الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العائدون من العراق··· الكلفة الحقيقية للحرب

العائدون من العراق··· الكلفة الحقيقية للحرب
14 مايو 2008 01:30
في يوليو ،2006 جلس أربعة ضباط أميركيين في مطعم إيطالي في ''ساكيتس هاربر'' بولاية نيويورك: ثلاثة ملازمين ونقيب، جميعهم أصدقاء، وجميعهم قادة فصائل في ''الفرقة الجبلية'' العاشرة، وكان من بينهم أخي الأصغر سناً ''جيف''، الذي كان وقتها في الثالثة والعشرين من عمره· كانت تلك وجبتهم الأخيرة معا قبل أن يشدوا الرحال إلى العراق· وبعد سنتين على ذلك، لا يتذكر أي من أعضاء سلاح المشاة هؤلاء الوجبةَ التي تناولوها تلك الليلة، ولكنهم يتذكرون جميعا ما قيل فيها:''الإحصائيات تقول إن واحداً من أربعة منا سيُصاب أو يقتل هناك''· بعد شهر على ذلك، وصلوا إلى بغداد قبيل ''الزيادة'' (الزيادة في عدد القوات الأميركية في العراق)· وفي الثاني من أكتوبر 2006 كان النقيب ''سكوت'' كويلتي، 26 عاماً، يقود دورية من المشاة في بلدة ''رستم الله'' جنوب بغداد حين انفجرت واحدة من تلك العبوات الناسفة التي تُزرع على حافة الطريق، ففقد على إثرها ذراعه اليمنى وساقه اليمنى· وفي الحادي والعشرين من أكتوبر ،2006 كان الملازم ''فيريس بتلر''، 26 عاماً، زميل شقيقي في السكن ببغداد، يقود مركبته في طريق بإحدى المدن الأخرى المحاذية لنهر الفرات· في ذلك اليوم، ''أُصيب'' ''فيريس''· أما السبب، فهو عبوة ناسفة أخرى، فقد على إثرها قدمه اليمنى وساقه اليسرى· كان الملازم ''جريجوري كارتيير'' جارَ شقيقي بمعسكر ''كامب سترايكر'' في بغداد، وكانا ينتميان إلى نفس الفصيلة بالمدرسة العسكرية التي تخرجا منها· في الثامن من مايو ،2007 كان ''جريجوري'' في مهمة لردم الحفر والفجوات التي تحدثها العبوات الناسفة في الطرق العراقية· كان الرجال يمدون أحدهم الآخر بأكياس الرمال على طول الخط، وكان ''جريجوري'' الأقرب من الحفرة حين انفجرت عبوة ناسفة في وجهه· بعد أسبوع على ذلك، استيقظ ''جريجوري'' على سرير بالمستشفى، لم يكن يستطيع رؤية أي شيء، ولكنه سمع صوتاً مألوفاً وأحس بشخص يدنو منه ويلمس ذراعه:''جريجوري''! هذا أنا ''سكوت''! هل تسمعني؟''· أول شيء خطر على ذهن ''جريجوري'' هو:''ماذا يفعل ''سكوت'' في بغداد، ومتى عاد؟''· لم يكن يعرف أن كليهما كانا في ''مستشفى والتر ريد'' العسكري بواشنطن· فقد أُصيب ''جريجوري'' بجروح في كل جسمه، كما فقد عينه اليسرى، وكان يعاني من إصابة في الدماغ· عاد شقيقي، الذي يبلغ اليوم 25 عاماً، إلى الولايات المتحدة في نوفمبر الماضي بعد أن أكمل مناوبته في العراق التي دامت 15 شهراً· لقد نجا من الموت أو الإصابة في أكثر من 200 مهمة حربية- على الطرق نفسها، والمدن نفسها، والمركبات العسكرية نفسها- وتلقى نجمة برونزية، على غرار أصدقائه الذين وُشحت صدورهم بأوسمة وميداليات شرفية اعترافاً بالخدمات التي قدموها· وقد سمعتُ قصة الحوار الذي دار بينهم في 2006 لأول مرة عندما التقيت بالأربعة معا في ''أتلانتيك سيتي'' في ديسمبر ·2007 كان ''فيريس'' و''سكوت'' على كراس متحركة، وهو وضع لم يكونا معتادين عليه من قبل، أما ''جريجوري''، فقد كان مختلفاً تماماً، ولم يكن الشخص الذي يعرفه أصدقاؤه· كان الثلاثة وقتها ما يزالون يخضعون للعلاج بالمستشفى العسكري· وكان شقيقي ''جيف''، الذي عاد للعيش في ''ساكيتس هاربر''، يزورهم نهايـــة كـــل أسبوع· ولكن عندما رأيتهم هذا الربيع، لاحظتُ أن تغيرات كبيرة بخصوص طريقة تعاملهم مع مرحلة ما بعد الحرب قد حدثت· فقد كان ''سكوت''، مثلاً، قد بدأ العمل مع ''هيئة الناجين''، أو ''شبكة الناجين من الألغام الأرضية'' سابقاً، وهي منظمة غير ربحية لـ''مساعدة بعضنا البعض على التغلب على تأثيرات الحرب والعنف''· أعطاني ''سكوت'' كتاباً كان رئيس ''الهيئة'' ''جيري وايت'' - وهو نفسه أحد الناجين من الألغام الأرضية - قد انتهى للتو من تأليفه ويحمل عنوان ''لن أنكسر: 5 خطوات للتغلب على أزمة حياتية''· ويقدم هذا الكتاب نصائح حول كيفية التعاطي مع تلك ''اللحظات التي لا يمكن تفاديها، والتي تقسم حياتنا إلى ''ما قبـــــل'' و''ما بعد''· ويشمل ذلك، حسب ''وايت''، الأشخاص الذين يحاربون مرض السرطان، أو أصيبوا في انفجار قنبلـــة، أو عانوا فقدان أحد الأقارب· كما يحكي فيه ''وايت'' قصص الناجين الذين التقى بهم والذين تمكنوا من تجاوز محناً وتجارب صعبة، ومواصلة حياتهم، إنهم ''الناجون الكبار'' مثلما يسميهم· إنه كتاب لمساعدة الذات يدعونا لعدم الاستسلام وعدم السماح لأنفسنـــا بالركـــــون إلى دور الضحيــــة طويلاً، مقدماً بعض الإجابات على سؤال: كيف نواصل حياتنا؟ وهو ســـؤال يجيب عليه هؤلاء الجنود كـــل يوم في الواقـــع، كل على طريقته· كانت تلك المرةَ الأولى التي تعرفتُ فيها على أميركيين غيري يعيشون مع عواقب الحرب· فعندما كنتُ في العراق لأغطي الحرب كمراسل لـ''نيوزويك''، قُتلت المرأة التي كنت أعتزم الزواج بها في بغداد على يد المتمردين في السابع عشر من يناير ·2007 كان اسمها ''آندي بارهاموفيتش''، وكانت قد قدمت إلى العراق مع ''المعهد الديمقراطي القومي''، وهو منظمة غير حكومية· وبعد مقتلها، عدت إلى الولايات المتحدة وشرعت في الكتابة· وكان ذلك نوعاً من الصمــــود، وطريقــــة لفهم ما حدث وتكريم روح المرأة التي أحببتها· لقد اخترنا جميعا- ''آندي'' وأنا و''جيف'' و''جريجوري'' و''سكوت'' و''فيريس'' ؟ العراق، حيث تطوعنا كل من أجل قضية يؤمن بها· لقد كنا ندرك المخاطر المحدقة، وإنْ كانت تلك طريقة بسيطة للتعبير، إذ لا أعتقد أنه بإمكان أي شخص أن يدرك إدراكاً تاما المخاطر إلى أن يكون في طريقه إلى مركز التأهيل الطبي التابع لـ''مستشفى والتر ريد'' العسكري، أو إلى إحدى الجنازات في أوهايو· كثيراً ما يتم تناول موضوع حرب العراق من قبل المراقبين والكُتاب والساسة كممارسة فكرية· ولكنها ليست كذلك في الواقع؛ فمئات الآلاف من الأشخاص يعيشون عواقبها كل يوم:عشرات الآلاف من العراقيين الذين قُتلوا، وعائلات الـ4074 جنديا أميركيا الذين قُتلوا، والأكثر من 900 متعاقد الذين قُتلوا، والأكثر من 29000 أميركي الذين أصيبوا· هؤلاء الأفراد - والأشخاص الذين أحبوهم - يدركون الكلفة الحقيقية للحرب! مايكل هاستينجز صحافي أميركي ومراسل لمجلة نيوزويك ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©