الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأعمال الكاملة لتشيخوف اطلالة على الأديب الروسي الثائر

الأعمال الكاملة لتشيخوف اطلالة على الأديب الروسي الثائر
25 يونيو 2009 01:11
صدرت طبعة جديدة من أعمال الروسي الشهير انطون تشيخوف في أربعة مجلدات ترجمها عن الروسية أبو بكر يوسف وأصدرتها «دار الشروق» ضمن مشروع مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، لنشر ألف كتاب مترجمة إلى العربية، خلال ثلاث سنوات. قسم المترجم أعمال تشيخوف، فجعل المجلد الأول للأعمال القصصية، أي القصص القصيرة، والثاني للروايات القصيرة والثالث للروايات والرابع للأعمال المسرحية، وكانت أعمال تشيخوف قد عرفت طريقها إلى المكتبة العربية منذ الأربعينات من القرن الماضي واهتمت مجلة «الكاتب المصري» التي كان يصدرها د. طه حسين بالأدب الروسي عامة وبالكتاب الروس العظام مثل تولستوي وديستويفسكي وجوركي وكان المركز الثقافي الروسي بالقاهرة في سنوات الستينات والسبعينات يتولى نشر وتوزيع أعمال تشيخوف وغيره، مما جعل بعض النقاد والمثقفين من محدودي الرؤية يربطون بين هذه الأسماء والاتحاد السوفييتي، أو النظرية الماركسية، ولم يكن ذلك صحيحاً، ولعل الاهتمام بترجمة ونشر أعمال تشيخوف الآن، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي بسنوات وتبدد المنظومة الماركسية يؤكد أن الإبداع الجيد، إنساني ويتجاوز الأيديولوجيات والنظريات، والأنظمة السياسية بما لها وما عليها. لم يعش أنطون تشيخوف عمراً مديداً فقد ولد في مدينة بجنوب روسيا يوم 29 يناير 1860 ورحل عن الدنيا في 15 يوليو 1904، أي أنه عاش 44 عاماً فقط، ونشر أول قصة له عام 1880 وكان طالباً في السنة الأولى بكلية الطب، مما جعل النقاد يعتبرون عمره الأدبي والإبداعي 24 عاماً فقط، قدم خلالها هذا الإنتاج الغزير، فضلاً عما أحدثه من انقلاب في مجال القصة القصيرة، والمسرح حتى أن بعض مسرحياته يتم إخراجها وتقديمها على مختلف المسارح في المدن الأوروبية وفي عالمنا العربي إلى اليوم وما زالت أعماله تُقرأ وتُنشر على نطاق واسع. عاش أنطون تشيخوف وسط أسرة كبيرة العدد، ومعظم أفرادها موهوبون وأخوه الأكبر «الكسندر» صار فيما بعد أديباً و»نيكولاي» عمل مصوراً وتلاه «إيفان» مدرساً و»ميخائيل» أديباً وأخيراً أخته «ماريا» التي كانت موهوبة في التصوير وحافظت على تراثه بعد وفاته. وكان الوالد يجبر أولاده على الوقوف في دكانه ساعات طويلة، ولذا كانت طفولة أنطون قاسية، ثم أفلس والده وهرب من الدائنين إلى موسكو مع أفراد الأسرة وتركوا أنطون وحيداً لمدة ثلاث سنوات يكمل دراسته في المدرسة، وكان يتعيش من الدروس الخصوصية التي يعطيها للتلاميذ، ومن عائد تلك الدروس كان يرسل النقود إلى الأسرة في موسكو وفي عام 1879 غادر هو الآخر مدينته إلى موسكو، حيث التحق بكلية الطب وبدأ يكتب وينشر قصصاً قصيرة في مختلف المجلات بموسكو وسان بطرسبورج، وكان يوقعها في البداية بأسماء مستعارة، مثل: انطوشا تشيخونتي، وأصدر مجموعته القصصية الأولى في 1884 بعنوان «حكايات ملبوميتا» ثم تلتها قصص منوعة عام 1886 وفي العام التالي مباشرة «في الغسق» وغيرها. الفترة التي بدأ تشيخوف يكتب وينشر فيها، كانت فترة اضطراب وخلل في روسيا، حيث فشل المشروع الإصلاحي الذي تبناه الكسندر الثاني قيصر روسيا، وكان القيصر قد أصدر في عام 1861 مرسوم تحرير «الفلاحين» وتراجعت حركة «الشعبيين» وكانت حركة ثورية، مما دفع جناحها المتشدد إلى ممارسة العنف، والاغتيالات السياسية، فاغتيل القيصر نفسه في عام 1881، وترتب على ذلك تراجع الحريات، وكان متاحاً فقط حدها الأدنى، واشتدت الإجراءات التعسفية، خاصة في الأقاليم، وفرضت رقابة صارمة على الصحف والمجلات، وأغلق بعضها نهائياً. ويذهب المترجم د. أبو بكر يوسف إلى أن تشيخوف بدأ بنشر «قصصه واسكتشاته المرحة وفكاهياته اللاهية» ثم أخذت قصصه في التطور حيث ظهرت فيها «جوانب السخرية اللاذعة من عبدة المناصب والألقاب والمنافقين وذوي الطباع الفظة الذين يتلذذون بإهانة الضعفاء» ولم تقف سخريته عند هذا الحد، فقد سخر من المسحوقين أنفسهم إذ يسخر من العبيد الصغار الذين يجدون قمة السعادة في أن يهينهم السادة ويذلوهم وتتجلى في قصصه نبرة وجدانية حزينة.. حول بؤس «البسطاء» ومعاناتهم التي لا يشعر بها أحد. عكست قصصه التشوهات النفسية العميقة التي يعانيها أفراد المجتمع، السيد مشوه تماماً لأنه يمارس استعباد وإذلال غيره من الفقراء وهؤلاء أيضاً استسلموا لذلك وصاروا يجدون لذة في أن يمارس عليهم الإذلال ولم يكن صعباً على القارئ والناقد كذلك أن يتبين أن هؤلاء جميعاً ضحايا نظام اجتماعي وسياسي مستبد وفاسد تماماً ولذا فإن الرقابة كان منتبهة لقصص تشيخوف ومنعت مجموعته الأولى من النشر. ومن القصة القصيرة اتجه إلى الرواية القصيرة ثم الرواية الطويلة حيث أصدر عام 1888 «السهوب» ثم «حكاية مملة» بعدها بعام، التي طرح فيها فكرة اللامبالاة وخطورتها على الروح الإنسانية وقد قال توماس مان الروائي الحائز جائزة نوبل عن هذه الرواية «إنها شيء غير عادي شيء ساحر لن تجد له مثيلاً في الأدب كله فقوة تأثيرها وميزتها في نبرتها الخافتة الحزينة إنها حكاية تثير الدهشة على الأقل لتسميتها مملة في حين أنها تهزك بقوة وعلاوة على ذلك فقد كتبها شاب لم يبلغ الثلاثين من عمره ورويت بأقصى نفاذ بصيرة «، أما تولستوي فيقول عنه «بفضل صدقه صاغ تشيخوف أشكالا كتابية جديدة كل الجدة بالنسبة للعالم كله وهي على ما اعتقد أشكال لم أجد لها مثيلاً في أي مكان». وهناك تحول كبير في حياته حدث عام 1890 حين قرر القيام برحلة من موسكو غرب روسيا إلى جزيرة سخالين في أقصى الشرق عبر سيبريا وقطع مسافة عشرة آلاف كيلومتر بالقطار والقوارب والعربات الصغيرة والخيول البرية ووصف الجزيرة بأنها «أرض المعاناة التي لا تطاق» وتابع أحوال السجناء والمنفيين والمعذبين في تلك الجزيرة وأعد عنها دراسة ملأى بالمعلومات والملاحظات وخلال هذه الرحلة أصيب بمرض الدرن الرئوي ولم يشف منه أبداً وكان سبباً في وفاته المبكرة. استمرت الرحلة تسعة أشهر وعاد بقرار أن يغادر موسكو «المدينة» ويذهب إلى الريف يعيش هناك ويساعد الفقراء والمحتاجين ويشترك في علاجهم مجاناً كطبيب وقام بأدوار اجتماعية وإنسانية مهمة فجمع التبرعات لمساعدة الأشد فقراً وعوزاً واضطرته ظروفه الصحية إلى أن يرحل إلى شبه جزيرة القرم على البحر الأسود لجوها الدافئ المشمس واشترى بيتاً بالقرب من مدينة «يالطا» وفي هذه المدينة البعيدة كان يتابع وحيداً نجاح مسرحياته ورواياته في موسكو ثم انتقل إلى ألمانيا للعلاج وهناك لفظ أنفاسه الأخيرة. ومضى تشيخوف قبل أكثر من قرن لكن بقيت أعماله تعبيراً عما يعانيه الإنسان من ضعف وانهيار وقهر اجتماعي وفي ثقافتنا العربية هناك بصمات واضحة لروح تشيخوف وأعماله الإبداعية على كثير من القصاصين والمبدعين. وفي عالمنا العربي تأثر به كثير من كتاب القصة القصيرة مثل د. يوسف إدريس الذي كان يعتز أنه طبيب مثل تشيخوف، وإلى اليوم يعتز به القاص الطبيب محمد المخزنجي. «بلاغة المكان الشعري» لفتحية كحلوش مكانية النص الشعري ودلالاته مفيد نجم في كتابها الصادر حديثا «بلاغة المكان: قراءة في مكانية النص الشعري» تحاول الدارسة فتحية كحلوش أن تقارب التجربة المكانية في الشعر العربي المعاصر ممثلة في تجربة شاعرين معاصرين هما الشاعر سعدي يوسف والشاعر عز الدين المناصرة بوصفهما يستثمران المكان فنيا، ويقدمان تجربتين حيتين تمكنان من قراءة أسرار التاريخ والجغرافيا، إضافة إلى سعيهما الدائم إلى كسر رتابة العلاقات اللغوية القائمة «من أجل الوصول إلى بنية تتلاءم والتجربة المكانية الخاصة بالأحياز التي لطالما احترقنا بنارها». تتميز الدراسة بطابعها الأكاديمي الواضح فتطرح منذ البداية قضية المنهج الذي يمكنها من مقاربة التجربة المكانية في أعمال هذين الشاعرين، والإشكالية التي يواجهها الناقد في استحالة تطبيق أي منهج نقدي تطبيقا كاملا لاسيما في بحث كهذا، الأمر الذي يدفعها إلى التركيز في هذه الدراسة على الوصف والتحليل مستفيدة من بعض المفاهيم البنيوية الخاصة بقضايا النص والشعرية، ومن مفاهيم نظرية القراءة والتلقي انطلاقا من رؤيتها إلى الكلمة في الشعر بوصفها تتحرر وتتجدد مع كل نص مما يجعلها تتجاوز معناها المألوف في اللغة العادية. وتنطلق الدارسة في قراءتها لنصوص هاتين التجربتين من كلمات دوال بعينها، تنتقل من عاديتها وابتذالها إلى تفردها وخصوصيتها دون أن تسعى إلى فصل قضايا النص عن علاقته بالمرجعية الخارجية بكل تحولاتها، ومن أجل تحقيق هذه الأهداف تلجأ إلى تقسيم دراستها إلى أربعة فصول تركز في الفصل الأول منها على دلالات المكان ومعانيه وقضايا النص والشعرية. المكان وأبعاده يرتبط السؤال عن المكان بالسؤال عن الوجود الإنساني أي بالتجربة التي نعيشها معه، ولذلك تحاول تقصي معانيه عند عدد من النقاد الغربيين والعرب، لاسيما عند الناقد الروسي يوري لوتمان وجاستون باشلار صاحب كتاب شعرية الفضاء الذي ركز على الجانب النفسي للمكان في دراسته. وقبل دراسة التقاطبات التي ينطوي عليها المكان في النص الأدبي تتحدث الباحثة عن أنواع المكان التي تحصرها في ثلاثة أنواع هي: المكان الطباعي الذي يحتله النص على الصفحة، والمكان الجغرافي الذي تدور فيه الأحداث أو المكان الذي يصبح موضوعا للتخيل، وأخيرا هناك الفضاء الدلالي. ولعل استخدام مصطلح الفضاء بدلا من المكان يتعلق بمدلولات المصطلح التي تعني الإتساع والأفق الرحب، كما تتعلق بعدم وجود المكان الذي تختبئ فيه الدلالة في الأدب، فالأماكن الموظفة في نص من النصوص الشعرية تتجاوز دائما واقعيتها بمجرد تحولها إلى جسد لغوي، خاصة أن المخيلة تحذف وتضيف فتضعنا أمام تعدد الدلالات. إن التجربة التي نعيشها في المكان هي التي تمنح العلاقة معه طابعها السلبي أو الإيجابي، وهكذا تنشأ التقاطبات المكانية، فالهنا لا توجد إلا بالتعارض مع هناك، والمكان المنفتح يقابله المكان المغلق، والمكان الفارغ بالمملوء والعلية بالقبو. ثم تنتقل الباحثة إلى دراسة باشلار الخاصة بالتقاطبات في كتاب شعرية الفضاء حيث يتحدث عن البيت بوصفه يعارض اللابيت فيأخذ الأول صفة الحامي للأحلام والذكريات، كما أن تلك التقاطبات تمتد عنده لتشمل الداخل والخارج دون أن يكون الداخل دائما هو مكان الألفة والاستمتاع، وكذلك الأمر بالنسبة للخارج الذي هو ليس دائما رمزا للاألفة واللا استمتاع، وينطبق الأمر على صفتي الإتساع والضيق. وتعرض ايضا لآراء الناقد الروسي يوري لوتمان الذي انشغل بقضية التقاطبات المكانية كالأعلى والأسفل واليمين واليسار والقريب والبعيد والمحدود واللامحدود حيث تحمل تلك التقاطبات المكانية دلالات تتصل بالقيم الاجتماعية أو الإيديولوجية أو القرابة العائلية أو القيم المعنوية. تداخل الدلالة تشير كحلوش في بداية تناولها لموضوع النص أن ثمة تداخلا يظهر في الكتابات النقدية بين مصطلحي النص والخطاب، وكذلك بالنسبة لمصطلح الملفوظ، الأمر الذي يدفعها لمحاولة تقصي المعاني الدلالية لكل من المصطلحات الثلاث وبيان العلاقة المفترضة فيما بينها وذلك عبر الرجوع إلى المعاجم العربية لاستيضاح معانيها اللغوية التي تتمثل بالنسبة للنص في معاني منتهى الشيء وبلوغ الهدف أو الجانب الإبلاغي كما في المعاجم الحديثة، في حين أن معنى النص بمفهومه الأدبي والنقدي المعاصر يختلف بين ناقد وآخر، إذ يشير عند بعضهم إلى ما هو مكتوب وشفهي، وعند آخرين إلى ما هو مكتوب فقط . وتستعرض في هذا الصدد المواقف المختلفة لعدد من النقاد أمثال يللمسليف وجون دوبوا وليتش وفان ديك وتودوروف الذي يقول بأن الكلمة يمكن أن تؤدي وظيفة جملة أو أكثر ما يجعلنا نعتبرها نصا. وفي النهاية تخلص إلى أن تلك التمييزات التي يقيمها البعض بين مصطلحي خطاب ونص فتؤكد أنهما يبقيان أثناء الممارسة التطبيقية مترادفين فالنص والخطاب ليسا إلا مجموعة من الملفوظات تحمكها خاصيتا الإنسجام والإبلاغ. وبعد أن تقدم مجموعة من الآراء النقدية في تعريف مصطلح النص تؤكد أن عدم اشتراط عنصر الكتابة في تعريفه لم يحل مشكلة النص الأدبي، ولذلك جاء الإعتراض على اتساع مفهوم النص كما جرى التشديد على قضية الكتابة، الأمر الذي يجعلها تتناول النص بوصفه بنية واسعة، كما قال بذلك الناقد الروسي يوري لوتمان، ثم تعرض لخواص النص المتمثلة في التبيين والدلالة والتناص والإنتاجية. وفي محور آخر تدرس مفهوم الشعرية الذي تؤكد أنه قديم قدم التنظيرات الأدبية عند اليونان والعرب، إضافة إلى دراسة وظيفة الشعرية بوصفها علما للأدب أو علما للشعر كما طرحها النقاد الغربيون والعرب الذين استخدموها بمعنى الكشف عن قوانين الكتابة الأدبية، وإن كان النقاد العرب الحديثون يركزون على استخدام المصطلح في الحديث عن الشعر الذي تقسمه أيضا إلى قسمين الأول هو الشعرية التقليدية والثاني الشعرية الحديثة، وفي هذا السياق تحاول الإجابة عن عدد من الأسئلة الخاصة بمفهوم الشعر الذي يصعب ضبطه نظرا لوجود مظاهر أدبية عديدة مثل المظاهر القصصية وغيرها في الكتابة الشعرية، ما جعل الشعرية المعاصرة تقلص الفوارق كثيرا بين الشعر والنثر وتحصره في الفروق الشكلية المحضة، وفي النمط الخاص من العلاقات التي يقيمها (الشعر بين الدال والمدلول من جهة وبين المدلولات من جهة أخرى). مكانية النص تخصص الباحثة الفصل الثاني من الكتاب لدراسة مكانية النص من خلال الصفحة الشعرية، فتبدأ أولا بدراسة النص الشعري كفضاء طباعي يلعب دورا مهما بوصفه ذا طابع إيحائي وإن كان تودوروف اعتبر الفضاء النصي خاصة شعرية أكثر من النثر. وتعتبر الباحثة أن الحديث عن المكان الطباعي في شعر سعدي يوسف وعز الدين المناصرة لا يخرج عن البنية العامة التي تحكم المكان في الشعر العربي المعاصر. كذلك تشير إلى ظاهرة استمرار النموذج المكاني القديم الذي تمثل في شكل أول هو نظام الشطرين والشكل الثاني المتمثل في نظام الشطرين المنفتح ونظام هدم الفسحة بين الشطرين، أما بالنسبة لنص التكرار الذي تجاوز البنية التناظرية إلى نظام المقاطع ذات الهيئة الطباعية الواحدة والمتكررة. وتتوقف كحلوش عند بنية أشكال عديدة أولها التقليدية الجديدة التي تميزت فقط بوضعها الطباعي الخاص، وثانيها التقليدية المنفتحة التي لا تتم المحافظة بها على الوقفة الدلالية او النظمية أو العروضية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©