الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شاعر يقطع ليله بالسكين

شاعر يقطع ليله بالسكين
14 ابريل 2010 19:46
يواصل الشاعر السوري الشاب، فادي سعد (مواليد 1973)، رفد الشعرية العربية بدم متجدد وقصيدة تحمل ثورة البركان من المعاني والانزياحات الجميلة والصور التي تنتصر لليومي والهامشي والملتقط بعين الصقر الجارح الذي لا يهمل التفاصيل الدقيقة من حياة الإنسان المقهور والمغترب في الأوطان البعيدة بعيداً عن دفء الأم وتراب الطفولة. إنسان تتقاذفه أمواج البحر، إنسان لاهث يصرخ في البرية من دون جدوى ولا هدف، وبذلك نرى الشاعر يهتم باليومي العميق والمؤلم وأسئلة الناس في الحياة والوجود وتلك رسالة الشاعر الأبدية وهمّ الشعر الحق الذي يطارد حيوية السؤال الأنطولوجي للكائن البشري. في ديوان فادي سعد الموسم ب “يقطع الليل بالسكين” والصادر عن دار الغاوون، 60 قصيدة كتبت بنفس سردي. نستشف من قصيدته الأولى “المرأة” أن هذا الشاعر محبط الأحلام، يكتب نصه على إيقاع الرعب والكوابيس و يعيش حياة اللاجدوى، المليئة بالانكسارات والمواجع فهو يقول في قصيدته “الأم”: “يتفرج على حياته في المرأة. ولد شيخاً من رحم أمه العجوز. كان يصفر كل عام، ويزداد شعره سواداً. لما بلغ منتصف العمر، ندم على ما لم يفعله. دهمه الشباب، ذاق فيه صخب الطيش واشتاق إلى أيام الحكمة. بدأت معالم الطفولة تزحف نحوه، حتى وجدوه نطفة تائهة في غياهب الرحم”. ينحت الشاعر فادي سعد نصه الشعري بأدوات حادة، عنيفة ينبعث منها الدم، وتفوح منها رائحة البارود والحرب وما تختزله من آلام وقتلى وصراخ أطفال، وهذا ليس غريباً على واقع ينغل بالحروب والطغيان والإرهاب. قصائده تحبل بالصور والمعاني العنيفة التي لا تهادن ولا تقرأ بمزاج وردي هادئ، نصوص لا تحسسنا بالهدوء والسكينة إنما ما يحيل على الموت والقلق والعزلة والرعب، فشاعرنا يلفظه الواقع إلى شوارع العالم المزدحمة كأناس لا جدوى منهم، وهم يهرعون من اللامكان نحو اللاجدوى. من حلب الى شيكاغو نصوص فادي سعد تغازل الموت وتنصت إليه برهافة أحاسيس منكسرة، موبوءة، فشاعرنا الذي هاجر من بلده حلب الهادئة إلى مدينة شيكاغو العملاقة ليمارس مهنة الطب هناك، يقف أمام مريضه الذي يعيش آخر اللحظات من حياته ليسرد لنا تفاصيل تلك الحياة الصعبة التي تختزل عمر الشخص في لحظات، وتعبر خلالها مثل شريط تلفزيوني باهت جداً حين يقول: “وقف رجل ذو بذلة بيضاء أمام سرير مريض يحتضر. غزيراً كان المطر، والممرضة تحقن جرعة المورفين. وقف منصتاً إلى هسيس الموت القادم من جدران حنجرة رطبة، حشرجة جميلة. فوق السرير، على الحائط، صورة طفلة تنتظر أباها، وأغطية السرير كانت شاحبة، والوجه تحتها مائل إلى الصفار. تبتسم الممرضة للحائط ثم تصرخ في وجه الرجل ذي البذلة البيضاء، لماذا لا تفعل شيئاً؟ وهي تحقن جرعة المورفين. علينا احترام الموت، يجيبها بوقار. علينا احترام الموت، يجيبها مكتوف الأيدي. يهتزّ طرباً السرير، سيتخلص قريباً من حمله الثقيل. ما كان سيحدث لو لم يمت ملايين القردة قبلنا؟ يقول الرجل ذو البذلة البيضاء. ألن تصبح الأرض حديقة حيوانات مزدحمة؟ لماذا أنت هنا، إذاً؟ تسأل الممرضة. الموت حاضر بقوة في قصائد فادي سعد بوصفه الدقيق له، وفي أشد لحظاته حرجاً. لأجعل الموت مريحاً. أطعميه، قبل أن يرحل، قطع الشوكولاتة هذه فيستريح، نصفها محشوّ بالفاليوم ونصفها الأخير بالأفيون. وبالمناسبة، لماذا لا تخلعين ثيابك يا حلوتي؟ فعلينا زرع ابتسامة على وجوه المحتضرين، يغمز الرجل ذو البذلة البيضاء”. يحبل ديوان “يقطع الليل بالسكين” بالكثير من الكلمات التي تحيل على الموت والضجر والقسوة والانتحار والكآبة والغيوم وكلها أشياء تعيش معنا يومياً. في نصه “معركة” يقول فادي سعد: “كانت صورة ما زالت ترسم بعد، تهدج في ساعات صبيحة باردة على رصيف لوحة فارغة. أصابعها مرصّعة بخواتم مزيّفة، كأصابع ساحرة عجوز. لماذا لا تخلعين هذه الأصابع الكاذبة كلها؟ يصرخ في وجهها أحد العابرين. تدعوها كلمة ذات جسد ممشوق ومقدّمة بارزة جدا لمبارزة عادلة (حسب رأيها): من منهما يستطيع كسب قلب ذاك الرجل الوحيد. تعاركتا طويلًا، لسنوات وسنوات. كانت معركة قذرة، سقط فيها ألوف الضحايا، وقتل فيها ـ خطأ ـ الكثير من الشعراء”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©