الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الكمّة والمصرّ.. يصمدان رغم أنف الحداثة وخداع الكمبيوتر

الكمّة والمصرّ.. يصمدان رغم أنف الحداثة وخداع الكمبيوتر
28 يونيو 2009 00:09
من يزر عمان مرة واحدة سيتعرف على زي رجالها.. ولن يجهل بعد ذلك زيهم الوطني حتى وإن قابلهم في أقصى بقعة من الدنيا طالما يرتدونه، فمن بين بلدان الخليج وشبه الجزيرة العربية يبرز الزي العماني مختلفا، يتلاقى مع بعض الدول من خلال (الكندورة) أو كما تسمى في عمان «الدشداشة»، ويلتقون مع اليمنيين في الإزار والخنجر «الجنبية»، أما غطاء الرأس فالاختلاف جد كبير بين ما يضعه العمانيون على رؤوسهم، وما يعتمره بقية أشقائهم في المنطقة الخليجية، خاصة على مستوى ارتدائه. «المصرّ» و«الكمّة» الميزة الأبرز في السلطنة لغطاء الرأس هو وجود نوعين أساسيين، أحدهما الرسمي ويسمى «المصر» ويلتف حول الرأس ويلوى بطريقة أنيقة تعود إلى مستوى الأشخاص ذوقيا، فهناك من يربطه دون كثير عناية وخلال دقائق يكون قد اتجه بالزي الرسمي إلى العمل (الذي يفرض المصر والدشداشة البيضاء فقط) أو إلى مناسبة عامة حيث يفضل أن يكون الرجال في الزي التقليدي كاملا كدلالة على احترامهم للمكان السائرين إليه، والشخص الذي سيقابلونه. أما الزي الشخصي فهو «الكمة»، ويطلق عليها في بلدان أخرى «القحفية» مع أن هذا الاسم بالنسبة للعمانيين يعني غطاء الرأس العادي الذي يرتديه الأطفال خلال سنواتهم الأولى، وتلبس «الكمة» في الحياة اليومية الشخصية بعيدا عن الظروف المستدعية للبس العمامة (المصر)، وفي عمان فإن لفظة العمامة تختص بالزي الأبيض الذي يرتديه المتدينون، وأيضا هناك العمامة السعيدية، الرمز المميز للأسرة الحاكمة في عمان، ولا يرتديها سواهم. فوارق يحضر المصر والكمة في حياة العمانيين، وفيما أن الثانية ليس لها امتداد كبير لدى الشخصية العمانية ويعتقد أنهم تأثروا بها من زنجبار والدليل أن كبار السن في عمان لا يرتدونها إلا نادرا، خاصة في المناطق خارج العاصمة مسقط، أما المصر فهو اللباس الدائم لدى كبار السن، منذ أن يصبحوا وحتى موعد النوم، ولكنهم لا يحزمونه على رأسهم بقوة كما يفعل الشباب لأن المصر لدى الأجيال الجديدة أناقة بينما لدى سابقيهم غطاء للرأس، يفيد تحت شمس الخليج الملتهبة كحماية للرأس والوجه، وفي الشتاء يمكن الاحتماء به من غطرسة الهواء البارد. ويختلف «المصر» عن «الكمة» كونه يأتي من الخارج جاهزا، خاصة من الهند وتعد المصار الكشميرية الأكثر انتشارا في السوقِ، وهناك مصار الصوف (وهي الأرخص) ثم الأعلى ثمنا منها هي نصف الترمة، ثم الترمة كاملة، وأعلاها ثمنا «الشاتوش»، إذ يقول أحد سماسرة المصار «هذه الكلمة كذبة كبيرة تمارس على المشترين لأن «الشاتوش» يعني وبر الأرانب البرية وبعض الحيوانات الممنوع صيدها أو أنها نادرة أصلا، فكيف يكون مصر الشاتوش بأقل من مائة ريال عماني (ألف درهم تقريبا)؟! يعتقد أن مصدر «الكمة» عماني، وصناعتها كذلك، فهي تدر دخلا جيدا على صناعها، خاصة من النساء ربات البيوت اللاتي يجدن في أوقات الفراغ نوعا من التسلية في نقش ما يسمى بالنجوم على القماش الخام لـ «الكمة» وهي على قطعتين «الدور» وهو الملتف بالرأس، و«القوعة» وهي ما يغطي الرأس ليجمع الجزءين بعد ذلك وتصير ملبوسا زاهيا بألوانه ونقوشه مع اختلاف الأذواق في الرسم المنقوش عليها أو ألوان الحرير المستخدمة في خياطة نجومها. وظهرت في السنوات الماضية موضة «النصف نجم» حيث إن الدائرة الصغيرة لا تخاط كاملة إنما نصفها فقط ليأتي نصف النجم التالي عليها وهكذا تكون أكثر أناقة ودقة، وتقوم البعض منهن باستئجار الخياطة لآخرين يختارون بأنفسهم المواد الخام وتتولى المرأة الخياطة فقط نظير مبلغ يصل أحيانا إلى تكلفة كمة جاهزة، لكن من خطب الحسناء لم يغله الثمن! حرفة نسائية تعد هذه الصناعة مصدر دخل للعديد من العمانيات اللاتي يعملن فيها بالمنزل خلال أوقات الفراغ، أو ما يسمى بالعصريات حيث تجتمع نساء الحارة في بيت إحداهن وتعمل كل واحدة في قطعتها. فيما واجهت هذه الصناعة تحديا أكبر تمثل في «الكميم المستوردة»، أو تلك التي تقوم الفلبينيات بخياطتها، سواء كن في البلاد أو عبر استيراد مباشر من هناك، وتعمل بعض الشغالات في هذه المهنة بعد اكتسابهن لتفاصيلها، ورغم ذلك إلا أن الكمة الأصلية هي التي خاطتها عمانية تدرك أنها تبقى نحو سنتين أو أكثر على رأس الرجل لا تتغير نقوشها. وخلال مواسم الأعياد فإن الحركة على شراء الكميم والمصار تكون كبيرة جدا، ولأن المحال باتت توفر النوعين إلا أن اختيار الكمة أسهل من شراء المصر، فلا يخلو الأمر من خداع كون الزبون لا يفقه كثيرا في نوعية المصار مهما ادعى معرفتها، لأن النعومة ليست كل دلائل الجودة، وما يكون ناعما قد يتغير بسرعة بعد أسابيع قليلة. وفي عصر التكنولوجيا فإن ظهور نوع من الكميم يقال إنه خياطة كمبيوتر أمر طبيعي، فالنقشة وضعتها طابعة بشكل جميل، والثمن أرخص بكثير من غيرها، والمفارقة أن من يذهب لمحل تصوير من أجل صورة شخصية فإن الكتالوج يوفر له مجموعة من الربطات الجاهزة وما عليه سوى الاختيار ليقوم الفوتوشوب بوضع المصر على الرأس، وكأن الأمر طبيعي جدا!
المصدر: مسقط
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©