الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

زلزال سيشوان والانفتاح على الإعلام

زلزال سيشوان والانفتاح على الإعلام
15 مايو 2008 01:28
الأمهات ينتحبن بالقرب من جثث أبنائهن، وعمال الإغاثة يجاهدون لإنقاذ العالقين تحت الأنقاض، ووجه مشدود لأحد المسؤولين السياسيين وهو يواسي المنكوبين ويُطمئن شعباً مفجوعاً· ومع أن هذه المشاهد تتشابه تقريباً في جميع مناطق العالم التي تحل بها الكارثة، إلا أن جهود الإغاثة التي لم تتوقف ونقلها التلفزيون الصيني تبعث فعلاً على الدهشة، لا سيما بالنسبة لبلد يملك سجلاً تاريخياً حافلاً في إخفاء حجم الكوارث التي تصيبه والتقليل من شأنها، أو الفشل في الاستجابة الناجحة لتداعياتها· فمنذ أن ضرب زلزال مدمر منطقة واسعة من محافظة ''سيشوان'' الريفية يوم الإثنين الماضي، مخلفاً أكثر من 13 ألف قتيل والحكومة في بكين منخرطة في عملية إنقاذ مكثفة بعدما أرسلت عشرات الآلاف من الجنود، وعلى رأسهم رئيس الوزراء ''وين جيابو'' إلى المنطقة المنكوبة مرفوقاً بمجموعة من الصحافيين· وقد شوهد رئيس الوزراء، معتمراً خوذة على رأسه وحاملاً في إحدى يديه مكبراً للصوت، وهو يشق طريقه بين أنقاض أحد المستشفيات، منادياً بأعلى صوته ''اصبروا قليلا سيأتي الجنود لإنقاذكم''· وعلى مدار اليوم هيمنت صور ''وين جيابو'' وهو يدير عملية الإغاثة على شاشات التلفزيون· ويبدو أن قادة الحزب الشيوعي يريدون تفادي الأخطاء التي ارتكبتها الطغمة العسكرية الحاكمة في ميانمار عندما رفضت دخول فرق الإغاثة الأجنبية بعد الإعصار الذي ضرب البلاد، مدركين أن مقاربتهم لكارثة الزلزال وطريقة التعامل معها ستكون تحت أعين المراقبة سواء في الداخل، أو الخارج· وبعد شهرين من الانتقادات المتواصلة التي تعرضت لها السلطات الصينية على خلفية تعاطيها مع اضطرابات التبت، لا يستطيع الحزب الشيوعي تحمل جولة أخرى من الهجوم وهو يحضر لاستضافة الألعاب الأولمبية في شهر أغسطس المقبل· وفي محاولاتها الدؤوبة لممارسة سلطتها الشمولية برشاقة وفعالية تجد الصين نفسها أمام لحظة مهمة· فبعد القمع الذي مارسته ضد سكان التبت في الاضطرابات الأخيرة وما أظهره ذلك من ميولها المتشددة حيال بعض القضايا يؤشر قرارها الأخير بإلغاء بعض جولات الشعلة الأولمبية، إثر انتقادها من قبل بعض الصينيين، على أن المسؤولين في بكين ليسوا بعيدين عن نبض الشارع· وفي هذا الإطار يرى ''شي أنبين''، أستاذ الإعلام في جامعة بكين أن الصخب الدولي الذي أثير حول تعامل السلطات مع أحداث التبت كان له أثر واضح على قادة الحزب الشيوعي، قائلاً ''رأيي أن الحكومة تعلمت بعض الدروس من ردود الفعل السلبية، وأعتقد أن ذلك يعكس توجهاً جديداً نحو مزيد من الانفتاح الصيني والإصلاح''· وحتى الآن يبدو أن هذا الانفتاح يؤتي ثماره، حيث امتلأت مواقع الإنترنت الصينية وغرف الدردشة بعبارات الإشادة والثناء لاستجابة الحكومة السريعة· ففي موقع ''تيانا''، المعروف بين أوساط الشباب، حذفت جميع التعليقات التي انتقدت رئيس الحكومة وتأخر الجيش في الوصول إلى ضحايا الزلزال، حيث قال أحد المشاركين ''الذين لا يستطيعون سوى الكلام في هذه اللحظة الجليلة، الرجاء أن يؤجلوا كلامهم''· ومع ذلك تبقى المواقع الصينية على الإنترنت مراقبة على نحو كبير، ولا يعني فتح المجال لبعض الوقت وإظهار التسامح في مناسبات معينة أن الصين تتجه نحو الديمقراطية على الطريقة الغربية· والواقع أن الصين لو نجحت في التعامل مع كارثة طبيعية كبيرة وكان أداؤها أفضل من تعاطي الولايات المتحدة مع كارثة ''كاترينا'' على سبيل المثال، فإن ذلك سيرسخ القناعة لدى بكين بأن أسلوبها الشمولي وغير الأيديولوجي في الحكم قادر على الإيفاء بمعايير الحكامة الجيدة، وتحقيق نمو اقتصاد سريع· ويضيف ''دالي يانج''، مدير معهد شرق آسيا في سنغافورة، إن الحكومة الصينية قد تكون وصلت إلى استنتاج مفاده أن المزيد من الانفتاح والمسؤولية سيعزز شرعيتها ويدفع عنها الاستياء المتنامي جراء الفساد الحكومي، وارتفاع معدل التضخم، فضلا عن الفوارق المتصاعدة بين المناطق الحضرية الغنية ونظيرتها الريفية الفقيرة، موضحاً ذلك بقوله ''أعتقد أن استجابتهم السريعة للكارثة تدل على قدرتهم على الحركة وعلى التعاطف مع المنكوبين، ويبدو أنهم واعون بأن كارثة بهذا الحجم يمكن أن توحد البلاد وتحشد الدعم للحكومة''· والأكثر من ذلك أن الطريقة التي استجابت بها السلطات الصينية لكارثة الزلزال يوم الإثنين الماضي لا تختلف فقط عن أداء حكومة ميانمار المجاورة، لكنها تختلف أيضاً عن الأداء السيئ للصين خلال الزلزال المدمر الذي ضرب مدينة ''تنجشان'' شرق البلاد في العام 1976 وخلف أكثر من 240 ألف قتيل· ولا شك أن الدروس المستخلصة من تلك الكارثة المروعة مازالت محفورة في أذهان القادة في بكين· ففي الأيام التي أعقبت الزلزال سارع الحزب الشيوعي إلى التقليل من شأن الكارثة ورفض عروضاً دولية لتقديم المساعدة، تاركاً عملية الإغاثة للجنود قليلي التدريب والمعدات· لكن ''هوا جوفينج'' الذي سيخلف ''ماو تسي تونج'' بعد وفاته في وقت لاحق من تلك السنة زار المناطق المنكوبة ووقف على حجم الخسائر الكبيرة، فأمر باعتقال الدائرة المغلقة للحزب الشيوعي التي تدير البلاد، منهياً بذلك عقد الثورة الثقافية وفاتحاً المجال أمام الجيل الجديد من القادة الصينيين الذين سيطلقون الإصلاحات الاقتصادية المستمرة في تغيير وجه الصين إلى حد الآن· وفيما ظلت المعلومات حول بعض الحوادث التي شهدتها الصين في الآونة الأخيرة بعيدة عن الصحافة مثل تصادم قطارين في الشهر الماضي ومقتل 72 شخصاً في محافظة ''شاندونج''، اتسمت تغطية زلزال ''سيشوان'' بانفتاح أكبر وحرية أوسع· فقد سُمح بتدفق العشرات من الصحافيين الصينيين الذين نقلوا مباشرة ومن عين المكان معاناة السكان وجهود الإغاثة· ويعزو ''شي أنبين''، أستاذ الإعلام في جامعة بكين، الذي أبدى دهشته إزاء الانفتاح الإعلامي الصيني في التعامل مع الكارثة، إلى قانون صدر مؤخراً يطلب من المسؤولين الرسميين تزويد وسائل الإعلام بالمعلومات الوافية خلال الكوارث الطبيعية· ومع ذلك لا يمكن استبعاد دور الألعاب الأولمبية والرغبة الصينية في إنجاحها في الانفتاح على العالم الخارجي وفتح أبوابها أمام الصحافة الأجنبية· أندرو جاكوبز- بكين ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©