الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإعلام البترولي انطلق من «جراج»

الإعلام البترولي انطلق من «جراج»
14 ابريل 2010 19:41
على الرغم من أن برنامج “الذهب الأسود” الذي بدأت بتقديمه في الإذاعة والتلفزيون منذ عام 1971 كان يحمل اسم وزارة البترول، حيث كان هناك كابشن (كتابة على لوحة) يقول: إعداد إدارة العلاقات العامة في وزارة البترول والثروة المعدنية، إلا أن الحقيقة التي كانت لا تخفى على أحد أن الإعداد كان ضمن المهام الرئيسية التي قمت بها في ذلك الزمن. وبما أنني اتجهت إلى التخصص وبما أن الإعلام الحديث لم يعد يقبل بالإعلامي العام أي الذي يقدم أي نوع من البرامج يطلب منه، فقد وجدت أنه من الأجدى الانتقال إلى وزارة البترول لأتولى مهمة مسؤول العلاقات العامة والإعلام البترولي وبالتالي أركز على موضوع البرنامج ولا أنشغل بغيره. لم يكن الانتقال سهلاً، ولا كان من الممكن للشيخ أحمد بن حامد والذي ربطتني به علاقات ودية حميمة وأصبحت بالنسبة له أحد أعمدة الإعلام في ذلك الزمن أن يتخلى بسهولة عني مهما كان السبب أو العذر أو المبرر. كان قرار الانتقال بالنسبة لي نهائياً، وساعدتني الظروف على تحقيق ذلك القرار. فأولاً: وصل صديقي وزميل العمل الأخ سعيد الغيث إلى منصب وزير الدولة للإعلام، أي أنه ينوب في الموافقة على قرار النقل عن الشيخ أحمد بن حامد والذي كان في إجازة خارج البلاد. وثانيا: شغرت وظيفة اقتصادي في وزارة البترول وصار بالإمكان الانتقال إليها. ولقد تفهم الأخ سعيد الغيث والأخ عبد الرحمن الرستماني الذي كان مديراً لشؤون الموظفين الاتحادية أهمية القرار بالنسبة لي فوافقا عليه وتمكنت بالفعل من الالتحاق بوزارة البترول والثروة المعدنية قبل صيف عام 1975. كانت وزارة البترول والثروة المعدنية إحدى الوزارات الموجودة في مجمع الوزارات القريب من فندق انتركونتننتال وكانت تلك الوزارات عبارة عن فلل صغيرة جدران أسوارها متلاصقة. أذكر من هذه الوزارات، وزارة الاقتصاد، ووزارة التخطيط ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية. وبسبب كثرة المراجعين لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية فقد كان موقف السيارات يمتلئ دائما بسيارات أولئك المراجعين وكانت الحركة مستمرة حتى نهاية الدوام الرسمي. إنشاء قسم للإعلام البترولي في الوزارة كان مهمة صعبة حيث لم تكن في المبنى مساحة ولا غرف كافية، ففي غرفة واحدة كان يتجمع عدة موظفين، ولم يكن بالإمكان لإدارة الإعلام التي خططت برامجها ونشاطاتها أن تنطلق من مكتب عادي وقد وجدت الحل المناسب عندما طلبت من معالي الدكتور مانع العتيبة أن أحول جراج سيارته المنفصل عن مبنى الوزارة الرئيس إلى مكتب ومكتبة ومكتب للسكرتيرة. وافق معاليه وخلال أسبوع كان هناك مبنى منفصل عن الوزارة يحمل لافتة مكتوب عليها إدارة الإعلام البترولي. وهكذا بدأت مسيرة الإعلام البترولي، وعدت من جديد إلى الإذاعة والتلفزيون من خلال برنامج “الذهب الأسود” الذي لم أتوقف عن إعداده وتقديمه منذ بدأ عام 1971 حتى توقف في عام 1991. جميع الوزارات في ذلك المجمع كانت أبوابها تفتح على ساحة خالية في الوسط، وكان البحر قريباً من مقر الوزارة غربا، وكثيرا ما كنت أخرج من باب الوزارة لأمشي على رمال شاطئ قصير وأتنفس هواء البحر وأتابع القوارب التي تجول في المنطقة. وبالقرب من الوزارة كانت هناك إدارة للقوات المسلحة تابعة لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي والقائد العام للقوات المسلحة تفتح أبوابها باتجاه فندق انتركونتننتال، وكنت باستمرار أزورها للالتقاء بالأخ حمدي تمام الذي كان المسؤول الإعلامي فيها. الأخ حمدي تمام من أسرة الإعلام، بدأ معنا كصحفي في جريدة “الاتحاد”، ثم تخصص فيما بعد وانتقل إلى الدفاع. كنت سعيداً جداً بالاستقلالية التي حصلت عليها بتحويل جراج سيارة الدكتور مانع العتيبة إلى مكتب لي، ومكتب للسكرتيرة ومكتبة للأفلام والوثائق والكتب والصحف والمجلات والصور الفوتوغرافية. وخلال السنة الأولى تحول ذلك المكتب إلى خلية عمل حيث يلتقي الإعلاميون وتعد البرامج والتحقيقات الصحفية ويستقبل مراسلو وكالات الأنباء والصحف العالمية. لم تكن الوزارات والدوائر الحكومية في السبعينات كبيرة في مساحتها ولا كان عدد المكاتب فيها كبيراً، ولكن دعوني أقرر حقيقة يجب أن يفتخر بها الجيل الذي أمثله، كان الإنتاج كبيراً، وكان جميع العاملين في هذه الوزارات والدوائر الحكومية يعملون بحماسة كبيرة وكأنهم في سباق مع الزمن وفي معركة حقيقية. جميعنا كنا نرى القائد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله وهو يصحو من أذان الفجر، ليبدأ نشاطه وجولاته ويعطي تعليماته ويوجه المسؤولين إلى جميع ما من شأنه بناء دولة قوية. كان يزور المدارس والوزارات ويلتقي بالعاملين فيها، حضر أكثر من مرة إلى وزارة البترول والثروة المعدنية وكان لي شرف الترحيب به وإلقاء أكثر من قصيدة في حضوره. كذلك كان ولي عهده صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان لا يترك مناسبة ولا يفوّت فرصة للعمل على تحقيق برنامج واضح المعالم مدروس بعناية ودقة. أما الوزراء فكانوا حقيقة أول من يحضرون وآخر من يخرجون وأسجل هنا للتاريخ، لم أقصد في يوم من الأيام أي وزير أو مسؤول لأجده غائباً أو متأخراً في الحضور. كان مفهوم العمل أنه تكليف وليس تشريفاً، أما اجتماعات مجلس الوزراء فكان الإعداد لها إعداداً مكثفاً. نحن في وزارة البترول على سبيل المثال كنا نساعد جميعاً مكتب الوزير على إعداد التقارير وجمع المعلومات التي يحتاج إليها الوزير في اجتماع مجلس الوزراء والذي كان أشبه بمجلس محاسبة يقدم فيه كل وزير كشف حساب عن النشاط الذي قامت به وزارته. وبهذه الروح بنيت دولة الإمارات العربية المتحدة وبهذا الجهد الصادق تمكنت من الوصول إلى هذا المستوى العظيم الذي وصلت إليه. حتى أعمال التشييد والبناء، لم تكن تتم في ساعات النهار وتقف بعد حلول الظلام. بل إنها كانت لا تتوقف ليلا ولا نهارا حتى يتم الانتهاء منها كليا. لم يكن عددنا كبيرا، بل كان قليلا جدا، ولكن كان الإنتاج كبيرا. على سبيل المثال، مجلة “أخبار البترول والصناعة”، وكانت تصدر شهريا عن الوزارة، كم كان عدد العاملين فيها؟ العاملون كانوا، شخصا واحدا، هو الأخ محمد السطري هو مدير التحرير، وهو المحرر، وهو المصور، وهو المتابع للمطبعة وهو الموزع للمجلة بعد صدورها. الدائرة الاقتصادية، لم تزد عن اثنين، الشيخ محمد القاسمي والأخ جمال وادي الرمحي. دائرة الثروة المعدنية، الأخ ناصر الشرهان وحده. الدائرة المالية، الأخ عوني عباس وحده. ولم تكن وزارة البترول مثالا فريدا، بل جميع وزارات ودوائر الدولة كانت كذلك. ومن خلال اطلاعي الشخصي، أسجل أن جريدة “الاتحاد” وهي جريدة يومية، كانت تعتمد على أشخاص قليلين في إصدارها، وكذلك كانت وكالة أنباء الإمارات. على سبيل المثال: الأخ عباس طرابيلي، كان يكتب في أكثر من مجال ويتابع الأخبار في أكثر من موضوع على الرغم من أنه متخصص في المجال الاقتصادي. وكالة أنباء الإمارات بقيادة الأخ إبراهيم العابد بدأت في قاعة صغيرة وبعدد محدود من المراسلين ولكنها منذ بدأت استطاعت أن تكون مصدرا عالميا مهما للأخبار ينافس وكالات عريقة كرويتر والأسوشويتدبرس وغيرها. ولم يكن غريبا أن تستقطب وكالة رويترز موظفاً نشيطاً في وكالة أنباء الإمارات هو الأخ روحي عبيدو الذي استطاع الوصول إلى مركز قيادي مرموق في تلك الوكالة بفضل النجاح الذي حققه في وكالة أنباء الإمارات. إنني أتحدث عن زمن جميل، لم تكن فيه وسائل العمل قد وصلت إلى ما وصلت إليه الآن، حيث دخل الكمبيوتر إلى جميع الأعمال وناب وحده عن مئات الموظفين. ولكن على الرغم من غياب الكمبيوتر، وعلى الرغم من عدم وجود الإمكانات التقنية الحالية إلا أن إنتاجية العاملين كانت قياسية وبكل المعايير. والسبب كان كما أشرت الحماسة التي زرعتها فينا القيادة، وجعلتنا نصل الليل بالنهار لنتمكن من مواكبة خطوات القائد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه وولي عهده الأمين وجميع حكام الإمارات الذين كانوا يقدمون المثل الأعلى في النشاط والعمل لجميع العاملين معهم وفي ظل قيادتهم. كان الشعار الذي رفعه الجميع في ذلك الزمن هو بيت الشعر الذي يقول : تعيرنا أنا قليل عديدنا فقلت لها: إن الكرام قليل - ?أعمال التشييد والبناء لم تكن تتم في ساعات النهار وتقف بعد حلول الظلام بل إنها كانت لا تتوقف ليلا ولا نهارا حتى يتم الانتهاء منها كليا
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©