الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصين.. رائدة السيادة الرقمية

20 مايو 2016 22:24
في انتهاك محرج ورفيع المستوى لأمن المعلومات الشخصية تسربت أسماء وعناوين وأرقام بطاقات الهوية القومية لأعضاء من الصفوة الصينية على تويتر يوم 12 مايو. ونشر حساب يعني اسمه بلغة الماندرين الصينية «بطاقة هوية» معلومات شخصية عن أفراد بارزين من الحكومة الصينية وأقطاب الأعمال الاقتصادية مثل «وانج جيان لين» و«جاك ما» و«فانج بن شينج» مبتكر «ذي جريت فايروول أوف تشاينا». وكشف التسريب هذه المعلومات لما يزيد على 300 مليون مشترك نشط على تويتر. وقد ظلت تواريخ الميلاد وأسماء أفراد الأسر والعناوين المسربة متاحة أمام مستخدمي تويتر لما لا يقل عن ساعة مصحوبة برسالة جاء فيها «هل تدهشك هذه المعلومات؟ آمل أن تجعل هذه المعلومات أهل البلاد يفكرون. الخصوصية الشخصية في الصين بلا قيمة». وأوقف موقع تويتر الحساب بسرعة. ولم تتحدث وسائل الإعلام الصينية عن التسريب، ورفض أيضاً متحدث باسم وزارة الأمن العام الصينية التعليق. وعلى رغم صمت بكين فمن المرجح أن الحكومة بدأت بالفعل تحقيقاً لكشف هوية القائم بعملية التسريب، ولتطوير بروتوكولات إنترنت لحماية المعلومات الشخصية لأعضاء حكومة الصين وكبار رجال الأعمال. وربما يكون مصدر التسريب من خارج الصين من جماعة من نشطاء القرصنة على الإنترنت أو من معارضين محليين أو حتى من حكومة أجنبية. ولكن هذا التسريب قد لا يزيد أيضاً عزم الصين إلا قوة على حماية فضائها الرقمي. وبعد التسريب، تزايد شعور أفراد الصفوة الصينية بأن حياتهم الشخصية عرضة للهجوم. وبكين مصممة على السير في طريق تعريف السيادة الرقمية وإضفاء المشروعية عليها. والمقصود بالسيادة الرقمية هو حق كل دولة في أن تطبق أفكارها وقوانينها في فضائها الرقمي. وهذه الفكرة جذابة بشكل خاص للدول التي تعتقد أن الأفكار والشركات الغربية تسيطر على السيادة في الإنترنت في الوقت الحالي. وتزايد انتقاد الحكومة الصينية لما تعتبره هيمنة أميركية على الإنترنت. وفي الوقت نفسه عززت الصين وروسيا تعاونهما في عدة مبادرات لاستعادة السيطرة على الفضاء الرقمي. وفكرة سيادة الإنترنت يطبقها عدد من الحكومات منذ سنوات بمراقبة المحتوى الذي يعتبر غير أخلاقي دينياً أو غير مقبول اجتماعياً. ولكن في الآونة الأخيرة، ربما بدأت الصين تعزز فكرة السيادة الرقمية بشكل سلطوي على أعلى مستوى من الحكومة. وفي عام 2014، كتب «لو وي» مدير «إدارة الفضاء الرقمي الصينية» مقال رأي بعنوان «السيادة الرقمية لابد أن تحكم الإنترنت العالمي». وفي المقال قدم مقترحاً للاحترام والتعاون المتبادلين في الفضاء الرقمي بين الولايات المتحدة والصين. وبعد ذلك بعام، في افتتاح مؤتمر الإنترنت العالمي الثاني في مدينة «وجين» الصينية ألقى الرئيس «شي» كلمة صرح فيها بوضوح تام بأن كل بلد له الحق في حكم الفضاء الرقمي بالطريقة التي يراها ملائمة. وفي الشهر الماضي اجتمع «لو وي» و«فانج بن شينج» مع نظرائهم الروس في موسكو لتبادل الخبرات في حجب المواقع والمحتوى الذي ترى الحكومة أن إطلاع الجمهور عليه غير ملائم. وقد سمحت الحكومة الروسية تقليدياً لمواطنيها بدرجة كبيرة من الحرية على الإنترنت ولكن الرئيس فلاديمير بوتين شدد الحملة ضد التأثيرات الغربية في روسيا. وفي تناقض صارخ مع الموقف الروسي التقليدي تصدرت الحكومة الصينية مشهد الرقابة على المحتوى لأكثر من عقد. وزعماء الصين يعتبرون بلادهم حالة خاصة. ومع النمو السريع للتصنيع الذي تشهده الصين منذ 35 عاماً، يشعر البعض في الحكومة الصينية بالقلق من عالم يتقدم بمعدل يعتبرونه أسرع من أن تستوعبه الثقافة والمجتمع الصيني التقليديان. وعلى سبيل المثال، حظرت الصين على مستخدمي الإنترنت في الآونة الأخيرة الأكل بطريقة مستفزة أثناء الاتصالات المصورة المباشرة. ورغم أن أحدث حظر تفرضه الصين قد يبدو مضحكاً أو مبالغاً فيه عند البعض، ولكن الحظر في الواقع يلخص وجهة نظر بكين عن السيادة الرقمية. وبكين تعتقد أن الفضاء الرقمي يتعين أن يحترم الثقافة والتقاليد وحكم الفضاء المادي الواقع في حدود البلاد. ومفهوم السيادة الرقمية جديد نسبياً في الدبلوماسية الدولية وستستغرق الحكومات والدبلوماسيون بعض الوقت لاستيعاب المفهوم والاتفاق على إطار عمل منظم. والصين ترفع مستوى أهمية سيادتها الرقمية إلى نفس مكانة السيادة المادية على أراضيها. ومن الواضح أن الحكومة الصينية تعلمت من مخاطر حرية الإنترنت التي قد تتسبب في الإطاحة ببعض الأنظمة الحاكمة كما حدث فيما سمي ثورات «الربيع العربي» في الشرق الأوسط، ولكن بكين مصممة على ألا تدع التاريخ يكرر نفسه على أراضيها. * باحث في الاقتصاد السياسي الدولي بجامعة نانيانج التكنولوجية في سنغافورة ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©