السبت 4 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مشهديات آسرة وسينوغرافيا حاضرة ولغة الجسد وافرة

مشهديات آسرة وسينوغرافيا حاضرة ولغة الجسد وافرة
14 ابريل 2010 19:38
يتوفر التراث الشعبي في الإمارات على ظواهر مسرحية متنوعة، ويحوي مشاهد درامية شبه متكاملة يمكن توظيفها في الأعمال المسرحية، بحيث تغني الفضاء المسرحي وتمده بأفكار جديدة، خاصة في المسرح التجريبي الذي يبحث عن آفاق فنية وقولية مغايرة، أو المسرح الذي يستلهم التراث لتقديم فرجة ذات عمق دلالي على صعيد المضمون والمشهد والخطاب. ورغم اللغط الكثير الذي يثيره طرح هذا الموضوع مرة بعد مرة، يظل في الإمكان طرح ما هو جديد على صعيد التجربة في الإمارات، خاصة إذا ما قيل هذا الجديد بشكل تطبيقي، وتبدت من خلاله ممارسات عملية سواء على صعيد تقديمه على الخشبة أو قراءته ميدانياً على صعيد التأليف، وهو ما ذهب إليه الباحث والكاتب المسرحي هيثم يحيى الخواجة في كتابه الجديد الموسوم بـ “ملامح الدراما في التراث الشعبي الإماراتي” الذي حصل على جائزة أفضل كتاب محلي التي تمنحها دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة. وفي السياق، يرى الخواجة أن المسرحية “تستطيع أن تقدم مثل هذه الظواهر التراثية ضمن انعطافاتها التجريبية، ومنطلقاتها الجدلية، وآفاقها البصرية وأبعادها الجمالية، كما يمكن أن تتماهى مع الوحدة الفنية العضوية للعرض المسرحي الذي يشرع نوافذه على كل رائع، ولافت، ومؤثر، خاصة إذا كانت لغة هذا العرض فنية تكشف عن فكر واع ذي هدف وسمات جدية غايتها الوصول إلى خطاب مسرحي له قيمة”. ولئن كان التشكيل الحركي يرتبط بتطور حركة المسرح، فإن في تراث الإمارات، تشكيلات حركية جديرة بالاهتمام والدراسة، فضلاً عن غنى الفضاءات الدرامية في هذا التراث. وهذا يعني أن العروض المسرحية تستفيد من تشكيل وحدة جمالية عضوية في فضاءاتها لتخلق ما يسمى بالتوازن بين عناصر العرض المسرحي، علاوة على أن ربط التشكيل الحركي بهذه الفضاءات يمنح العرض طاقات بصرية مؤثرة تدخل بقوة في بؤر التعبير والدلالة، لأنها تشكل إضافة، وقد تكون مفتاحاً من مفاتيح فاعلة لدعم الخيال الذي يثيره العرض. وفي الوقت الذي يرى فيه كثير من الباحثين ونقاد المسرح أن هذه الملامح الدرامية التراثية ليست سوى تصاميم أولية، يؤكد الخواجة أنها “أكثر من ذلك بكثير لأنها تتضمن النبض والإيقاع والمساحات اللونية المزخرفة، والدفء، والمصداقية، والإيماءات الذكية الدقيقة والمعبرة”، وتفاصيل أخرى كثيرة نعرض هنا لبعضها. رواح الشحوح الرواح فن تراثي ينتشر في المناطق الجبلية في الإمارات (وعلى الأغلب في إمارة رأس الخيمة)، لكنه بات الآن منتشراً في جميع أنحاء الدولة بعد الاهتمام المتسع بالتراث والفنون الفولكلورية. ويقصد بالرواح راحة الكف أو من الترويح عن النفس. وتضم فرقة فن الرواح عدداً كبيراً من الرجال يصل في بعض الأحيان إلى حوالي الخمسين رجلاً أو أقل من ذلك بقليل، ويحمل كل منهم طبلاً. ويرى الخواجة أن فن الرواح فن مسرحي قائم بذاته، ويدلل على ذلك بما يتوفر عليه من مشهدية مسرحية تتجلى في التفاصيل الحركية، والسمات الصوتية، وفضاء المكان، كذلك في تناسق حركة صفي الرجال، وأساليبهم في قرع الطبول حسب النغمة المتفق عليها في هذا الفن، بما يجعله في النهاية فعل مسرحي. أما انفراد بعض المتميزين في الخروج عن الإيقاع الأصلي لتقديم إيقاعات ليست ناشزة، فيجد فيه الباحث إغناء وتكاملاً للإيقاع العام المتواصل والمتشكل من الضربات الجماعية على الطبول. وينضم الغناء الجماعي (الجوقة في المسرح)، والذي يعتمد على ترديد كلمة بأسلوب خاص يتسم بالهدوء، كعنصر آخر من عناصر التحقق المسرحي لهذا الفن، فيما المتفرجون الذين يحققون فرجة مسرحية من خلال مشاركة وجدانية فاعلة يشبهون إلى حد كبير النظارة الذين يشاركون الممثلين في الفرجة المسرحية. وفي الساري أو السيرى تختلف السينوجرافيا، فالوقت بعد صلاة المغرب وحتى الفجر، وعند تأدية الرقصة يأتي الرجال حاملين طبولهم، وقد يكون هناك رجلان أو صف طويل من الرجال الذين ينوفون الثلاثين. وفي هذا المشهد تعمل اللغة البصرية عملها؛ لون اللباس أبيض، والانحناء نحو الطبل واحد، والضربة الإيقاعية بكف اليد متواترة بين “نقشة” و”مجامل” أي أن رجلاً يضرب نقشة وآخر مجامل وهكذا، بينما تتم الحركة مع الإيقاع، إذ يتحرك الرجال على شكل دائري ويتقدمون خطوة وراء خطوة ثم يتأخرون أخرى، ويستمر الأمر على هذه الصورة مدة تقدر بحوالي نصف ساعة بعد ذلك يتحركون صفاً واحداً وهم يهزجون قائلين: (واهي هو) وهي لغة ترميزية تشير إلى جماعة ثانية لكي تأخذ دروها في القرع واللعب. أما الخلفية فهي أشبه بالجوقة وتغني المشهدين البصري والحركي، إذ يقف جماعة الرجال في صف واحد مقابل صف من النساء والفتيات اللواتي يؤدين لعبة الكف، (اللعبة تمثل حالة التقابل الدرامي)، بحيث تجمع الواحدة منهن كفيها أمام صدرها، ثم ترفعهما صوب وجهها، فإذا بدأن التمايل يميناً ويساراً على قرع الطبول مالت الكفين مع ميلان الرأس أيضاً في صورة أنثوية لطيفة، وقد ينشدن بعض (الشلات) أي الأغاني التي تنسجم مع اللحن بصوت موقّع خافت بمشاركة الرجال أيضاً. في هذا المشهد تتماهى لغة الجسد مع الإيقاعات الحركية والصوتية وبأسلوب يدل على انسجام مسرحي جميل. الـيواب فن من الفنون الشعبية التي برزت عند الشحوح، وفيه يتحلق أبناء الشحوح خلف الشاعر الذي يردد قصيدته قائلاً (يهل السيف يواب) وعندها يرد عليه المجتمعون (الرديدة أو اليواب)، أي الجواب لكن الجيم هنا قلبت ياء على عادة أهل الإمارات في نطق الجيم ياء في لهجتهم الدارجة، فيواصل قائلاً: يواب يا هل السيف فيردون: يواب، فيقول: عصبة راسي، فيردون: يواب، فيقول: عيال العم، فيردون: يواب، فيقول: اعيال الشح، فيقول: يواب.. ثم ينشد القصيدة التي تطول أحياناً حتى تصل إلى حوالي ستين بيتاً. و”اليواب” تعكس مشهداً مسرحياً وفرجة سواء أكان ذلك على صعيد حركات اليدين أم الجسد أم على صعيد تعابير الوجه أم على صعيد الإيقاعات التي تقوى وتضعف حسب لغة الشعر وأسلوب ترديده. الـوهـابـيـة في الوهابية مشاهد لها علاقة بالفعل المسرحي، وفيها أيضاً فرجة تثير المشاعر، وتربي مشاعر الفخر والعزة والشجاعة والقوة وحب الأهل والديار. وتؤدى بأن يقف حوالي عشرين شخصاً في كل صف، وعندما يبدأ الضرب على الطبول في المساحة بين الصفين تنطلق حركة الراقصين وئيدة رزينة. وفي هذه الرقصة حركة خاصة للمشاركين في الصفين، وحركة خاصة لضاربي آلات الإيقاع، وحركة للمبارزين بالسيوف ومستعرضي الأسلحة. ويتحرك المشاركون حركات تتلاءم مع ضاربي الطبول وبشكل موحد. وتتحدد حركة المشاركين وحركة المستعرضين وترتبط بضاربي الطبول الذين يختارون الإيقاعات المناسبة، وأثناء حركة الرقص يردد المشاركون قصيدة شعرية ويضع كل واحد منهم يده اليسرى على ظهر جاره، ويمسك بيده اليمنى عصا من الخيزران يحركها على نغمات الإيقاع تارة في الهواء يمنة أو يسرة أو إلى أسفل، أو يضعها فوق كتفه الأيمن، أو يتكئ بها على الأرض. أما حركة الرأس فتكون إما إلى اليمين أو إلى اليسار أو إلى الأعلى أو إلى الأسفل، فيما تظل القدمان ثابتتين.. ولا ينسى الراقص أن يثني ركبتيه بأسلوب خفيف يتناسب مع الإيقاع وحركتي الرأس والعصا. وفيما يتعلق بضاربي الطبول فهم يتحركون بين الصفين بثبات وتخطيط، وعندما ينحني صاحب الطبل أمام أحد الصفين يتبعه في الانحناءة أصحاب بقية الآلات، أو قد يقومون بضرب طبولهم وقوفاً أمام أحد الصفين فترة، ثم يعودون لضربها أمام الصف الآخر ويمكن أن يحدث الانحناء بين الصفين وفي وسط المسافة. ولا شك أن هذا النمط الحركي يظهر فعلاً مسرحياً عبر تشكيلات تغني البصر، وتثير المشاعر، وتحقق شكلاً مسرحياً ساحراً. وإذا أضفنا استعراض حملة السيوف والبنادق والخناجر والعصي ومبارزات المهارة مثل قذف السيوف في الهواء والتقاطها عند هبوطها، وحركة البنادق وكيف تدار بيد المستعرض لتشكل دائرة كاملة في الهواء، يتضح كم يشكل هذا المشهد الحركي الصوتي الإيمائي لوحة درامية، وفرجة فولكلورية مدهشة يمكنها أن تغني المسرح بسبب ألوانها وتألقها. الحربية أو الرزيـف تؤدى هذه الرقصة أداء جماعياً حيث يقف الرجال في صفين متقابلين يقترب الصف الأول من الثاني ضمن حركات إيقاعية أثناء الرقص ثم يتراجع ليقوم الصف الثاني بالتقدم كما الأول. وتقوم على جملة لحنية واحدة موزونة، لكن لا تصاحبها الموسيقا، لأن الأشعار والأهازيج هي التي تسود فيها. وتتوفر هذه الرقصة على الكثير من الحماسة، وتؤشر على الجاهزية والاستعداد لمواجهة العدو، وتقدم فرجة يمكن أن يكون لها حضور في المشهد الدرامي المؤمل. ذلك أن الرزيف موروث شعبي قديم جداً يحبه الناس. وفي الرزيف يمثل الشاعر (الراوي في المسرح) السند الرئيس لتنفيذ اللوحة الشعبية. وتبدو الفرجة المسرحية بكامل صورتها عندما يشكل الرجال صفين متقابلين بمسافة معينة وهم يحملون العصي ويرددون وراء الشاعر الشلة التي يقولها، وينسجم ذلك مع حركات موحدة متناسقة من ذلك الانحناءة والارتفاع إلى الأعلى وتحريك الرأس إلى الأمام والخلف ويسمى ذلك (الطيحة) و(الخمعة). وفي الرزفة ما يسمى (باليويله) وهذا التشكيل يتضمن تشكيلاً مسرحياً دقيقاً ورائعاً، إضافة إلى ميزانسينات حركية معبرة ودالة. فـ (اليويله) أشخاص يقومون بحركات معينة على لحن الرزفة بين الصفين أو من حولهم بحالة انسجامية عالية تكاد تصل إلى الاستغراق. وهم يحملون أسلحتهم المنوعة (سيف أو بندقية أو عصا) ويبدأون بتنفيذ استعراضات ومهارات تدل على إبداعهم وتمكنهم. وتبدو الحركة المسرحية فائقة الجمال عندما يقذف العارض في رقصة (اليوله) سلاحه في الهواء إلى مسافة عالية (الفلاي) ثم يلتقطه ليظهر قوته وشجاعته. آ.. هـالله لهذه الرقصة أسلوبها الخاص، وتبدأ عندما يجتمع المؤدون ويشكلون فريقين وهم جلوس، ثم يبدأون تبادل بيت من الشعر ينشدونه عدة مرات، وبعد مضي فترة زمنية ينهض الفريقان ليقفا في صفين متقابلين وهم يحملون العصا والخيزران يلوحون بهما افتخاراً واعتزازاً. يغني الصف الأول النشيد ويردد الصف الثاني اللازمة وهي: (آ.. هالله)، أو(آها.. لله) والمقصود من هذا الترديد التشجيع وإظهار الإعجاب بشعر الشاعر، ومن ذلك على سبيل المثال: يقول الشاعر: قلبي تعلق شي ليواد فترد المجموعة: آها لله لي في البلد ماريت شرواه فترد المجموعة: آها لله يارب تجعل البحر جد فترد المجموعة: آها لله بازور خلي وين بلقاه فترد المجموعة: آها لله وتنهض هذه الرقصة على فرجة واسعة يمكن الاستفادة منها في المسرح لما فيها من حركة، وإلقاء، ودلالات، فالملاحظ أن كل فريق يشكل كتلة أو لنقل جوقة ومن خلال تبادل الرد ينتج انفعال، وتنتج حركة، وتثار مشاعر الفخر والفرح. الـعـيالـة رقصة الانتصار بعد الحرب وتجسد معاني الانتصار والفخر والاعتزاز والبطولة والقوة والشجاعة والفروسية، ولهذا سميت بالرقصة الشريفة لأنها تخص الأبطال الشرفاء المخلصين لوطنهم. يقف الرجال في صفين متقابلين، ويحاول كل فريق أن يرص الصف ويتلاصقوا بشدة، وذلك بوضع يده حول خصر الذي بجانبه من الخلف ليتشكل جدار من الرجال المتراصين تعبيراً عن التعاضد والتآزر والتماسك. وتتوسط الصفين فرقة الضرب على الطبول المختلفة الأشكال والدفوف والآلات النحاسية (الطوس)، فتقدم الإيقاعات الحماسية والألحان المثيرة للمشاعر والملائمة لأداء الرقص والحركات المعتمدة في العيالة. وبين هذه الفرقة المحترفة يقف رجل رئيس الفرقة وقد علق طبلة أسطوانية الشكل لها وجهان (كاسر) يدق عليها بقوة، وعندما يعطي قائد الفرقة إشارة الانطلاق يبدأ حملة الطبول بالضرب على طبولهم ويتحرك الصفان لتأدية رقصة العيالة، وعلى الفور يتحرك حملة الطبول باتجاه الصف المواجه، كما يتحرك حملة السيوف في الاتجاه المعاكس. وأثناء التحرك يظهر حملة السيوف تعبيرات ويؤدون حركات تمثل مبارزة الأعداء. في هذا الموقف يبدأ أحد الصفين بإنشاد الشطر الأول (الصدر) من أبيات النشيد أو القصيد، وتنحني مجموعة الصف الثاني عند سماعها لهذا الشطر تعبيراً عن الخضوع والتسليم حتى ينتهي الصف الأول من إلقاء الشطر الأول، ثم تعتدل مجموعة الصف المقابل (الثاني) ليتكرر إنشاد الشطر نفسه فتؤدي مجموعة الصف الأول الانحناءة نفسها التي ترمز إلى حركة الخضوع والتسليم، وهكذا... فيما تتابع الفرقة الإنشاد. أما عن حركات رئيس الفرقة فهو ينتقل من صف إلى صف آخر في المرة الأولى يكون الصف منتصراً وفي المرة الثانية يكون مستسلماً مغلوباً حتى لا يكون أحد الصفين غالباً أو مغلوباً. ويستمر الأداء على هذه الصورة بينما يقود رئيس الفرقة الصفين ويضبط الإيقاعات والحركات. في هذه الرقصة مشاهد مسرحية آسرة يفرضها الموقف وتؤكدها الدلالة. فالموقف انعكاس لزمن الحرب ولابد من دخول المعركة بقوة، ولذلك ترص الصفوف وتتشابك الأيدي، ويكون التعبير الصوتي إيذاناً بالبدء والانطلاق، كما يكون التعبير الحركي إشارة إلى بدء العرض. أما البطل في المشهد المسرحي فهو قائد الفرقة الذي بيده تحريك الصفين، وبيده رفع وتيرة الموقف وترسيخ الحدث. في العـيالة فنون حـركية وإيمائية وعزف ورقص وغناء جماعي. وفي العيالة صورة لحرب من خلال التلويح بالسيوف وإطلاق الأعيرة النارية. وفي العيالة موقف عزة وانتصار وموقف ذلة وانكسار .. وفي العيالة مشاهد تعبيرية للقوة والرجولة والشجاعة وحياة أهل الصحراء، ويكفي أن نذكر على سبيل المثال لا الحصر خروج أحد الشبان المشاركين في العيالة من الصف شاهراً خنجره اللامع الحاد المزين بزخرفات فضية متقنة. يحمل الخنجر بدراية واعتزاز ويرقص معلناً المبارزة مع إحدى الفتيات اللواتي يتوسطن الحلقة (يذكر كتاب لمحات عن تراث وفلكلور مجتمع الإمارات الصادر عن جمعية النخيل للفنون الشعبية بأن أهل البادية يمارسون هذه الرقصة مع الفتيات بينما يؤديها أهل الحضر دون الفتيات وتقتصر على الرجال)، وتكون المبارزة بين كرٍّ وفرٍّ وتستمر هكذا إلى أن يتعب أحد الراقصين فيخرج من الحلقة وسط تشجيع الحضور وصياحهم وجلجلة أصواتهم. وتتضمن رقصة العيالة عدة مستويات من الخطاب: الأول لغوي يتحقق عبر لغة البيئة المستخدمة للتواصل مع الجمهور والتأثير فيه، والثاني حركي يقوم على الحركات المدروسة المتناغمة مع الإيقاع والتي تسهم إسهاماً كبيراً في تكميل المشهد الحركي البعيد عن الرتابة، والقريب من التشكيل الفني المتعدد الألوان، والثالث فني يتجسد في المُساعدات او المصاحبات الفنية (عصي وطبول وسيوف وألوان – ملابس النعاشات)، كما تلعب الطبيعة، مكان تنفيذ العيالة، دوراً في تكملة المشهد وحيويته. الندبة يقدم فن الندبة مشهداً حركياً وصوتياً وفعلاً درامياً، ويحتوي على مظاهر احتفالية آسرة؛ والندبة عند الشحوح تقابلها (اللقية) أو (العرضة) وتصاحب هذا الفن مجموعة من الرقصات الشعبية الجميلة. ينفذ الشحوح هذا المظهر الاحتفالي في أوقات معينة؛ فهم يندبون مثلاً بعد الغداء (ظهراً) وبعد العشاء (مساءً) وبعد الانتهاء من تناول الطعام في الولائم الكبيرة التي تذبح فيها الذبائح، فعندما ينتهون من الطعام وقبل غسيل الأيدي من بقايا الطعام يجتمع حوالي عشرة أشخاص على شكل مجموعة يسمونها (كبكوب)، وتبدأ كل مجموعة بالندب فيقولون: (شو .. حو .. هو .. هو..)، وهي تعني الشكر والتقدير لصاحب الدعوة. وهذه الحركة المسرحية كما حركة المجموعات (الجوقات) والأصوات تدلل على الظاهرة الاحتفالية التي تتضمن فعلاً مسرحياً. أما عن الندبة في أيام الحرب فتعني الدعوة للوقوف وجهاً لوجه مع العدو وعدم الخوف من تهديده أو سطوته. فعندما يتقابل المقاتلون يرفعون عقيرتهم بالندبة سبع مرات متتاليات، وكأن الندبة حالة إحماء أو الإيذان ببدء المعركة أو أسلوب حركي يدل على أفعال قادمة، فبعدها يبدأ إطلاق النار على العدو ثم تنفذ (الركضة) وتعني الهجوم على العدو والاشتباك معه. وعلى ضوء الحدث القادم يأتي الفصل ، فإن هرب العدو احتلوا مواقعه ورفعوا أصواتهم لتنفيذ الندبة دلالة قاطعة على النصر. العرضة ثمة بحر أزرق أو صحراء مديدة أو أشجار نخيل باسقة، وفي قلب المكان يتحرك المؤدون بتناغم وانسجام وبلغة جسد فائقة وتعبيرات سيميائية دالة، حتى إن المرء يتساءل: أية سينوغرافيا هذه؟ وأية مشاهد تتوالى مشكلة أشكالاً هندسية فائقة التعبير؟. تلك هي “العرضة” أو لنقل لوحة رسمت بريشة فنان لما تتضمنه من تعبيرات والوان وايقاعات وحركات واشارات، وتأثيرات تحرك النبض، وتشد الابصار، وتؤثر في الوجدان. تتبع العرضة فن العيالة على الرغم من الاختلاف في الآلات والإيقاعات، لكنها تحاكيها، ومناسبات إقامتها تماثل مناسبات فن العيالة. وتشبه العرضة في الإمارات فن العيالة من حيث الإنشاد ووقوف المنشدين وأسلوب دخول حملة السيوف. أما عن الآلات التي تصاحب فرقة الإنشاد في العرضة فهي (الكاسر) و(الرحماني) و (الدفوف) و (الطارات) و (الآلات النحاسية). وفي العرضة فرجة حقيقية، فهناك متفرجون وهناك فاعلون. الفاعلون هم المنشدون وحملة السيوف والعازفون والمؤدون. وفي الأداء عموماً إثارة وتحريض للمشاعر ليشيع الحماس وتنتشر نشوة الفخر والاعتزاز. وترسم حركة الأيدي وتعبيرات الوجوه والإيقاعات تفرُّد بعض اعضاء الفرقة، كما عند عازف الطبل الذي يتآلف في حركاته وتعبيراته وتجواله، ودورانه، وما يقدمه من إيقاعات صوتية تحرك المشاعر، وتشد الانتباه إليه، وتؤكد معنى وسر تفرده. وهناك عرضة تنفذ على السفينة وتعد فناً من فنون (النهمة) أي أغاني البحر، يؤديها العاملون على السفينة يقودهم النهام، وهو يعلق في رقبته طبلة متوسطة الحجم وأسطوانية الشكل وذات وجهين. يدق النهام على الطبلة بإيقاع معين يتخلل ذلك حركات ذات دلالات وتعبيرات معينة تمثل تمايل السفينة فوق الأمواج وكيف يلقي الصيادون شباكهم، وكيف يسحبونها من الماء بعد أن تمتلئ بخيرات البحر، فتتماهى الصورة مع الصوت ويعزفان معاً انشودة حياة صوتية بصرية لافتة. وهناك حركات رقص وحركات إيقاعية تمثل أسلوب إلقاء الحبل الذي يمسك به الغواص ثم عملية شد الحبل عند خروج الغواص من قاع البحر بعد جمع المحار. كما تمثل رقصة العرضة البحرية عمل البحارة على ظهر السفينة مثل نشر الأشرعة أو التجديف وغير ذلك. أما الإيقاعات الصادرة عن الغناء أو عن الآلات الموسيقية (الطبلة) فتتلاءم مع توالي موجات البحر واندثارها على الشاطئ وسيرها مع المد والجزر وارتطامها بجدران السفينة. وفي هذه الفرجة اقتراب شديد من مسرح المونودراما؛ فالنهام هو الممثل وأرض السفينة خشبة المسرح والأشرعة هي الديكور والطبل هو الموسيقا وغير ذلك من المساعدات الفنية التي توجد على خشبة السفينة. بقي أن نقول: إن النظرة المتفحصة تفيد بأن التراث الإماراتي مفعم بالعناصر الدرامية التي يمكن أن يستفيد منها المسرح بشكل عام والمؤلفون والمخرجون والممثلون ومهندسو الديكور بشكل خاص. ولا ريب في أن جوقات الغناء والإيقاعات الموسيقية فيها من الغنى الكثير، بحيث يمكن توظيفها في المشاهد المسرحية والعروض ليس للإثراء فقط وإنما لتعريف المتلقي بأهمية وعمق تراثنا وجماله.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©