الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حل الدولتين فكرة غير عملية

حل الدولتين فكرة غير عملية
12 مايو 2008 23:36
لم يعد هناك ما يعرف بحل الدولتين للصراع العربي- الإسرائيلي· دعكم من كل تلك الحجج التي لا تنتهي، ومن كل تلك الأسئلة عن من قدم ماذا؟ ومن هو الطرف الذي بدأ بإظهار الاحتقار للآخر؟ ومن أن عملية ''أوسلو'' للسلام قد انتهت عندما انسحب ياسر عرفات من المفاوضات، أو عندما انتهك ''آرييل شارون'' ساحة الأقصى ذات يوم· السبــب الذي يدعوني لهذا القول هو نجاح إسرائيل بعد عقود من الاحتلال للأراضي الفلسطينية، ومن خلال البناء الكثيف للمستوطنات، في إحكام قبضتهـــــا على الأراضي التي كان يفترض قيام الدولة الفلسطينية عليها· لا شك أن الكثير من الأميركيين سوف يصابون بالدهشة، عندما يعرفون أن حل الدولتين الذي سعوا إليه لسنوات، قد تحول إلى فكرة غير عملية، لأن 40 في المئة من أراضي الضفة بحسب ''مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية'' قد تم تخصيصها واستغلالها لتنفيذ مشاريع البنية التحتية للمستوطنات الإسرائيلية، أما الجزء المتبقي منها فقد عمدت إسرائيل، وعلى نحو منهجي، إلى تقسيمه إلى عشرات المعازل المنفصلة عن بعضها بعضا وعن العالم الخارجي بواسطة 612 نقطة تفتيش وحاجز طريق· علاوة على ذلك، تشير التقديرات إلى أن عدد المستوطنين اليهود الذين يسكنون تلك المستوطنات قد وصل حاليا إلى نصف مليون نسمة وأنهم يتكاثرون بمعدل يفوق بثلاثة أضعاف معدل نمو السكان اليهود داخل باقي مناطق إسرائيل· والخطورة تكمن في أن الكثيرين من هؤلاء المستوطنين مدججون بالسلاح، ومتشددون عقائدياً، وليس من المتوقع أن يخرجوا طواعية من الأراضي التي يقولون ''إن الله قد أعادها لهم''· لم تتوقف إسرائيل منذ انطلاق عملية السلام في تسعينيات القرن الماضي عن التوسع الاستيطاني، كما استبقت مؤتمر ''أنابوليس'' بالإعلان عن تخصيص المزيد من الأراضي لإقامة مستوطنات عليها، واتبعته بإعلان نيتها التوسع في المستوطنات القائمة وبناء أخرى جديدة· والإسرائيليون لا يبنون المستوطنات فوق الأراضي الفلسطينية بسبب افتقارهم إلى الأراضي داخل إسرائيل نفسها، وإنما بسبب اعتقادهم أن هذه الأراضي من حقهم لمجرد أنهم يهود· وهذا الموقف لا يختلف كثيراً عن موقف رئيس الوزراء ''أيهود أولمرت''· فعلى الرغم من أن'' أولمرت'' يقول إنه يعتقد بالنظرية القائلة إن إسرائيل يجب أن تتخلى عن مناطق الضفة الغربية التي يوجد بها كثافة فلسطينية كبيرة، إلا أنه هو أيضاً الرجل الذي قال عام 2006 إن كل تل في ''السامرا'' وكل وادٍ في ''يهودا'' هو جزء من أرضنا التاريخية''· والسؤال أي وجود يمكن أن يكون للفلسطينيين في هذه الرؤية اليهودية للحق في الأرض؟ لا وجود بالطبع، بل إن اليهود في الحقيقة ينظرون إليهم، على أنهم يمثلون مشكلة ديموغرافية· فالدولة اليهودية التي يحتفل اليهود حالياً بعيد إنشائها الستين، الذي يسميه الفلسطينيون الذكرى الستين للنكبة، ما كان يمكن أن تبرز إلى الوجود دون استئصال 700 ألف فلسطيني من ديارهم- كما يقول المؤرخ الإسرائيلي ''بيني موريس''· والحقيقة أن النظر إلى الفلسطينيين على أنهم يمثلون مشكلة ديموغرافية لم يبدأ من عام ،1948 وإنما من تلك اللحظة التي منحت بريطانيا وعد بلفور لليهود عام ·1917 ففي ذلك الوقت عارض ''إيدوين مونتاجو'' العضو اليهودي الوحيد في الوزارة البريطانية المشروع الصهيوني باعتباره مشروعا غير عادل، كما أن بعثة تقصي الحقائق التي أرسلها الرئيس الأميركي وودرو ويلسون إلى فلسطين، حذرت من أن هذا المشروع سيكون سبباً في كم هائل من العنف· مع ذلك مضى اليهود في خططهم لتنفيذ المشروع على الأرض· ويمكن أن يُقال إن هذا الصراع كان مدفوعاً منذ بداياته بالاعتقاد الصهيوني بالحق الحصري في الأرض، وهو ما دفع الفلسطينيين إلى مقاومة ذلك، لأنه لم يحدث في التاريخ بأسره أن شعبا غادر أرضه، لأن شعبا آخر كان يريد منه ذلك· وفي رأيي أن هذا العنف سينتهي، وأن السلام سيحل، فقط عندما يدرك كل طرف من طرفي الصراع أن الطرف الآخر قد وجد في هذه الأرض كي يبقى· إن الكثيرين من الفلسطينيين قد قبلوا بهذه الفرضية، وهناك عدد يتزايد باستمرار منهم أصبح على استعداد للتخلي عن فكرة قيام دولة فلسطينية مستقلة، واعتناق مفهوم الدولة الديمقراطية العلمانية الواحدة المتعددة الثقافات التي يعيشون فيها على قدم المساواة مع اليهود الإسرائيليين· المشكلة أن معظم الإسرائيليين لم يتصالحوا بعد مع هذا الوضع، كما أنهم غير مستعدين للتخلي عن فكرة تفوق أعضاء مجموعة واحدة وهم اليهود، على باقي المجموعات، والاعتراف بأن هذه الفكرة غير ديمقراطية وغير عادلة من حيث الجوهر· مع ذلك، فإن هذا هو عين ما تفعله إسرائيل في الوقت الراهن· فحتى بين مواطنيها، فإن إسرائيل تمنح اليهود حقوقا تحرم غير اليهود منها· إن إسرائيل ليست دولة ديمقراطية على أي وجه من الوجوه، وإنما هي دولة عنصرية دينية إقصائية حاولت وتحاول تحدي التاريخ المتعدد الثقافات للأرض التي قامت عليها· لحل نزاعهم مع الفلسطينيين يجب على الإسرائيليين اليهود التخلي عن حقوقهم الحصرية، والاعتراف بحق العودة للفلسطينيين الذين طردوا من ديارهم· أما ما سيحصلون عليه مقابل ذلك فهو العيش في أمان وبالتالي في ازدهار بدلا من الاستمرار في الصراع مع الفلسطينيين· ربما لم يعد أمامهم هذا الخيار· فكما حذر أولمرت نفسه مؤخرا، فإن هناك في الوقت الراهن عددا متزايداً من الفلسطينيين يحولون اتجاه كفاحهم من كفاح من أجل دولة مستقلة، إلى كفاح مماثل لذلك الذي خاضه شعب جنوب أفريقيا، أي من أجل الحصول على حقوق متساوية في دولة يعيشون فيها على قدم المساواة مع جميع المواطنين الآخرين -بصرف النظر عن الدين· وقد وصف أولمرت هذا الكفاح بقوله إنه سيكون كفاحاً'' أكثر نظافـــة،وأكثر شعبية، وأكثر قــــوة في النهايــــة'' وأنا أوافقــــه على ذلك تمامــــاً· ساري مقدسي أستاذ اللغة الإنجليزية والأدب المقارن بجامعة كاليفورنيا- لوس أنجلوس، ومؤلف كتاب:' فلسطين ظهرا لبطن: احتلال كل يوم ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©