السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أخطر من نارجيس!

12 مايو 2008 23:38
قبل أربع سنوات من هذا الشهر، ضرب إعصار، هو الأعنف من نوعه في ظرف ثلاثين عاماً، بورما· حينها، تساءل أحد الصحافيين، في مقال له في مجلة ''ذي إيراوادي'' (وهي مجلة إخبارية ينشرها البورميون المنفيون) بعد مرور شهر على الإعصار بشأن كيف استطاعت وسائل الإعلام المحلية التي تسيطر عليها الدولة أن تتحاشى موضوع الإعصار وألا تأتي على ذكره، وهو الذي تقول عنه منظمة الأمم المتحدة إنه تسبب في مقتل 140 شخصاً، وإغراق عدد من السفن، وتشريد نحو 18000 شخص· الصحافي، واسمه ''دومينيك فولدر''، كتب يقول إن ''مدينة بسكانها الـ100000 نسمة يمكن أن تحترق بالكامل هنا من دون أن يعرف الناس عن ذلك شيئاً''، ليخلص إلى أن بورما بلد ''لا تحدث فيه الكوارث رسمياً''· والواقــــع أن هــــذه الحقيقــــة تـعــــد أشـــد وطأة بالنسبــــة لسكــــان ميانمــــار - ومأساتها أكثر ديمومة - من أي شيء يمكن أن تتسبب فيه الطبيعة· ذلك أنه لو كان بالإمكان انتقال المعلومات بحرية على غرار عناصر الطبيعة، لكان من الممكن إدارة عواقب الكثير من المصائب -سواء كانت زلازل أو فيضانات أو جفافا أو أعاصير أو عواصف- بل والوقاية منها· غير أنه لما كانت مثل هذه الحرية في الأخبار والمعلومات غائبة، فيمكن القول إن كل الكوارث ''الطبيعية'' هي في النهاية من صنع الإنسان· فعندما رفضت الحكومة العسكرية في بورما يوم الجمعة الماضي مثلاً السماح بدخول عمال الإغاثة إلى البلاد، عكس تصرفها هذا واقعاً فظيعاً: الجنرالات الحاكمون ينظرون إلى المعلومات المستقلة باعتبارها خطراً عليهم أكبر من إعصار ''نارجيس''، الذي قد يكون تسبب في مقتل ما بين 20000 و100000 شخص، وتشريد ما قد يصل إلى مليون شخص· وبالتالي، فإن شح المعلومات يمكن أن يكون أشد وطأة على الشعب البورمي من القوى التي يسعى المستبدون إلى إنكارها· فالكوارث من هذا الحجم غير مناسبة بالنسبة لحكومات من هذا الطابع الغريب على اعتبار أنها تمنح المنظمات الإنسانية ووكالات الغوث الدولية حججا قوية ليُسمح لها بالدخول إلى أكثر الدول عزلة وتقوقعا والعمل فيها؛ وهو ما سيسمح لعمال الإغاثة الدوليين في تلك الحالة بالوقوف على حقيقة ما يجري هناك، ونقل صورة عن الفقر المتفشي داخل البلاد إلى العالم· في بورما، الممزقة بين الحاجة إلى مساعدة شعبها ورد الفعل المتمثل في إخفاء كل ما قد يوحي بالضعف، كانت الحكومة العسكرية واضحة بخصوص اختياراتها· فبعد ''تسونامي''، الذي ضرب منطقة جنوب شرق آسيا في ديسمبر ،2004 جعل جنرالات بورما ''برنامج الغذاء العالمي'' التابع للأمم المتحدة ينتظر أسبوعين كاملين قبل أن يسمح لعماله بزيارة المناطق المنكوبة· وبعد أربع سنوات على ذلك، حذر خبراء الطقس والمناخ الهنود من إعصار ''نارجيس'' منذ السادس والعشرين من أبريل الماضي؛ غير أن الإعصار ضرب بورما في الثاني من مايو مثلما كان متوقعاً - أي عشية ''اليوم العالمي لحرية الصحافة''· وهذا الأمر المثير للسخرية يستحق الذكر لأن المأساة لا تكمن في أن تحذيرات الهند ونصائحها لاقت آذاناً صماء، وإنما لأنه جرى نقلها إلى وسائل إعلام مكممة· توجد في بورما اليوم أسوأ الظروف في حرية الصحافة والوصول إلى المعلومات في منطقة جنوب شرق آسيا· فجميع وسائل الإعلام السمعية والبصرية مملوكة للدولة، وأكبر الصحف تسيطر عليها الحكومة· وعلاوة على ذلك، فإن الرقابة التي تفرضها الحكومة العسكرية على المنشورات من الشدة والبطء بحيث إن الصحف اليومية منعدمة في البلاد· أما بالنسبة لشبكة الإنترنت، فإنها تخضع لرقابة مشددة كذلك، هذا بينما تُرفض طلبات الصحافيين الأجانب للحصول على تأشيرات الدخول إلى البلاد بشكل روتيني· ونتيجة لذلك، فإنه مكتوب على جهود الإنقاذ والإغاثة في بورما أن تظل مأساوية· وقد بات من الواضح اليوم أن السياسات المتشددة والمتعنتة التي تتبناها الحكومة العسكرية في ما يتعلق بالصحافة والوصول إلى المعلومات لا تشكل مصدر قمع سياسي فحسب، وإنما مصدر وضع إنساني ملح وخطير أيضاً· ذلك أن عمال الإغاثة ليسوا عناصر الإغاثة والتعافي الأساسية الوحيدة التي يحرمُ زعماءُ البلاد شعبهم منها· وإلى أن تصبح الأخبار الحرة والموثوقة متاحة في بورما، ستتواصل معاناة البورميين من الفظاعات التي لم تُحكَ بعد· روبي ألامبي زميل مؤسسة إيجا سوسايتي والمدير التنفيذي لـ الائتلاف الصحافي لجنوب شرق آسيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©