عشرَ، من حيث نجد معنى الإتقان وارداً في القرآن، مما يعني أنّ هذا الاستعمال كان موجوداً في الثقافة العربيّة القديمة). وأيّاً ما يكنِ الشّأن، فإنّ إنشاءَ مجمَعٍ للغة العربيّة في عمق الأراضي الفلسْطِيّنية لَبرهانٌ آخرُ على عروبة هذا البلد الذي عجز الكونُ كلُّه عن أنْ يَمسَخه مَسخاً، أو يُمْرِقَه من محتِده إمْراقاً. ونحن ندعو، إلى أن تَخِفّ مجامع اللّغة العربيّة، في المشرق والمغرب، إلى مساعدة هذا الصِّنْوِ الفتِيّ الزّكِيّ، الذي ندعو له بالنَّماء، وطول البقاء
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©