الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مأساة الطائرة البولندية...أسئلة ضبابية

مأساة الطائرة البولندية...أسئلة ضبابية
14 ابريل 2010 21:19
لقد عمت مشاعر الحزن جميع البولنديين بسبب مأساة تحطم الطائرة الرئاسية في تلك الغابة القريبة من مدينة سمولنسك الروسية، والتي راح ضحيتها الرئيس البولندي وقرينته، إضافة إلى مصرع 94 آخرين من كبار قادة النخبة السياسية البولندية. وكان هؤلاء المسؤولون في طريقهم إلى تلك الغابة من أجل إحياء الذكرى السبعين لمقتل ما يقدر بحوالي 22 ألف جندي بولندي على يد قوات الشرطة السرية السوفييتية عام 1940. ولكن وراء مشاعر الحزن الطاغي هذين اليومين، يثير البولنديون السؤال الذي لا مفر منه: ما الذي تسبب في تحطم الطائرة الرئاسية؟ في الإجابة على هذا السؤال، نبدأ أولاً بالطائرة نفسها، وهي أبعد ما تكون عن وصفها بالحديثة. فالطائرة من طراز "توبيلوف" روسية الصنع، وظلت في خدمة القصر الرئاسي البولندي منذ عام 1972. غير أن المسؤولين يؤكدون أنها كانت بحالة جيدة وتخضع للصيانة المستمرة. أما الجانب الآخر من الإجابة فيتعلق بأمن المطار الذي تحطمت فيه الطائرة. فالمعروف عن ذلك المطار أنه لا يستخدم إلا لمناسبات خاصة جداً، وتثور الشكوك حول مدى أمنه وسلامته. ومع ذلك كان رئيس الوزراء البولندي "دونالد تسك" قد هبط في المطار نفسه قبل ثلاثة أيام فحسب من تحطم الطائرة الرئاسية، ولم تواجهه أي صعوبات أو مهددات لأمنه وحياته. وكان الغرض من زيارة رئيس الوزراء هذه، مقابلة نظيره الروسي فلاديمير بوتين في مقابر "غابة كاتين"، التي دفن فيها ضحايا الرعب السوفييتي من الجنود البولنديين والروس على حد سواء. من الاعتبارات التي تم التركيز عليها في محاولة تفسير ملابسات سقوط الطائرة، كثافة الضباب الذي غطى مدينة "سمولنسك" في الساعات المبكرة من صباح اليوم الذي تحطمت فيه الطائرة. يجدر بالذكر أن المطار لم يكن مزوداً بالتكنولوجيا اللازمة لتوجيه الطائرات في حالات كثافة الضباب هذه. وفيما يبدو فقد ساهمت هذه العوامل جميعها في حدوث الكارثة، مع صعوبة تسبب أحدها بمفرده في إحداثها. بيد أن هناك عاملاً إضافياً كان له إسهامه الإنساني في هذه الدراما. والمقصود بذلك شعور الرئيس "ليش كازينسكي" بأن اللقاء الذي جمع بين رئيس وزراء البولندي ونظيره الروسي في "غابة كاتين" نفسها قبل ثلاثة أيام لم يشمله. وحسب التقارير الصحفية التي بثت فيما بعد الكارثة، فإن لدى "كازينسكي" شعوراً قوياً سيطر عليه بأن رئيس الوزراء سرق منه الأضواء في ذلك اللقاء، وأن الرئيس لم يتمكن من مقاومة شغفه بالتعويض عن الأضواء التي سرقها منه خصمه السياسي هناك. وطوال فترة العهد السوفييتي نسبت تلك المذابح والفظائع الجماعية التي شهدتها "غابة كاتين" إلى الجنود النازيين. وعليه فقد كان على البولنديين التزام الصمت على تلك الفظائع التاريخية، مع عدم القدرة على الاحتجاج على إنكارات مرتكبيها الحقيقيين. وكان القصد من إحياء ذكرى تلك المجزرة هذا العام، إقامة المناسبة السنوية، وبدء التعافي من ذلك الألم النفسي، الذي صحبها لعدة عقود. لكن وبدلاً من حدوث ذلك، فقد جلبت المناسبة لبولندا كارثة لا تصدق ولم يكن ممكناً تصورها مطلقاً. يذكر أن تلك الرحلة لم تكن زيارة رئاسية رسمية، كما أنها لم تتم إلا استجابة لإلحاح عليها من قبل الرئيس استمر لعدة شهور. كما أصر "كازينسكي" على اصطحاب أكبر عدد من أعضاء البرلمان ومسؤولي وكبار قادة الجيش والوزراء والإداريين إلى "سمولنسك". وإن كانت ثمة علاقة للماضي بهذه الكارثة، فقد حدث أن أصر "كازينسكي" نفسه في وقت مبكر من ولايته، على زيارة جورجيا في الثاني عشر من أغسطس 2008، للتعبير عن دعمه لرئيسها (سكاشفيلي)، في ظروف العزلة الدبلوماسية المفروضة عليه من قبل جيرانه. وفي تلك الرحلة، طالب "كازينسكي" بهبوط طائرته في العاصمة الجورجية، على رغم إطلاق النيران الصادر عن الجنود الروس حينها. ولكن رفض كابتن الطائرة الهبوط بالطائرة وتعريضها للخطر، فهبط بها في مطار أذربيجان. وقد أثار ذلك السلوك غضب الرئيس كازينسكي، وحدثت مشادات كلامية على متن الطائرة، غير أن الكابتن أصر على موقفه ولم يستجب للغضب الرئاسي. والسؤال الآن: هل يحتمل أن تكون قد مورست ضغوط على الكابتن يوم السبت الماضي لإرغامه على تجاهل التعليمات الصادرة إليه من المراقبين الجويين الأرضيين بعدم الهبوط وسط ذلك الضباب الكثيف، والتوجه بدلاً من ذلك إلى مطار موسكو أو منسك؟ فقد كان الاتجاه إلى مطار بديل حلاً معقولاً، ما لم يكن الرئيس ومرافقوه من كبار مسؤولي الحكومة وقادة الجيش وغيرهم قد تخوفوا من أن يؤدي هبوطهم في مطار آخر بديل إلى تأخرهم عن القداس الجماعي الذي كان مقرراً إقامته لحظة تحطم الطائرة. يذكر أن الطيارين البولنديين الذين عملوا في الوحدة 303 التابعة للقوة الجوية الملكية البريطانية، قد تميزوا بقدرتهم على صد حملات القصف الجوي النازي إبان معركة بريطانيا في الحرب العالمية الثانية. ومنذ ذلك الوقت وإلى اليوم يفخر البولنديون بمهارة وشجاعة طياريهم. وعلى أية حال، فإن الأمل أن يكشف الصندوقان الأسودان اللذان عثر عليهما عقب تحطم الطائرة عن قصة ما حدث يوم السبت الماضي. وفي حال تأكيد المعلومات الصوتية المسجلة لما ذهبنا إليه من تفسير في هذا المقال، فليس غريباً أن يكون كابتن الطائرة المنكوبة قد خضع لضغوط تصعب مقاومتها عليه وأوامر صدرت إليه بالهبوط تحت كل الأحوال من قبل "كازينسكي" وكبار قادة الجيش الذين كانوا على متن الطائرة. آدم كميلفيسكي - أستاذ الفلسفة بجامعة فروكلاف دنيس داتون - أستاذ الفلسفة بجامعة كانتربري بنيوزيلندا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم.سي.تي.انترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©