الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كاشفة الأسرار

كاشفة الأسرار
14 ابريل 2010 19:54
ما يعنينا في الخمريات صور الجمال الشعري في الوصف الحسي والشعوري معا، فنتتبع دقائقه كما وردت فى كتاب المشروب للسريّ الرفاء، والمؤلف لا يعلق على الأبيات إلا نادرا، بل يوردها متتالية في تبويب طريف غير مسبوق، فيمعن فى استقصاء ما قاله الشعراء عن مختلف أشكالها؛ يتابع ما قيل فى مزج الخمر وتصاعد حبابها بقول ابن المعتز: أحداقها فضّة مجوَّفةٌ نواظرٌ ما لهنّ أشفارُ يلمع فيها من كل ناحية كوكب نورٍ إليك نظارُ فالفقاعات قد صارت حدقات فضية، ترنو إلى من ينظر إليها، ولكن بدون أشفار ورموش، يتراءى من كل نواحيها كواكب منيرة تنظر بقصد من يرمقها. أما الشاعر الرقاشي فيقول: ترى الكأس عند المزاج كأنما نثرت عليه حَلْىَ رأسِ عروسِ فتهتك أسرار الضمير عن الحشا وتبدى من الأسرار كلَّ حبيسِ فيجمع بين شكل الحباب، وكأنه نثار فضة تبذر على رأس العروس، في طقس قديم يوحي بالثراء، وبين تأثيره في ضمائر الشاربين، حيث يهتك أسرارهم الكامنة ويطلق هواجسهم الحبيسة. وإذا كان من العسير أن نعثر على الرابط بين هاتين الصورتين؛ الحسية والمعنوية، على سطح العبارة، فإن فكرة التحرر وإطلاق العنان لإشباع الرغبات المكبوتة يمكن أن تمثل البنية الدلالية العميقة لكلتا الصورتين. إلى جانب اعتبار الخمر هي العروس التي تحتضن شاربها وتحتفى ببوحه. ويقول السري: مثل ثوب العقيق حتى تبدت واكتست من حبابها إكليلا ترسل الماء حين يرسلُ فيها مثلما يلزم الخليلُ الخليلا فيضفي على مزاج الخمر مسحة طريفة، فهي تبدو مثل ذوب العقيق في انصهارها وتصاعد الحباب فوقها كأنه إكليل يتوجها، لكن المدهش فيها هو خاصية الرفاء والألفة عندما يلزم الماء المرسل فيه دون أن يفارقه، كما يلزم الأخلاء بعضهم بعضا بود ومحبة. ثم يورد السري قول شاعر آخر دون نسبة، فيتدارك عليه المحقق بأنه ابن المعتز. ويبدو أن السري كان يعرف ذلك، لكنه لا يريد أن يكرر الاستشهاد المتوالي من أبيات شاعر واحد لأن النص التالي لابن المعتز أيضا. ويقول فيه: ونارٍ قد حناها سراعًا بسُحرة متى ما تُرِقْ ماءً عليها توقدِ يجول حباب الماء في جنباتها كما جال دمعٌ فوق خدِّ مُوَرَّدٍ والمفارقة هي تمثيل الخمر في اللون بالنار، لكنها نار عجيبة إذا ما قدحت في السحر وصببت عليها الماء أخذت تتوهج وتتقد، وتضطرب جوانبها بالحباب كما يجول الدمع فوق خد وردي. ثم يتفنن ابن المعتز في إضافة تفاصيل أخرى: حمراء لو قيل ما احمرَّت مُورّةً طافت عليها فسرّت كل مهموم كأن في كأسها والماء يقرعها أكارع النمل، أو نقش الخواتيم فإذا تركنا اللون الوردي فإن تشبيه حبابها عند انصباب الماء عليها بكل من سيقان النمل أو نقش الخواتيم يقدم صورا لا نظير لها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©