الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الدلالات الرمزية وسمات الهوية والثقافة

الدلالات الرمزية وسمات الهوية والثقافة
14 ابريل 2010 20:01
تعاني الدراسات الأنثربولوجية في عالمنا العربي من نقص شديد في كم النوعيات والبحوث، خاصة منها تلك التي تسهم في إثراء جانب من الجوانب الدقيقة التي تمس الأعراف والعادات الاجتماعية في مناحي من حياتنا كتلك المرتبطة بالملابس والزي، هذه الدراسات النوعية ـ على قلتها ـ تقدم أنماطاً ومظاهر محددة تشكل سياقات ثقافية مهمة تفتح أبواباً من المعرفة لا حدود لها لفهم الشعوب وعاداتها الاجتماعية. فالملبس وغيره من الأشكال في موروثنا وعاداتنا يتمايز من بيئة ومن حضارة لأخرى ومن زمن وتاريخ لآخر، فإذا كان في الجزيرة العربية يسمى غطاء الرأس عند الرجل بالعقال أو الغترة فإنه في مكان مغاير وبشكل مختلف يطلق عليه اسم آخر، وان كانت المرأة في الصين تعتمر قلنسوة فإنها في أقصى الغرب تضع عصابة أو قبعة، فوارق بسيطة، وفي بعض المرات جلية، من حيث اللون والشكل وطبيعة نسيج القماش، لكنها تعطي سمة ثقافية وطابعاً متفرداً لبلد دون آخر ومجتمع عن غيره، وحتى حين نتتبع نفس الأشكال داخل البلد الواحد نفسه فإننا نجدها تتغير أيضاً. هذا ما يدور حوله كتاب “غطاء الرأس في التراث الشعبي والعربي” لمؤلفه محمد رجب السامرائي، حيث يشكل هذا الكتاب إضافة نوعية في محتواه ومضمونه وموضوعه، فالكتاب الصادر عن نادي تراث الإمارات والمطبوع في عام 2009 يتحدث في ثلاثة فصول عن السياقات العامة للغطاء كهوية ثقافية وحضارية ورمزية للشعوب عبر التاريخ، ويؤطر الباحث عبر مجموعة من المراحل الزمنية لنقاش هذه الظاهرة وتبايناتها عبر العصور والأمكنة، حيث كان للإنسان الأول في العصور القديمة نتيجة لعلاقته مع الطبيعة ملابسه التي استوحاها منها وهي من الجلود وورق الأشجار، وفي مراحل لاحقة بعد معرفته للحضر كبداية تشكل للامبراطوريات والممالك تعرف على النسيج والحياكة كمرحلة أكثر تطوراً. ففي الحضارات القديمة اعتمر الرجل خوذة حامورابي كما في الحضارة السومرية، كما تقلد الفراعنة الغطاء الحديدي، وهي أدوات ذات طابع خشن نتيجة لشراسة الحروب التي كانت تدور رحاها آنذاك، فكانت هذه الوسائل جزءاً من الملبس للرجل ودرع وقاية له. وفي تناوله لغطاء الرأس عند العرب ساق الباحث الاختلاف من ناحية المكانة الاجتماعية والتراتب الطبقي، حيث كانت قبل الإسلام ترمز العمامة للرفعة والشرف، ولم يكن للعبيد نصيب منها، كما أحتفظت في فترة الإسلام بحمولتها الرمزية كلواء، وسرد مجموعة من الوقائع التاريخية من التراث في هذا المجال كحكاية أنس رضي الله عنه عند دخول النبي عليه الصلاة والسلام عام الفتح وعلى رأسه المغفر، كما كانت له عمامة سوداء تعرف بالسحاب. وقدم مقاربات في حضارات أخرى على مستوى التأسيس الاجتماعي يدخل الغطاء فيها في تمييز التراتبية الطبقية، حيث للأشراف والسادة والقادة في بعض الأماكن ما يميزهم في غطاء الرأس عن الآخرين. واستطرد في حديثه ليتناول الفوارق في الأشكال والألوان والأسماء و عينات التطريز وأنواعها والمنسوجات القماشية والتنميق بالمعادن وإلى غير ذلك، والاختلاف بين الغطاء عند الرجل وعند المرأة وفي ملابس الأطفال أيضا. وتطرق للتشابه وعمليات التأثر بحكم الجوار التي تمليها فرضيات التقارب في الحيز الجغرافي الواحد، حيث تتأثر أشكال بأنماط أخرى بحكم الاحتكاك. والصورة العامة التي يخلص لها الكاتب في هذه الدراسة هو أن غطاء الرأس على مر العصور وفي ظل كافة سياقاته المكانية والزمانية ظل صورة لهوية الشعوب تعكس توجهات البيئة والمجتمع، فالغطاء كحالة متفردة بأبعاده الدلالية والقيمية عند الشعوب يحمل تجليات تحدد التباينات في سمات الهوية والثقافة، لأن الخامات المشكلة له هي جزء من الموروث الخاص بالمجتمع في سماته المتفردة، ينبني عليها الإطار الفلكلوري العام الذي يميز ثقافة عن أخرى.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©