قلم «الزكرتي» وقلم «المبهدل»

جرّب أن تضع في الجيب العلوي لكندورتك الجديدة التي تُصدر ضجيجاً عند الحركة قلماً مقلّداً من ماركة «مونت بلاك»، يُباع في بانكوك بسعر طبق حشرات مقلية، وضع على رأسك غترة حمراء من شركة «دنهل»، وعقالا يلمع من المحل الشهير «بوحليقة»، واحمل هاتف «بلاك بيري»، والبس ساعة «رادو»، وارتدي في قدميك ذلك النعال الذي لا أعرف اسمه لكنه يشبه المركب وصار موضة بين الشباب، وهذّب شعر وجهك وتبخّر، ثم اشعر بالزهو بما يقوله الناس: ما شاء الله.. كامل والكمال لله.. أحلى ما فيه القلم. وجرّب أن تضع قلماً أصلياً من الماركة نفسها، في الجيب المهترئ من كندورتك البيضاء التي أصبحت بفعل غدر الزمان صفراء تُلفت الناظرين، واستر صلعتك بغترة عليها نقوش للورود والمباخر والدخان المتصاعد منها، وبعقال يشبه حزام محرك السيارة، واحمل معك هاتفا جوّالا أثريا به هوائي صغير، وضع في معصمك ساعة «كاسيو» ضد الماء والكولا، والبس نعال «زنوبة» مشقوقا في جزئه الأمامي، واترك ما في وجهك ينمو بلا رعاية أو توجيه، وتعطّر بمبيد الحشرات، واسمع بعد ذلك تعليقات الناس: أعوذ بالله.. النظافة من الإيمان.. «مونت بلاك» يا رجل؟ من الأقوال المأثورة إن الصادق يصدَّق ولو كذب، والكاذب يكذَّب ولو صدق، فالمعروف عنه الصدق يصدّقه الناس ولو قال إنه اصطاد فيلاً في قرقور (مصيدة أسماك) ووضعه في حوض السباحة مع الدلافين والجمال، بينما المعروف بين الناس بكثرة الكذب، لا يصدقه الناس حتى في اسمه. ويعتمد النجاح أو الرسوب في اختبارات تقييم المظهر على شيء من هذا القبيل، إذ أن الزكرتي (الأنيق) يحصل على الامتياز ولو وضع قلماً مقلّداً، والمبهدل (غير الأنيق) يقول له الجميع: بلّغ تحياتنا للسوق الليلي في بانكوك، ولو كان القلم الذي يضعه في جيبه العلوي أصلي اشتراه بألف وألفين درهم من محل فاخر. يحكم الناس بعضهم على بعض من خلال المجموع النهائي، وليس بالنظرة الانتقائية أو بآخر النتائج، سواء في مسألة الصدق، أو في حكاية الأصلي، أو في أي أمر آخر، فالذي يتغيب عن عمله كثيراً ثم يحدث أن يتغيب بسبب الوفاة، فإن رئيسه في العمل لن يصدّق أنه مات، بينما قليل الغياب صادق في نظر رئيسه ولو ادعى أنه تغيب بسبب ارتباطه بحضور حفل زواج أبيه من أمه. والذي تتدلى أطرافه من جوانب الكرسي وتبدو ترهلات بطنه من فوق الكندورة، فإن ادعائه بأنه لا يأكل كثيراً ادعاء باطل بطلاناً مطلقاً، ولو كان فعلاً يأكل كما تأكل العصافير. وفي المقابل، فإن الشخص النحيف لا يمكن اتهامه بكثرة الأكل ولو ضبط متلبساً بالتهام خروف وهو حي. وإذا وقعت جريمة سرقة قلادة في مكان عام أو في «مول»، وحضرت الشرطة وطوّقت المكان لئلا يفرّ المجرم، ثم أخذت تستعرض الموجودين بحثاً عن الجاني، فإن المشتبه به الأول سيكون المراهق الذي يتكئ باستهتار على صديق له، ويضع قبعة على رأسه تحمل صورة لـ«بـوب مارلي» أو «جيفارا»، ويرتدي قميصاً عليه نقوش لجماجم وقرون شياطين، وتتدلى السلاسل الغريبة من رقبته، كما أن شعره الأشعث الطويل محشور بين عينيه ونظارته الشمسية التي يرتديها في «المول». بينما ستعتذر الشرطة لمراهق آخر يقف بثقة ويرتدي ملابس لائقة، وسيغادر المكان وهو يتحسّس القلادة التي في جيبه. أحمد أميري me@ahmedamiri.ae