الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أزمة أوروبا المالية... فرصة للنفوذ الألماني

أزمة أوروبا المالية... فرصة للنفوذ الألماني
1 مارس 2012
طيلة السبعين سنة الماضية تقريباً ظل طموح ألمانيا الأكبر ألا يكون لها طموح كبير، فبعد خسارتها الفادحة في حربين عالميتين وارتكابها لمجزرة مروعة عكفت البلاد في المرحلة اللاحقة على بناء نفسها والعودة مجدداً إلى الحظيرة الأوروبية مكتفية بالتركيز على تأهيل اقتصادها المتداعي بعد الحرب، وفي الوقت نفسه ترك أمور قيادة أوروبا إلى دول أخرى مثل فرنسا، والحقيقة أن المسعى الألماني أثبت نجاحاً مبهراً إلى درجة أنه من مفارقات التاريخ الكبرى عودة ألمانيا إلى ما كان يُفترض ألا تصل إليه وهو الهيمنة على أوروبا، فبعدما أصبحت ألمانيا الدولة الأغنى في القارة والأكبر من حيث الكثافة السكانية، بالإضافة إلى تحكمها في أدوات التمويل بدل آليات الحرب، تحولت ألمانيا إلى زعيمة أوروبا المتوجة لتقود القارة وسط أزمة الديون المستفحلة والوضع الاقتصادي المتدهور. لكن هذا التحول في مكانة ألمانيا داخل أوروبا دونه العديد من المشاكل، فقد أثار صعود ألمانيا غير المقصود شعوراً بعدم الارتياح والتململ ليس فقط لدى الجوار المتخوف، بل أيضاً بين الألمان أنفسهم الذين لم يتعودوا رؤية بلادهم في القيادة، وهو ما يعبر عنه "أولريك جيرو"، الباحث البارز في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ببرلين قائلًا: "لدينا نحن الألمان علاقة ملتبسة مع السلطة التي لم نحسن التعامل معها قط"، ومع ذلك لا يمكن إنكار الدور الألماني الملح في الشؤون الأوروبية بعدما بات مصير اقتصاد قارة بأكملها بين أيدي ألمانيا التي تقود حالياً جهود إنقاذ اليونان الغارقة في الديون ومنع سقوطها ومعها باقي دول منطقة "اليورو". ففي يوم الاثنين الماضي قادت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، توافقاً حول خطة الإنقاذ الثانية لليونان بحوالي 175 مليار دولار داخل البرلمان الألماني، وهي الخطوة التي تثير انقسامات كبيرة بين دافعي الضرائب الألمان، الذين سيكون عليهم دفع أكثر من نصف الفاتورة. ومع ذلك يواصل أوباما وباقي القادة مطالبة ألمانيا بمساهمات أكبر لصندوق الإنقاذ الأوروبي الدائم لوقف أزمة الديون المستمرة، رغم أن ميركل نفسها تقاوم هذه الضغوط، والمشكلة أن الدور القيادي الذي فُرض على ألمانيا دون أن تكون قد سعت إليه يجعلها تخوض حقل ألغام محفوف بالمخاطر التي يفاقمها تاريخ البلد المثير للجدل، فألمانيا في هذه اللحظة تواجه وضعاً صعباً تلام فيه إذا بادرت بالتحرك كما تلام إذا لم تبذل ما يكفي من جهود، وأي حركة تقوم بها تُواجه بانتقادات تبحث عن إشارة ولو صغيرة يُشتم منها رائحة العدوانية، أو الفشل في تحمل المسؤولية. هذا الوضع الحساس يشعر به الألمان ويلخصه نائب وزير الخارجية، "مايكل جورج لينك"، قائلاً: "من المهم جداً وزن كل كلمة تصدر عنا، وحتى لو قمنا بشيء بحسن نية يمكن أن يفهم خطأ في أماكن أخرى، علينا دائماً استحضار تاريخنا السياسي". وفي هذا الإطار يلوم المنتقدون المستشارة الألمانية على طريقتها في التعامل مع الأزمة الأوروبية، وعلى الأسلوب الذي تعتمده وسط تنامي الشكاوى من تفشي مظاهر الهيمنة الألمانية، فالخطة التي تتبعها أوروبا لمعالجة مشكلة العملة الموحدة تحمل بصمات ألمانية واضحة بإصرارها على الانضباط المالي وإجراءات التقشف القاسية وإنزال عقوبات بالدول غير الملتزمة. وتستعد خلال الأسبوع الجاري الدول الـ27 المنضوية بمنطقة "اليورو" للتوقيع على اتفاق الانضباط المالي، الذي رعته برلين. ورغم الانتقادات المتصاعدة لخطة التقشف لتأثيرها السلبي على النمو الاقتصادي رفضت "ميركل" التنازل عن الخطة دون أن يتمكن باقي القادة من إقناعها بتغيير موقفها، وهو ما أشار إليه "جوزيف جوفي"، رئيس تحرير صحيفة "دي تسايت" الألمانية قائلاً: "لقد أصبحت ميركل ملكة أوروبا بلا منازع"، ويبدو أن المقولة القديمة عن أن ألمانيا عملاق اقتصادي لكن قزم سياسي قد، ولت من دون رجعة، فوفقاً لرئيس التحرير "نحن في عصر تتحول فيه القوة الاقتصادية إلى سلطة سياسية لذا ليس غريباً أن تتحول ألمانيا إلى عملاق سياسي". ومع ذلك ذُهل المراقبون سواء داخل ألمانيا، أو خارجها عندما سمعوا حلفاء ميركل السياسيين يقولون إن "أوروبا تتحدث الألمانية"، وهو التصريح الذي سارعت ميركل نفسها إلى نفيه. وفي نوفمبر الماضي استشاط المسؤولون الإيرلنديون غضباً، الذين انضمت بلادهم إلى الدول المستحقة للإنقاذ، عندما عرفوا أن نسخة موازنة بلادهم سبقتهم إلى الاطلاع عليها لجنة في البرلمان الألماني قبل كشفها على البرلمان الإيرلندي، وهو ما عزز التصور السائد في بعض الدول أن مستقبلها الاقتصادي لم يعد في يدها، بل ربما حتى المستقبل السياسي بات منفلتاً عن الدول، فكل من إيطاليا واليونان تفتخران بوجود رئيسي وزراء غير منتخبين ينسجمان مع ما تريده ألمانيا من تمرير لخطط التقشف وخفض الإنفاق. وفي الشهر الماضي أثارت ألمانيا مرة أخرى موجة من الذعر عندما اقترحت تعيين مفوض أوروبي تكون مهمته الاعتراض على بعض أجزاء الموازنة اليونانية، ومع أن الاقتراح لا يخلو من صواب بالنظر إلى فشل أثينا السابق في الوفاء بالتزاماتها، إلا أن مجرد طرحه في هذا الظرف ينم عن غياب للحس السياسي لدى ألمانيا، هذا الأمر أدركه "جيرو" من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية قائلاً "من حيث المضمون لا غبار على مقترح ميركل، لكن فيما يتعلق بالشكل نحن نقوم بأشياء لأول مرة دون سابق تجربة لذا نقع أحياناً في الأخطاء". هنري شو - برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©