السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الدروس الحقيقية لأزمة البرازيل

20 مايو 2016 22:23
لاشك أن الجماهير البرازيلية التي خرجت إلى الشوارع للاحتجاج على الفساد، كانت هي القوة الدافعة، حتى الآن، وراء العزل المؤقت لديلما روسيف من أعلى منصب في البلاد. ولكن اللافت للنظر أن قانون المسؤولية المالية، الذي انبنت عليه قضية محاكمة الرئيسة، لا يرتبط ارتباطاً مباشراً بالفساد. وعدم الارتباط هذا، هو الذي أجج الاحتجاجات المريرة من قبل أنصار روسيف، الذين يرون أنها كانت ضحية ل«انقلاب» تم تدبيرة من قبل خصومها السياسيين الفاسدين. ولكن مثل هذه الانتقادات تتغاضى أيضاً عن أهم درسين من دروس الأزمة البرازيلية الحالية: الأول، أن ديمقراطية البلاد قوية بما يكفي لجعل أصوات الناس مسموعة عندما يخرجون إلى الشوارع. والثاني، أن الأساليب المحاسبية غير الأمينة التي تستخدم للتغطية على الإنفاق التبذيري لأموال دافعي الضرائب، تشكل بالفعل جريمة يمكن أن تنهي رئاسة زعيمة البلاد. وكان المشرعون قد وافقوا في الثاني عشر من مايو، على محاكمة الرئيسة بتهم التلاعب في حسابات مالية، بهدف إخفاء حجم العجز في الميزانية، وهي تهمة قد تبدو حسب الظاهر، أخف وطأة من تهم الفساد وغسيل الأموال التي أسقطت العديد من كبار أعضاء حزبها الحاكم. ولكن الحقيقة أن الجريمة المالية التي ارتكبتها -من حيث مضمونها- ليست أقل خطورة في رأينا من تهم الفساد. وليس هذا فحسب بل إنها في تقديري تمثل جذر الورطة الاقتصادية البرازيلية الطاحنة الحالية. ولكن ينبغي القول مع ذلك إن كون رؤساء البرازيل القادمين سيتذكرون، بسبب وقائع وتداعيات هذه القضية، أنه من الممكن إزاحتهم من السلطة إذا لم ينفقوا بحكمة، يمثل خبراً جيداً بالنسبة للبرازيل. يشار إلى أن قانون المسؤولية المالية الذي بدأ تطبيقه في عام 2000 في الولاية الثانية للرئيس الأسبق فيرناندو إنريك كاردوسو، كان يتطلب أن تلتزم الحكومة المركزية، وحكومات الولايات، والبلديات، عند قيامها بتحديد أهداف الميزانية، بالتحديد الواضح للموارد التي سيمكن الحصول منها على التمويل اللازم لتحقيق تلك الأهداف. وفي جوهر القانون، يكمن مفهوم «الإيرادات الحالية» الذي يعني ضرورة توافر المستندات المدققة الدالة على الإيرادات المتحصلة خلال السنة المالية السابقة، والتي لا تستطيع الحكومة أن تنفق أكثر من 120 في المئة منها خلال السنة المالية الجارية. وإذا تم خرق هذا السقف لأي سبب من الأسباب، فإن الإنفاق يجب أن يعود ليصبح تحته مرة أخرى في بحر عام. وفي عام 2015 طلبت إدارة روسيف، من ثلاثة بنوك مملوكة للدولة دفع النفقات الشهرية اللازمة لتغطية نفقات البرامج الاجتماعية، من دون أن تودع لديها الأموال التي ستصرف منها البنوك تلك النفقات مقدماً كما تفترض الأصول المحاسبية. وهذا التأخير في تحويل الأموال اللازمة للبنوك، سمح لإدارة روسيف بأن تنفق على البرامج الاجتماعية على نحو أضخم كثيراً مما تصورت في ميزانياتها خلال الفترة ما بين 2012- 2014. وعندما أعيد انتخابها، ووفقاً لأرقام جهاز المراجعة الحكومي، بلغ حجم الأموال المنفقة بالمخالفة للحدود العليا المحددة 40 مليار ريال برازيلي (11,5 مليار دولار) خلال العامين المذكورين. ولوضع هذا الأمر في سياقه يكفي أن نعرف أيضاً أن حجم التكاليف التي تكبدتها شركة «بيتروبراس» العملاقة للنفط المملوكة للدولة، جراء مؤامرة الرشاوى التي أدت إلى سجن عدد من كبار المسؤولين في حزب العمال الذي تقوده روسيف، قد قدرت بـ29 مليار ريال برازيلي في العام الماضي. ولتمويل هذا الإنفاق الهائل، اضطرت حكومة روسيف للسعي للحصول على المزيد من الديون التي تراكمت إلى أرقام خيالية، بحيث بلغت مخصصات خدمة الدَّين في عام 2014 وفق أحد المواقع المتخصصة، 45 في المئة من مجمل الإنفاق الحكومي. والطريقة الوحيد لعكس هذا الاتجاه، هي التوقف عن المزيد من الإنفاق، وهو ما يعود بنا إلى السبب الذي دعا في الأصل إلى تفعيل قانون المسؤولية المالية، وهو حماية الإدارات الرئاسية من الاضطرار لتحمل أعباء الإنفاق الشعبوي للإدارات السابقة، وضمان توازن مالي مستدام. وهذا هو التحدي الذي يواجه الآن حكومة ميشال تامر نائب روسيف، وكذلك من سيتم انتخابه بعده لرئاسة البلاد. * كاتب أميركي متخصص في الشؤون الاقتصادية والمالية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©