الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

واشنطن والخطوة التالية في سوريا

11 ابريل 2017 21:39
تُعد الضربات الصاروخية الأميركية ضد سوريا خطوةً أولى مهمة على طريق حماية المدنيين من تهديد الأسلحة الكيماوية، ولا شك أن الرئيس دونالد ترامب يستحق الإشادة لقيامه بما رفضت إدارة أوباما القيام به لسنوات، ولكن تحرك الخميس ينبغي أن يكون الطلقة الأولى فقط ضمن حملة هدفها ليس حماية الشعب السوري من وحشية نظام بشار الأسد فحسب، ولكن أيضاً وقف التراجع المتواصل للقوة والنفوذ الأميركيين في الشرق الأوسط وعبر العالم، فضربة صاروخية واحدة يتيمة لا تستطيع، للأسف، إصلاح ما تسببت فيه سياسات إدارة أوباما من أضرار خلال السنوات الست الماضية. والواقع أن ترامب لم يكن مخطئاً حين حمَّل المسؤولية عن الوضع المزري في سوريا اليوم للرئيس بشار الأسد، ذلك أن العالم سيكون مكاناً مختلفاً اليوم لو أن أوباما نفّذ تهديده بضرب سوريا عندما تجاوز الأسد «الخط الأحمر» الشهير في صيف 2013، ولكن الاتفاق السيئ الذي عقده وزير الخارجية الأميركي وقتئذٍ جون كيري مع روسيا لم يفشل فقط في التخلص من مخزون سوريا من الأسلحة الكيماوية، وسمح لنظام الأسد بإلقاء البراميل المتفجرة واستخدام أعمال تعذيب واسعة ضد المدنيين رجالاً ونساءً وأطفالاً، ولكنه استدعى أيضاً تدخلاً روسياً شاملاً في خريف 2015، وهو ما أنقذ الأسد من انهيار ممكن. واليوم، تعمل آلاف القوات الروسية عبر سوريا، ليس ضد تنظيم «داعش» بشكل رئيس، وإنما ضد السكان المدنيين وفصائل المعارضة المعتدلة المدعومة من الولايات المتحدة، كما قامت روسيا بتعزيز وجودها العسكري في شرق المتوسط بشكل كبير، والحال أن منظومة الدفاع الجوي والمنظومة المضادة للسفن الكبيرتين اللتين نشرتهما روسيا ليست لهما أي علاقة بمحاربة الإرهاب، ولهما علاقة قوية بتهديد مصالح الولايات المتحدة و«الناتو». وقد أمضى أوباما وكيري أربع سنوات في السعي وراء هذه الشراكة، ولكن روسيا كانت شريكاً على النحو الذي تكونه المافيا عندما تأتي إليك وتضغط عليك في متجرك لبيع الملابس الرياضية، ثم إنه بفضل سياسات أوباما، أخذت روسيا تدريجياً تحل محل الولايات المتحدة كلاعب أساسي في المنطقة، لدرجة أن حتى حلفاء الولايات المتحدة مثل تركيا ومصر وإسرائيل أخذوا يتطلعون بشكل متزايد نحو موسكو باعتبارها لاعباً إقليمياً مهماً. وإلى ذلك، سمحت سياسات أوباما أيضاً بتوسيع قوة إيران ونفوذها إلى حد غير مسبوق، حيث تملك إيران في سوريا 7 آلاف مقاتل على الأقل، وتقود ائتلافاً يضم 20 ألف مقاتل أجنبي، عراقيين وأفغاناً إضافة إلى 8 آلاف مقاتل من «حزب الله» اللبناني. وإذا أضفنا إلى ذلك التأثير المدمر لتدفقات اللاجئين السوريين الكبيرة على الديمقراطيات الأوروبية، فإن سياسات أوباما لم تسمح بمقتل قرابة نصف مليون سوري فحسب، ولكنها أضعفت بشكل كبير أيضاً مكانة أميركا في العالم وسلامة الغرب وانسجامه، وسيتعين على المؤرخين مستقبلاً أن يكشفوا ما إن كان فشل أوباما في تنفيذ تهديده في سوريا هو الذي قوّى بوتين وشجعه على الانتقال إلى أوكرانيا، وما إن كان هو الذي شجّع الصين على التصرف بشراسة أكبر في بحر جنوب الصين. ولعل هذا ما جعل أصدقاء الولايات المتحدة وحلفاءها في الشرق الأوسط وفي أوروبا الشرقية والوسطى يتساءلون حول مدى جدية الولايات المتحدة بشأن الرد على اعتداءات، لا بل إنه حتى في شرق آسيا، دفعت السياساتُ الأميركية حلفاءَ الولايات المتحدة مثل اليابان وكوريا الجنوبية للتساؤل حول ما إن كان ما زال من الممكن الاعتماد على الولايات المتحدة في الوفاء بالتزاماتها العسكرية. ومما لا شك فيه أن ترامب فاقم هذه المشاكل بشكل كبير خلال حملته الانتخابية من خلال كل خطاباته القوية الموجهة للحلفاء، ولكنه اليوم خطا خطوة أولى مهمة على طريق إصلاح الضرر، غير أن هذا لن يمثِّل نهاية القصة، لأن خصوم أميركا لن تقنعهم ضربةٌ صاروخية واحدة يتيمة بأن الولايات المتحدة عادت بالفعل إلى ممارسة استعراض القوة دفاعاً عن مصالحها والنظام العالمي. فالروس، ومن خلال تعليقهم اتفاقاً مع الولايات المتحدة لتنسيق العمليات الجوية فوق سوريا، يهدِّدون ضمنياً بالتصعيد في سوريا. ومن جانبهم، من المحتمل أن يكثِّف الإيرانيون أنشطتهم، بل ومن الممكن أن يضربوا الأميركيين في سوريا والعراق، ولهذا فإن اختبار تصميم ترامب يبدأ الآن. وعليه، فإذا تراجعت الولايات المتحدة أمام هذه التحديات، فإن الضربة الصاروخية الأميركية، ومع أنها تمثل عملاً صائباً، يمكن أن تؤدي في النهاية إلى تكريس انطباع العالم بأن الولايات المتحدة ليست لديها الشجاعة للمواجهة. وعليه، فبدلاً من أن تكون حدثاً واحداً يتيماً لا تتلوه تحركات عسكرية أخرى، ينبغي أن تكون الضربة الصاروخية الخطوةَ الأولى ضمن استراتيجية سياسية ودبلوماسية وعسكرية شاملة تروم إعادة التوازن في سوريا لصالح أميركا، وهذا يعني إعادة إحياء بعض من تلك المقترحات التي كان يرفضها أوباما خلال السنوات الأربع الماضية: إقامة منطقة حظر جوي لحماية المدنيين السوريين، وإجبار القوات الجوية السورية على عدم التحليق، والتسليح والتدريب الفعليين للمعارضة المعتدلة، وكل ذلك بهدف الوصول إلى تسوية سياسية في النهاية تستطيع إنهاء الحرب الأهلية السورية، وبالتالي نظام الأسد، وغني عن البيان أن التزام الولايات المتحدة بمثل هذا المسار ينبغي أن يكون واضحاً بما يكفي لردع الروس وثنيهم عن محاولة عرقلته، وهذا بدوره يتطلب نقل قطع عسكرية كافية إلى المنطقة حتى لا تنجذب روسيا أو إيران إلى تصعيد الخلاف إلى أزمة، كما سيتطلب من دون شك أن تكون القوات الأميركية على أهبة الاستعداد في حال قيامها بذلك. إن أوباما ومستشاريه في البيت الأبيض كانوا غير مستعدين للذهاب في ذاك الاتجاه، ولذلك فإنهم قاوموا أي تحرك عسكري، بغض النظر عن الاستفزاز. ولكننا نأمل أن تكون إدارة ترامب مستعدة للخطوة المقبلة، وإذا كانت كذلك، فثمة فرصة حقيقية لوقف مسلسل الانسحاب الأميركي من العالم الذي بدأه أوباما. ولا شك أن من شأن رد أميركي حازم في سوريا أن يؤكد لأمثال بوتين، وشي جين بينغ، وآية الله علي خامنئي، وكيم جونغ أون، أن عهد التراخي الأميركي قد ولى. *زميل مؤسسة بروكينجز في واشنطن ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©