الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حرفة التراث وروح الماضي

حرفة التراث وروح الماضي
25 يونيو 2009 22:41
في زمن ما، ظهرت حرف ومهن كثيرة، أحيت الانسان وصنعت الحضارة، وأمنت حاجات الناس، فتناقلها الأبناء عن الآباء، عبر مئات السنين، ومنهم وصلت إلى كل شعوب الارض، ولكن هذه المهن التي هي مصدر للمباهاة بما تصنعه يد الانسان اللبناني، بدأت تفقد حضورها وحيويتها وحتى وجودها، في ظل ظواهر اجتماعية متعددة خلفتها الحياة الاستهلاكية، وما أفرزته الصناعات الضخمة والتكنولوجيا حيث تموت مهن بكل ما تحمله من تراث وروح الماضي، وتظهر مهن بديلة بنكهة ولون هذا الزمان... نحن نشهد هذه الظاهرة، ولا نعرف ان كان أبناء الجيل الصاعد سيتسنى لهم رؤية تراث أجدادهم. حرفيون تركوا آثارهم معلقة على جدران الأسواق القديمة، وآخرون ما زالوا يحفرون في ازميل ذاكرتهم لتترك بصمتها في صميم الحداثة والعولمة. إنَّه زمن عجيب يهيمن فيه كل ضوضاء وصرعات الحياة الاستهلاكية، فيحن الانسان الى العراقة ويأنس للماضي. صناعة الخرز في لبنان هي من الصناعات الزجاجية التي توارثها الصنّاع أباً عن جد، وعملوا على استمراريتها. الاّ أنَّ الصناعات المستوردة من الشرق الاقصى استطاعت أن تحد من تطورها لرخصها وقلة تكلفتها وجودتها وتنوعها، حتى إنَّ الحرفيات اللبنانيات اللواتي كن يتباهين بالخرز اللبناني الآتي من بعض مصانع الزجاج، لم يجدن غضاضة في تطعيم أعمالهن ومشغولاتهن الخرزية بالمنتجات الصينية والتايلاندية من الخرز، فتحولت هذه الحرفة من المصانع الى الهاويات، اللواتي يرسمن على الخرز رسومهن الدقيقة والجميلة فتحوله الى لوحات فنية رائعة، ثم يقدمن هذا الخرز بتشكيلات جمالية، تشهد إقبالاً مميزاً. صناعة وإنتاج يقال إنَّ الخرز كصنعة ابتدأ في المنطقة المشرقية العربية في لبنان وسوريا والعراق وفلسطين والاردن، من خلال صناعات الزجاج، الاّ أنَّ التقنيات الجديدة المتوافرة في الاسواق اللبنانية للحرفيين، جعلت من هذه الحرفة متعة وميزة بحيث يمكن لكل صاحب ذوق فني أن يتفنن في تقديم الافضل، اذ ثمة معدات تطلق اشعة حرارية للحفر والنحت على الخرز المنوي تشكيله، وأخرى للثقب اليدوي الفني، وثالثة للتلوين، إضافة إلى مواد ملونة تثبت فور وضعها فوق الخرز وريش خاصة للتنظيف، وهذه المنتوجات تعرض بصورة موسمية في المعارض المتخصصة التي تقام في لبنان. وتشارك فيها مختلف الشركات المنتجة من اليابان واوروبا واميركا ودول الشرق الاقصى. تشير بعض الاخصائيات ممن يعملن في هذه الحرفة، إلى أنَّ الصبايا يخترن تصاميم الخرز و«موديلاته» من أجل تزيين ثيابهن، ويتم هذا الاختيار: - بالاعتماد على التناقض اللوني، كتشكيل الصفوف من الابيض والاسود بصورة متتابعة، أو اختيار اللؤلؤ للثوب الاسود، والخرز الغامق اللون للثياب الزاهية اللون، كالابيض والزهري والازرق. - بالاعتماد على التناقض الشكلي، كأن يكون الثوب اسود غامقا، فيضاف اليه الخرز الاسود اللماع، وهكذا من باقي الألوان. - باختيار التتابع اللوني المتدرج، كاعتماد الخرز الازرق الفاتح، ثم الغامق. فالتركواز والنيلي وصولاً الى الكحلي تقريباً في تسلسل الخرزات المشكوكة. - الخرز المنقط بالتلوين، ويكون عادة من نفس لون الثوب، والنقاط من الالوان الفاتحة، او العكس إذا كان اللون غامقاً. - الخلاخيل من الخرز، والتي تضاف اليها خرزات فنية او ذهبية اللون، كبديل عن «الخلخال» المصنوع من الذهب. - الشناشيل الخرزية التي يوصل بعضها بجدائل الشعر، إذا كانت صغيرة منمنمة الصنع، او تتفرع عن الاسوارة في المعصم. رسم على الخرز الصبايا اخترن التعامل مع الخرز بلغة الراغبات في تزيين خصورهن بالسيورات (الاحزمة) الجلدية الزاهية، والتي تباع بأسعار معقولة، ويعتمدن في ذلك على شراء السيور الجلدية الاصلية، ثم رسم الصور المطلوبة للشكل الجمالي عليها، وبعدها يؤتى بالخرز المثقوب، فترسم عليه رسوم زخرفية نباتية او أشكال هندسية، وتبدأ عملية تثبيته فوق الاحزمة، إما بطريقة اللصق بمادة قوية، أو بخياطته بإبر سميكة وخيوط صيد السمك، في عمل متواصل، يحتاج الى صبر طويل وذوق فنانة، وبعدها تحمل هذه السيور الى المحال المتخصصة ببيع امثالها للراغبات، وتباع بأسعار تشجيعية. هناك ايضاً، الاكثر خبرة وبراعة، ممن يأتين بالخرز وصفه بشكل متراص، ليصبح خرزاً بديع الالوان ودقيق الصنع، وطبعاً هذا النتاج يتم بعد عمل مضنٍ، ويحتاج لجهد يستمر قرابة الاسبوع لكل قطعة، وهي تباع بأسعار اغلى من الاولى، خصوصاً اذا كان الخرز مزدانا بمنمنمات مشرقية فنية رائعة. برغم استمرار الحصار.. ميدان «الجندي المجهول» ساحة لألعاب الأطفال سما حسن غزة - الصيف في غزة يعلن عن قدومه بأجوائه الحارة، والإجازة الصيفية بدأت، والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة.. أين يقضي أهل غزة المحاصرون أوقاتهم؟ ثمة بادرة من أمل تلوح في الأفق، وتحرك الباعة الذين يتجولون وسط مدينة غزة، فأصبحوا يحكمون حصارهم حول مداخل ومخارج منطقة ميدان الجندي المجهول في غزة، عقب توافد العشرات من الأسر الغزية، للتجمع حول نافورة للمياه التي أعيد افتتاحها، في الميدان المشار إليه. بسرعة أصبحت نافورة المياه، التي تتحرك بسرعة وبأعمدة متراقصة من الضوء ذات الألوان المختلفة، قبلة تستقطب السياحة الغزية الداخلية خصوصاً في ظل افتقار المدينة إلى الأماكن الترفيهية، وحاجة السكان إلى التنزه، والهروب من ضغوط الحياة التي تواجههم. اجتماع رغم التباين لقد جمعت نافورة المياه الغزيين المنقسمين حول خياراتهم السياسية المختلفة، ففي الوقت الذي تتواجد صبايا سافرات يرتدين بنطلونات ضيقة وسترات مخصرة، يداعبن المياه ويلتقطن الصور، تجد الى جانبهن فتيات منقبات ورجال بلحى كثيفة، يلتقطون الصور لأطفالهم. تقول إحدى الصبايا: أين سنذهب؟ الصيف قادم بحره، وبيوتنا مكتظة وحارة بسبب انقطاع الكهرباء المستمر، لا توجد وسيلة للسفر خارج غزة، ولا يوجد أماكن للترفيه، جئت هنا مع صديقاتي لنمضي وقتاً ممتعاً، نتحدث ونأكل المكسرات ونشرب العصير، المكان جميل رغم كونه مكتظاً ولكن لا خيار أمامنا، لأنه أيضا قريب من منزلنا. وقد عمدت الجهات المسؤولة في مدينة غزة، إلى إضاءة المكان، رغم ما تشهده المدينة من انقطاع متكرر للتيار الكهربائي، وذلك لكثرة الوافدين، وإيذاناً بحلول موسم فصل الصيف الذي تكثر فيه رحلات التنزه. وثمة طفلة لا تتجاوز الـ5 أعوام شدتها روعة المكان، ترفض أن تستمع لدعوات والدها الذي يلحّ عليها بصوت عال لمغادرة المكان نظراً لتأخر الوقت، وتصر على البقاء مدة أطول. وتقول فتاة أخرى جاءت برفقة أسرتها الى المكان، «أشعر باختناق في المنزل. نحتاج الى أماكن للترفيه عن أنفسنا، الحرب مازالت تطغى على كل ذكرياتنا، لا نستطيع أن ننسى في يوم وليلة ما حدث لنا، حتى هذا المكان الجميل نخشى أن تدمره إسرائيل في غارة عشوائية قادمة، ويعاني جميع سكان القطاع الساحلي، خصوصاً الأطفال والنساء منهم جراء الحرب الإسرائيلية الأخيرة، والحصار الذي مازال يطبق على أنفاسهم، ويحرمهم من التنقل والسفر للخارج. بالونات الأطفال وسيلة للعيش يحمل أبو أحمد البالونات ودمى الأطفال البلاستيكية الرخيصة، يعرضها على الأطفال الملتفين حول المياه المتراقصة، ولا يخفي أمله ورجاءه بأن تبقي الجهات المسؤولة عن المتنزه محركاتها لتوليد الكهرباء عاملة دون انقطاع. ويقول: «منذ أن أعيد افتتاح النافورة والعائلات تتوافد الى المكان. وما جنيته من ربح خلال ليلة واحدة أكثر بكثير من نتيجة عملي طوال الشهر، وأنا أدور بين الشوارع والأزقة، أرجو أن يستمر الحال هكذا ويزداد الاقبال في الاجازة الصيفية أكثر. باب للرزق منذر الداية (27 عاماً) كان يعمل في التبليط، وهو عاطل عن العمل منذ سنوات خمس، كذلك شقيقه بهاء البالغ من العمر عشرين عاماً، كان منذر يعمل بما قيمته عشرين أو ثلاثين شيكلاً في اليوم تكفي ليشتري بها طعام يوم نباتي للبيت، وهو من سكان عسقولة في الشجاعية، وقد توجه للنافورة فور افتتاحها ليعمل هناك كبائع للقهوة الساخنة حيث يساعده شقيقه. فبعد وفاة والده منذ ستة عشر عاماً أصبح منذر مسؤولاً عن عائلة كبيرة. يقول عن التجربة: النافورة فتحت لي باباً للرزق، قد لا يكون واسعاً كما ينبغي، ولكنه يكفيني ذل السؤال، خاصة أنَّ البيت مليء بالأفواه التي هي بحاجة للطعام، ما أكسبة أعطيه لأمي لتتدبر أمر أخواتي الصبايا وتطعمنا، الحمد لله على كل حال
المصدر: بيروت
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©