الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأكراد وإرث الديكتاتورية العسكرية!

14 ابريل 2010 21:20
اتفق العديد من المفكرين والباحثين الليبراليين على أن الدكتاتورية أصبحت فيما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ملمحاً بارزا في العديد من دول العالم الثالث حديثة الاستقلال، والتي غلب على أشكال الحكم في معظمها الطابع العسكري، كما أن الدول ذات أنظمة الحكم الشيوعية والاشتراكية اعتبرت دكتاتوريات أيضاً من وجهة نظرهم، وكان السبب الرئيسي في توصيفهم هذا هو غياب الاستقرار السياسي عن كثير من هذه الدول، وشيوع الانقلابات العسكرية والاضطرابات السياسية فيها، فضلا عن ظهور مشكلات عديدة تتعلق بمسألة التداول على السلطة. والشعب الكردي موزع الآن بين أربع دول (تركيا، إيران، العراق وسوريا) تصنف جميعاً ضمن خانة دول العالم الثالث (النامي)، ومن سمات الحكم السياسي في هذه الدول، إن استثنينا الحالة السياسية الجديدة المفروضة في العراق، أنها تتصف بنقص الطابع الديمقراطي فيها، وذلك بالطبع مع تفاوتها في درجة النقص. فتركيا، ورغم تعدديتها السياسية، إلا أن هيمنة عقلية "الجندرمة الأتاتوركية"، تبقى صاحبة الكلمة الفصل في القرارات المصيرية للحياة السياسية التركية. وكذلك إيران التي لم تستطع إخفاء الميول القومية "الفارسية" ، بل جسدتها فيما عرف بـ"قومنة الدين". بينما بقيت سوريا محكومة بالفكر القومي متمثلاً في قيادة حزب "البعث العربي الاشتراكي" منذ قرابة نصف قرن. لذلك فكل المظالم والإجراءات والقوانين الاستثنائية التي تطبق بحق الكرد في هذه الدول، يجب أن لا تكون موضع استغراب، فالإرث الديكتاتوري العسكري التفردي، إضافة إلى الأفكار القومية والدينية المتعصبة، تفرض حتمية هذه الإجراءات القمعية. الكرد، وفي نضالهم التاريخي للوقوف في وجه هذه المظالم، أسسوا تنظيمات سياسية في أماكن تواجدهم، واضعين على عاتقها مهمة رئيسية في الدفاع عن وجود الشعب الكردي على أرضه التاريخية، والمطالبة بحقوقه السياسية والثقافية والاجتماعية المشروعة. واستطاعت هذه الحركات، وبالرغم من كل الإجراءات القاسية التي ارتكبتها السلطات بحق مؤسسيها وناشطيها، أن تنال الدعم والتأييد من قبل فئة كبيرة من أبناء الشعب الكردي، حتى أن البعض منها حقق الكثير من الآمال والطموحات الكردية. ولعل مكاسب الأحزاب الكردستانية في العراق خير مثال على ذلك. لاشك أن الظلم والاضطهاد الذي تمارسه السلطات الحاكمة بحقنا كأقليات عرقية قد انعكس علينا سلباً، ومن مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لكن الاستفهامات المطروحة هي: هل هذه الإجراءات كافية لتبرير فشل بعض قياداتنا الكردية في التأسيس لفكر ديمقراطي حر في مؤسساتهم الحزبية؟ أيكفي أن نطالب السلطات الحاكمة بحقوقنا الديمقراطية دون أن نسعى نحن إلى نشر وتبني هذه الثقافة ذاتياً؟ هل ما تعيشه القيادات الكردية هو ضرب من ضروب التماهي بالتسلط كما يصفه مصطفى الحجازي في كتابه (سيكولوجية الإنسان المقهور)؟ على صعيد الساحة الكردية في سوريا، شغلت هذه الأسئلة مؤخراً حيزاً واسعاً للنقاش من قبل المثقفين والسياسيين الكرد، فالتنظيمات الكردية التي تعارض أساساً سياسة النظام السوري حيال حقوقهم الثقافية والسياسية، تواجه اليوم معارضة حقيقية من قبل كوادرها الحزبية بسبب ما تعيشه بعض تلك الأحزاب من هيمنة فردية من قبل بعض القيادات على القرار السياسي والتنظيمي في إطار التجاهل التام لمبادئ وأسس الديمقراطية في الإدارة وآلية اتخاذ القرار السياسي، ما أنتج مؤخراً حالات إصلاحية لم يعتدها الشارع الكردي في سوريا؛ كالحركة الإصلاحية التي يقودها السياسي الكردي فيصل يوسف في وجه ما يسميها "التصرفات الديكتاتورية المتفردة" لزعيم أحد أقدم الأحزاب الكردية في سوريا، وهو حميد درويش الذي يترأس "الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي" منذ نصف قرن تقريباً. فالشعارات الإعلامية المميزة، والتي يطلقها قياديو هذه الحركة، من قبيل "نعم للإصلاح والشفافية"، "لا للفساد"، جعلتها أقرب ما تكون إلى كونها "حركة كفاية الكردية". لذلك نجدها تلاقي صدى واسعاً وقبولا لدى العديد من المثقفين السوريين، لدرجة أن البعض منهم بات يسميها "البيروسترويكا الكردية". والحالة التفاعلية بين الجماهير الكردية من جهة والمطالبين بالإصلاح والديمقراطية في التنظيمات الكردية السورية من جهة أخرى، تدل على أهمية ترسيخ المبادئ الديمقراطية داخل الأحزاب الكردية، فالخوف من تحول قيادات هذه الأحزاب مستقبلا إلى طغاة، أصبح هاجساً لدى الكثيرين. وقد لا تشكل الحالة الكردية استثناءً في هذا المجال؛ فالعديد من الشعوب المضطهدة حول العالم، وفي نضالها للتخلص من الظلم والطغيان، قدمت الكثير من التضحيات، لكن ونتيجة إهمالها للكثير من الجوانب المتعلقة بالأسس والمبادئ الديمقراطية في حركاتها النضالية لم تنتج إلا طغاة جبابرة أشد بطشاً وقسوة من حكامها الأولين. كما وأصبح حلم توريث حالة التجبر من قبل الحاكمين فرضية ممكنة من جديد، في الوقت الذي زادت فيه جرأة حركتنا الكردية للتصدي للحركات المطالبة بالديمقراطية، والعمل على تفريغ الحركة من الفكر الديمقراطي وزرع التناقضات والالتباسات ومحاولة تسميم العلاقات التي ورثتها من قادتها، وذلك من قبيل إشاعة القول إن الإصلاح والشفافية زائلان، وإن الديمقراطية كائن أعمى لا يبصر. بمعنى آخر هناك"ديكور ديمقراطي" يجري ترويجه من أجل تطبيع حالة الدكتاتورية وتوريثها كردياً. إبراهيم بهلوي - كاتب سوري ينشر بترتيب خاص مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©