الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إفقار الطبقة الوسطى الأميركية

10 ابريل 2017 23:39
إذا كنتَ من الطبقة الوسطى الأميركية ومن جيل الطفرة الولادية بعد الحرب العالمية الثانية، أو من الجيل «إكس» أي من مواليد الفترة من الستينيات حتى الثمانينيات، فلربما أمضيت وقتاً طويلًا وأنت تبحث عن إجابة لسؤال عن أسباب تبدد أحلام الرخاء. وإذا كنت من جيل الطفرة الولادية، فهناك احتمال قوي بأنك ما زلت تعمل بعد أن اعتقدت أنك ستتقاعد. وإذا كنت من الجيل «إكس»، ربما تكون على الأرجح أقل ثراء من والديك حين كانا في مرحلتك العمرية نفسها. وفي الوقت نفسه، تفتقر صناديق المعاشات للتمويل، على امتداد أميركا، ومن شبه المؤكد أنها ستعاني عدم القدرة على سداد بعض التزاماتها تجاه المتقاعدين. ولم يكن من المفترض طبعاً أن تصبح الأمور على هذا النحو. ففي ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، كان الأميركيون من الطبقة الوسطى يتطلعون إلى مستقبل من الثروة والاستمتاع بوقت الفراغ. فلو كان المرء صاحب مشروع صغير أو مهندساً أو محامياً في شركة صغيرة، فلربما توقع أن يكون شديد الثراء، والأرجح أنه لم يتوقع أبداً أن تتدهور أوضاعه إلى هذا الحد. فمن المسؤول إذن عن كل ذلك؟ من الذي أخذ منا فرص الرخاء؟ قد يخبرك «بيتر نافارو»، المستشار التجاري لدونالد ترامب، على الفور بأنها الصين، بينما قد يخبرك مستشاره السياسي «ستيف بانون» بأنها اللوائح الحكومية، وقد يخبرك المشرعون المحافظون بأن السبب هو تقديم إعانات للأمهات اللائي يعلن أطفالًا من دون زوج، أو الأموال التي تنفق على الأشخاص الكسالى الذين يحصلون على إعانات طعام. ولكن كل هذه الإجابات خاطئة على الأرجح. ومن الإجابات الصحيحة جزئياً، أن الرخاء انتزعه منك الأشخاص أنفسهم الذين وعدوا بضمانه وتعزيزه. فقد كانت العقود من الثمانينيات إلى عام 2008 هي عصر الليبرالية الجديدة وأيديولوجية السوق الحرة. وكان من المفترض أن يؤدي تخفيف كل من القواعد المالية والضرائب وحماية المستهلك إلى تحرير الإمكانات الاستثمارية الكامنة للأميركيين من الطبقة الوسطى. وقد فعلت هذه الإجراءات هذا إلى حد ما. وشهدت تلك العقود تراكماً للثروة، وأبلى فيها الاقتصاد الأميركي بلاءً أفضل من معظم الأمم الغنية الأخرى في أوروبا وشرق آسيا. ولكن إلى جانب الإنتاجية الحقيقية، شهد عصر الليبرالية الجديدة أيضاً الكثير من الفساد واقتطاع ثروة الطبقة الوسطى. وفقد أفراد هذه الطبقة من السكان البيض، الذين مالوا إلى دعم زعماء أمثال رونالد ريجان ونيوت جينجريتش وجورج بوش الابن، نسباً كبيرة من مدخراتهم بسبب المصروفات الزائدة التي تُدفع لصناديق التمويل المشترك والمستشارين الماليين ووسطاء الأسهم ومديري صناديق المعاشات وغيرها. ودفعوا أيضاً 6% في صورة عمولات عقارية على رغم أن الناس في معظم البلاد تدفع نسبة أقل بكثير. ورفضوا خطة كلينتون للرعاية الصحية في عام 1993، وانتهى بهم الحال إلى دفع مثلي ما يدفعه الناس في الدول الأخرى للحصول على رعاية صحية مماثلة. ودفعوا كذلك أموالاً أكثر في الرسوم الدراسية، وأسعاراً أعلى للشركات التي أصبحت تحتكر الأسواق بعد أن أنفقت الملايين في إقناع الحكومة بالسماح لها بعمليات اندماج عملاقة. والزيادة المشهودة في عدم المساواة في الثروة الأميركية تبين أن تريليونات الدولارات من أصول الطبقة الوسطى تحولت إلى سلم اجتماعي اقتصادي في أيدي طبقة أصغر نسبياً وثرية للغاية. وكل ناحية من نواحي الفشل الصغيرة هذه في السوق الحرة اقتطعت جزءاً من ثروة الطبقة الوسطى الأميركية. والأشخاص الذين اعتقدوا أنهم سيصبحون ضيوف شرف على الوليمة انتهى بهم الحال لأن يصبحوا هم الطبق الرئيسي عليها. فقد استنزفت الرسوم المستترة والخدمات المبالغ في أسعارها الثروة الحقيقية، وخلقت الآمال غير الواقعية أوهام ثروة المستقبل التي كان تبخرها مصدراً أكبر لخيبة الأمل. وتناقصت مدخرات الأسر الأميركية أثناء فترة الليبرالية الجديدة لأن الناس توقعوا أن منازلهم ومعاشاتهم ستقوم بدور الادخار. وجانب كبير من ثروة الطبقة الوسطى الأميركية مرتبط بالعقارات وحسابات التقاعد. وحين يبدو الأمر كما لو أن أسعار المساكن والأسهم ستظل ترتفع دوماً، يتبنى الناس طبيعياً توقعات وردية عن المستقبل. ولكن هذه الأوهام انهارت في عام 2000، فيما يتعلق بالأسهم، وانهارت في عام 2008 بالنسبة للمساكن. وتعافت كلتا السوقين وكلتاهما في قمته المثلى أو قريب منها، ولكن التوقعات الوردية لتسعينيات القرن الماضي وبداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لن ترجع في المدى القريب. ولذا فلن يكون هناك إصلاح سريع للطبقة المتوسطة في جيل الطفرة الولادية والجيل التالي لها. وعلى رغم أن الاقتصاد والتكنولوجيا سيواصلان التقدم، وقد تستطيع الحكومة أن توفر للطبقة الوسطى بعض الانتعاش، إلا أن هذا سيمثل استخفافاً بأحلامهم. فقد كانت الأسواق تعدهم بالقمر نفسه ولكن تبين أنه ليس هناك إلا صورته منعكسة في بركة مياه. ويؤلمني كثيراً أن أقول إن بعض أفراد الجيل الأكبر سيشعرون على الأرجح بخيبة أمل لما تبقى من حياتهم. وبدلاً من الانغماس في أوهام تحقيق الأحلام، يتعين على الزعماء الأميركيين الترويج لرؤية أكثر واقعية لتحقيق تقدم للأجيال الأصغر. ويجب على الحكومة الأميركية اتباع سياسات قادرة على كبح كثير من تجاوزات عصر الليبرالية الجديدة واستعادة النمو الصحي في الوظائف والإنتاجية. * أستاذ التمويل المساعد في جامعة ستوني بروك الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©