السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خلفية التحركات الروسية في أوكرانيا

9 مارس 2014 23:58
تتعدد الأسباب والدوافع وراء الأزمة الأوكرانية الحالية، لكن جذورها الحقيقية تعود أساساً إلى قرار جوهري اتخذته الولايات المتحدة وحلفاؤها في مطلع تسعينيات القرن الماضي. فعلى ضوء التحدي الاستراتيجي لبناء هيكل أمني جديد لمرحلة ما بعد الحرب الباردة في أوروبا جاء القرار بإقامة برنامج يقضي بالتوسع التدريجي لحلف شمال الأطلسي نحو الشرق. وفي هذا السياق جرت المرحلة الأولى من عمليات الالتحاق بالحلف في عام 1999 عندما مُنحت العضوية لكل من جمهورية التشيك والمجر وبولندا، ثم أعقبتها مرحلة ثانية في 2004 بانضمام بلغاريا وإستونيا ولاتفيا وليثوانيا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا، وأخيراً التحقت كل من ألبانيا وكرواتيا في عام 2009، ومع أن السياسة الرسمية لحلف شمال الأطلسي تقول إن أبوابه مفتوحة لأي بلد يرغب في الانضمام على أن تتوافر فيه الشروط، يبقى عملياً أنه لم تكن هناك أي فرصة حقيقية لقبول روسيا ضمن الناتو، بل إن الحافز الأول بالنسبة للعديد من الأعضاء الجدد في الحلف كان درء أي اعتداء من موسكو وتفادي كل ضغط منها، لذا استنتج الروس بأن توسيع «الناتو» شرقاً إنما يهدف بالدرجة الأولى إلى احتواء روسيا عسكرياً وسياسياً، لتبدي روسيا معارضة واضحة وقوية لعملية التوسع تلك منذ بدئها، واليوم تُجمع الطبقة السياسية الروسية على أن توسع الناتو يمثل خطراً حقيقياً على الأمن القومي الروسي. وبالمثل تنظر روسيا إلى التوسع شرقاً للاتحاد الأوروبي على أنه الخطوة الأولى نحو إدماج الدول في المؤسسات الغربية بما فيها الناتو، وهو ما يفسر المعارضة الشديدة التي أبدتها موسكو لتوقيع أوكرانيا على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، لكن إذا كان توسع «الناتو» شرقاً قد جلب منافع عديدة للأعضاء الجدد، إلا أنه ساهم أيضاً في إشعال جذوة الصراع الجيوسياسي المحتدم حالياً بين روسيا والغرب والذي وصل ذروته بالمواجهة الحالية بشأن أوكرانيا، فالمعضلة الأساسية المرتبطة بمشروع توسع الناتو شرقاً أنه كان في لحظة ما سيصطدم حتماً بالقوة الروسية، وقد وصلنا فعلا تلك المرحلة في 2008 عندما أعلن مسؤولو الناتو في قمتهم لشهر أبريل أن أوكرانيا وجورجيا سيُمنحان قريباً فرصة الانضمام للحلف، وهو القرار الذي عجل بالحرب القصيرة بين روسيا وجورجيا في شهر أغسطس من العام نفسه، وها نحن نصل نقطة صدام أخرى حول أوكرانيا تنطوي هذه المرة على رهانات أكبر، لذا يظل من المهم الآن نزع فتيل الأزمة من خلال الدبلوماسية النشطة، فرغم كل التحذيرات التي يمكن توجيهها لموسكو بشأن التداعيات الاقتصادية والسياسية لتوسيع تدخلها العسكري، كما فعل أوباما يوم الجمعة الماضي، إلا أنه من واجب الحكومات الغربية تحذير أيضاً القيادة السياسية الجديدة في كييف بضبط النفس وعدم التهور لاستفزاز روسيا، أو تجاهل مصالحها. فالحقيقة الساطعة أنه حتى لو توقف الجيش الروسي عند إقامة دولة تابعة في القرم ستحتفظ روسيا بأدوات ضغط هائلة على الحكومة الجديدة في أوكرانيا، بحيث تستطيع قطع إمداداتها الحيوية من الغاز، أو رفع سعره في وقت تواجه فيه أوكرانيا صعوبات اقتصادية كبيرة، بل يمكنها فرض رسوم جمركية وغيرها على التجارة، والأكثر من ذلك يمكنها التسبب في مشاكل لا حصر لها ليست فقط في القرم، بل أيضاً في مناطق واسعة في الشرق التي يتحدث أهلها بالروسية؛ وفي ظل هذه الأزمة يبدو أن الوقت قد حان لإعادة النظر في مسألة توسيع حلف شمال الأطلسي واستكشاف ترتيبات مؤسساتية بديلة للحفاظ على الأمن الأوروبي في القرن الحادي والعشرين، فأوكرانيا على سبيل المثال ستكون أفضل حالا ضمن معاهدة ثلاثية بين الناتو وروسيا وأوكرانيا تكفل حيادها العسكري ونوعاً من الاتحاد الجمركي المشترك بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، أو حتى اتحاداً جمركياً تقوده موسكو، فليس من مصلحة أحد، وبالأخص أوكرانيا، أن يستمر صراع الديكة بين روسيا والغرب حول التوجهات الخارجية لكييف. إدوارد ووكر أستاذ العلوم السياسية ومدير برنامج الدراسات الأوراسية بجامعة بيركلي الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©