الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عشّاق بدرجة اللوعة

عشّاق بدرجة اللوعة
14 ابريل 2010 19:40
هذه هي الحلقة الخامسة في سلسلة نقتطف فيها بعضاً، أو أجزاءً من، الخطابات الغرامية لأولئك الرجال والنساء الذين صنعوا التاريخ بشكل أو آخر سواء في كراسي الحكم أو الأدب أو الفنون أو العلوم عبر العصور. وعلى الرغم من وصف هذه الخطابات بأنها غرامية، فهي ليست بالضرورة سيلاً من الغزل والشكوى من لهيب الحب على شاكلة قصائد الملوح في العامرية. وقد تجنح في أحايين لتناول أشياء دنيوية، مثل حال البريد أو المعايش عموماً أو السخط على المرسل إليه نفسه. لكنها تبقى في آخر المطاف وصفاً للعشق واستنجاداً من كاتبها بحبيبه في وحدته وتوسل لقائه، وهذا هو ما سنركز عليه في هذه المقتطفات. نتناول هنا ثلاث رسائل من كل من الروائي الفرنسي بلزاك لمحبوبته الكونتيسة البولندية ايفلينا هانسكا، ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق ونستون تشرتشل لزوجته كليمنتاين، والكاتب الآيرلندي جورج برنارد شو للممثلة المسرحية ستيلا ـ بياتريس كامبل. بلزاك: أقف على عتبة الجنون ولد اونوري دو بلزاك (20 مايو 1799 ـ 18 أغسطس 1850) بمدينة تور الفرنسية، ودرس القانون لكنه قرر وهب حياته للأدب. وفي العام 1831 في غرفة عليا بشقة باريسية كان يعاني فيها شظف العيش، بدأ إنتاجه الغزير من روايات متصلة صارت تعرف باسمLa Comédie Humaine “الكوميديا الإنسانية” وأمضى فترة 20 عاماً لإنجازها كاملة. وكانت هذه أكبر النوافذ الأدبية إلى المجتمع الفرنسي وتعتبر اليوم أول أعظم الأعمال الروائية الواقعية ومؤلفها نفسه أحد أكثر الكتّاب نفوذاً وتأثيراً على مسيرة الأدب ومراحل تطوره في العالم. في 1833 بدأ بلزاك مراسلاته الغرامية لسبع عشرة سنة مع الكونتيسة البولندية ايفلينا هانسكا التي كانت متزوجة من إقطاعي يكبرها بعشرين عاماً. وبعد وفاة هذا الأخير في 1841 سافر بلزاك مع محبوبته إلى مختلف أنحاء أوروبا. وفي مارس 1851 عقدا قرانهما لكن زواجهما دام خمسة أشهر فقط إذ أتى إلى ختام مع وفاة بلزاك في أغسطس من العام نفسه عن 50 عاماً. الأحد 19/6/1836 ملاكي المحبوب اعتقد أنني أقف على عتبة الجنون بك.. وهل للجنون حدود؟ فما عدت قادراً على الإتيان بفكرتين لا تقفين أنت بينهما. وما عدت قادراً حتى على التفكير في أمر سواك. وأجدني، رغماً عني، محمولاً إليك على ظهر خيالي. فالتقطك.. هكذا.. وأزلق يدي على جسدك ألف مرة تحتوي وجداني بأكمله. أما القلب، فأنت فيه وهكذا تظلين.. فيستمتع لساني بطعم وجودك الشهي فيه. ولكن، ما هو مصيري الآن، بحق السماء، وأنت تحرمينني من عقلي؟ هذا “المس الأحادي” يخيفني في هذا الصباح. أنهض من فراشي كل يوم وأخبر نفسي: “هيا بي، فأنا ذاهب إليك”. لكنني أجلس مجدداً تحت وطأة التزاماتي. هذا صراع مفزع. هذه ليست حياة. لم يحدث لي هذا من قبل في حياتي، لكنك تفترسين كل شيء فيها الآن. حالما أفكر بك، أشعر بأنني غرير وسعيد في الوقت نفسك. وأظل أدور على نفسي في حلم عذب لذيذ أحيا فيه ألف عام في لحظة واحدة. بئس المصير! يصرعني الهوى، وأحس بالغرام يتسلل إلى كل خلية في جسدي.. فأعيش فقط للحب. وأرى نفسي فريسة بين فكّي اللوعة أو سجينة وراء ألف خيط غزلتها العناكب. أوّاه.. حبيبتي إيفا.. أواه! ربما كنت لا تعلمين أنني التقطت بطاقتك، وها هي أمامي الآن، وأنا أتحدث إليك وكأنك أنت أيضا أمامي. أراك، مثلما فعلت أمس، جميلة.. مدهشة الجمال. كنت أحدث نفسي طوال الأمسية أمس: “إنها لي ولي وحدي”. الملائكة نفسها ليست سعيدة في الجنان بقدر السعادة التي غمرتني أمسية أمس. اونوري. ونستون تشرتشل: إني محظوظ برفقتك تولى السير ونستون ليونارد سبينسر تشرشل (30 نوفمبر 1874 ـ 24 يناير 1965) رئاسة الوزراء في بريطانيا مرتين في 1941 و1951 ويعتبر على نطاق شبه كامل أعظم من تولى هذا المنصب في تاريخ البلاد السياسي الحديث. لكنه كان أيضاً صحفياً وكاتباً من الطراز الأول. في سبتمبر 1908 تزوج تشرتشل بالبارونة كليمنتاين سبينسر التي أنجبت له 5 أبناء أصغرهم ميري (البارونة سومز) الوحيدة الباقية على قيد الحياة، وهي الآن في السابعة والثمانين من العمر. وكانت كليمنتاين، التي كان يناديها تشرتشل باسم التدليل “كليمي”، ابنة سِفَاح لأمها الليدي بلانش، لكنها تنسب أبوياً في سيرة حياتها الرسمية للدبلوماسي والسياسي السير هنري مونتاغيو هوزيير. وعلى الرغم من أن زواجها من تشرتشل صمد حتى ممات هذا الأخير وأن علاقتهما ظلت “حميمة ومتينة” على حد قول المؤرخين، فمن باب “السر المعروف” أن كليمنتاين تورطت في علاقة غير شرعية مع صديق لها ولزوجها عندما كانت في رحلة بحرية طويلة في أواخر 1934 وبدايات 1935 وزوجها مشغول بأعبائه السياسية في لندن. ولذا فمن المحتم أن تكون قد تسلمت هذا الخطاب الذي كتبه لها في يناير 1935 وهي في غمرة تلك العلاقة وربما في أحضان عشيقها، وربما كان هذا التصادف عاملاً أساسياً في شهرة الخطاب الذي يقال إنه “أيقظها” من تلك العلاقة المحرّمة وأرجعها إلى رحاب زوجها المحب. 23 يناير 1935 حبيبتي كليمي كتبت لي في خطابك من مدراس (الهندية) كلمات عزيزة على قلبي.. حدثتيني عن أنني أثريت حياتك. يستحيل عليّ أن أصف لك أي متعة في الدنيا منحتني هذه الكلمات. ذلك أنني أغرق في الشعور بأنني مدين لك.. هذا إذا كان في الحب حسابات. وببساطة، فإن العبارات لا تقوى على أن تحوي معنى أن أكون في قلبك ومحظوظاً برفقتك طوال تلك السنوات. الوقت يركض مسرعاً. ولكن ليس من قبيل البهجة أن يرى المرء ذلك الكنز الذي جمعناه سوياً. فهناك بالطبع العواصف والشدائد التي أتت بها أحداث رهيبة ومأساوية بالنسبة لملايين البشر. زوجك المحب ونستون جورج برنارد شو: شرفي، ضحكتي، موسيقاي ولد هذا الكاتب الآيرلندي الشهير بدبلن في 26 يوليو 1856 لأبيه تاجر الحبوب جورج كار شو وأمه لوسيندا غيرلي وكانت تصغر زوجها بستة عشر عاماً. ولأن أباه كان سكّيراً، فقد امتنع جورج الابن عن تناول الخمر حتى مماته في 26 يوليو 1856. ولدى وفاة أبيه في العام 1855، رفضت أمه وأبناؤها حضور جنازته. وتولى الخدم تربية جورج الابن وشقيقتيه لأن الأم نفسها تركت منزل العائلة لممارسة مهنة تدريس الموسيقى والغناء في لندن. في 1876 انضم شو إلى والدته في لندن حيث حقق نجاحاً في النقد الموسيقي والأدبي. لكنه ركز بعد ذلك على المسرح فكتب 63 مسرحية في حياته أشهرها بالطبع “بيغماليون” (اشتهرت في العالم العربي منذ العام 1964 في تأويلها السينمائي “سيدتي الجميلة” بطولة أودري هيبورن وريكس هاريسون). وقد نال عنها شو جائزة نوبل للآداب في 1925 والأوسكار عن سيناريو الفيلم بالعنوان نفسه في 1938 وبذلك أصبح أول من يجمع بين الجائزتين الشهيرتين. كما كان أحد مفكري ومؤسسي الحركة الفابية التي تسعى للتغيير الاشتراكي بالطرق السلمية. وهو أيضاً مؤسس “جامعة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية” في العام 1895. في 1898 تزوج شو من تشارلوت باين ـ تاونزيند. وعلى الرغم من أن زواجهما استمر حتى مماتها في 1943، فقد قيل إنه ظل عذرياً طوال تلك الفترة التي أقام فيها شو علاقات عدة مع نساء أخريات. ومن هؤلاء الممثلة المسرحية ستيلا ـ بياتريس كامبل وكانت الأولى بين من أدين دور البطولة في “بيغماليون”. وكانت القصيدة التالية إحدى رسائله إليها. إلى ستيلا ـ بياتريس كامبل في 27 فبراير 1913 أريد تلك الشقيّة المشرّدة كحالي أريد سيدتي الداكنة، أريد ملاكي أريد مغويتي بجمالها أريد فْرِيّا بشجرة تفّاحها. أريد الأخفّ وزنا بين مصابيح الجمال السبعة عندي شرفي، ضحكتي، موسيقاي، حبّي وحياتي وخلودي... أريد إلهامي، ذنبي، حماقتي وسعادتي ذاتي العليا، جنوني وأنانيتي ختام سلامة عقلي وقدسيتي تغيُّر شكلي وطهري يا ضوئي على الطرف الآخر من الماء يا نخلتي على الطرف المقابل من الخلاء وحديقة أزهاري اليانعة متعي المليون بلا اسم راتبي اليومي حلم ليلتي حبيبتي ونجمتي الساطعة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©